القاهرة – عرض القيادي الإخواني يوسف ندا الحوار مع النظام المصري متخليًا عن الكثير من الشروط السابقة لجس النبض ومعرفة مدى استعداد القاهرة للمصالحة، بانيا طرحه على إشارات عرضية أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان السبت الماضي.
جاءت دعوة المصالحة الإخوانية في وقت يتراجع فيه تيار الإسلام السياسي في المنطقة ويتلقى الهزيمة تلو الأخرى مثل ما جرى في المغرب وتونس. ففي المغرب تلقى حزب العدالة والتنمية هزيمة مدوية نزلت بعدد نوابه في البرلمان من 125 إلى 13، وفي تونس تراجعت شعبية حركة النهضة إلى أدنى مستوياتها وخرجت من الحكم بعد انتفاضة شعبية في الخامس والعشرين من يوليو.
وإذا كان الرئيس التونسي قيس سعيد لا يريد الحوار مع راشد الغنوشي والنهضة، وهم في الحكم والبرلمان، ولاحقا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو، فكيف بحال الإخوان في مصر وغالبية قيادات الجماعة تقيم في تركيا وغيرها.
طارق أبوالسعد: ما قاله السيسي لا يوحي بحوار أو مصالحة مع الإخوان
ويقول مراقبون إن تجربة الحوار مع الإخوان قادت إلى نتائج مشابهة في بلدان عربية مختلفة، فالجماعة تبحث عن “مصالحة” خادمة لها وتمهد لتغلغلها في مؤسسات الدولة، وليس لأجل تقديم تنازلات جدية تخرج الجماعة من بعدها الطائفي إلى كيان مدني خادم للدولة، وهو ما يجعل تلك المصالحة أمرا مستحيلا.
وأشار ندا الثلاثاء إلى أن الباب مفتوح للحوار مع النظام المصري، لافتًا إلى ما قاله السيسي في المؤتمر ونصه: “المجتمع المصري على مدى الـ90 والـ100 سنة الماضية يتم صبغه بفكر معين.. أنا لست مختلفًا مع هؤلاء لا أقول أحترم فكرهم بل أقبله بشرط أن يحترموا مساري ولا يتقاطعوا معي ولا يستهدفوني، سأقبل فكره لكن لا يفرضه عليّ ولا يضغط به ليس أنا كشخص ولكن أنا كدولة”.
وقال يوسف ندا في رسالته إن مساعي المصالحة في السابق بين الجماعة والنظام أفسدتها الشروط المسبقة، إلا أنه وضع شروطًا غير التي كانت تضعها الجماعة واكتفى فقط بالدعوة إلى الإفراج عن المسجونين من الإخوان وإصدار قانون العدالة الانتقالية.
ورغم عدم صدور بيان رسمي من الإخوان بشأن عروض يوسف ندا غير أن الشواهد التي سبقت رسالته تشي بأنه يغرد داخل السرب وأن بيانًا رسميًا من الجماعة قد يصدر لدعم مبادرة ندا، وهي تنتظر فقط لترى ردود الأفعال على إشارات القيادي الإخواني المقيم في سويسرا.
وقبل تصريحات السيسي التي استمد منها يوسف ندا مبادرته كانت الجماعة تتهيأ لعرض حوار مع القاهرة عبر وسطاء إقليميين. وظهر ذلك في النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات التي جرت بمكتب الجماعة في تركيا مؤخرا، حيث جرى إقصاء وجوه عارضت توجه المصالحة مع مصر ورفضت فكرة الانفتاح التركي على الأنظمة العربية التي حظرت نشاط الإخوان.
وعكست الحصيلة بعد أشواط من التنازع إقصاء جناح محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة ومجموعته والذين كانوا يمثلون الصقور، الأمر الذي يتيح للقائم بأعمال المرشد إبراهيم منير الهيمنة شبه الكاملة على مقاليد الأمور داخلها وتوجيهها وفقًا لسياسات تركيا الجديدة المبنية على رغبتها في استعادة العلاقات مع القاهرة، ولن يتحقق ذلك دون تغيير جذري في سياسات الإخوان وخطابها وطبيعة تعاطيها مع الأوضاع في مصر.
ويبدو أن إنهاء الانقسام داخل الجماعة وتوحيدها تحت قيادة منير استعداد لبدء مرحلة تتناسب مع انفتاح رعاة إقليميين على القاهرة وفتح صفحة جديدة لإنهاء أزمة الإخوان وتفكيك معضلتها المستعصية وفقا لطرح لا يتضمن الشروط التقليدية للحوار ويتواءم مع المستجدات على الساحة.
وفسّر يوسف ندا جملة عارضة ذكرها الرئيس المصري في سياق حديثه العام عن حقوق الإنسان ليبني عليها مبادرته لتظهر الجماعة وكأنها مستجيبة لعرض النظام للحوار وليست هي من تسعى إليه.
وكشف الخبير في شؤون الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد أن ما قاله السيسي في المؤتمر “لا يرقى لاعتباره إشارة للقبول بحوار أو مصالحة مع الإخوان، كونه ورد ضمن حديث عن حقوق الإنسان المصري بأن يعتنق ما يشاء، ما يتسق مع قبول كل التوجهات الفكرية”.
وذكر لـ”العرب” أن الجماعة تستغل ربع إشارة لتكبيرها عنوة وتغيير مفهوم الطرح واجتزائه من سياقه أملًا في حل أزمتها والحضور في المشهد، لأن النظام المصري ملتزم بالقانون ولا يحتاج إلى مصالحة مع الإخوان لأنها عاجزة عن منح الشرعية أو منعها.
ولم يكن عرض يوسف ندا هو الأول من نوعه إذ سبقته عروض عديدة من الإخوان للحوار، وجميعها لم تتجاوب معها القاهرة استنادا إلى رفض غالبية المصريين للتوجه نحو المصالحة، خاصة بعد تورط الجماعة في العنف والاغتيالات واستهداف المرافق العامة للدولة.
ويدرك النظام المصري أن جماعة الإخوان في الداخل والخارج صارت حصانًا خاسرًا لم يعد من الممكن لأحد توظيفه للضغط على القاهرة، ما مكن القاهرة من إملاء شروطها بشأن وضع الجماعة على الجانب التركي، وهو ما نتج عنه تصدي النظام التركي للتحريض الإعلامي الذي كان يقوده الإخوان من خلال قنوات فضائية تبث من إسطنبول.
وتنظر القاهرة للملفات الأخرى العالقة مع تركيا كأولوية كي تبدي استجابة لإقامة علاقات أفضل معها، بما يعني أن المصالحة مع جماعة الإخوان ليست المحك لأن تركيا بدأت فعلا في تخفيف دعمها ومساندتها للجماعة.
ويسيء قادة الإخوان مجددًا التقدير والتوقيت، فالجماعة لم تعد الورقة المهمة التي تخول لأحد الضغط بها أو المساومة عليها في وقت يتراجع فيه هذا التيار باستمرار، فقد خسر معاقله في الحكم داخل تونس والمغرب.
ويقوي موقف النظام المصري حِيَال جماعة الإخوان أن إقصاءها من المشهد وما تبعه من رفض لعودتها لم يكن نتيجة تدخل محض من الجيش ولا من منطلق قمع سلطوي، فمن أسقطهم في البداية ويرفض عودتهم الآن كما كانوا من قبل هي القواعد الشعبية.
ولفت الخبير السياسي إسلام المنسي لـ”العرب” إلى أن تصور القاهرة للمصالحة يختلف عما يتصوره قادة الإخوان بشأنها، فالمسار الحالي لا يقبل القسمة على اثنين، وإذا كان لا بد من حوار فالدولة في هذه الحالة هي من تضع شروطها لأنها الأقوى والإخوان الأكثر احتياجًا إلى المصالحة.
وألمح إلى أن إنهاء نزاع كهذا قد لا يخلو من مكاسب للدولة المصرية حيث استنزف من وقتها وطاقاتها الكثير وهي راغبة في التفرّغ للتنمية وهناك تحديات ضخمة على مستوى الإقليم.
ومن الصعوبة تصوّر أن يكون النظام المصري يسعى لحوار مع الإخوان في الوضع الحالي لمجرد إثبات أنه يحترم حقوق الإنسان وحريص على الانفتاح وتنفيذ إصلاحات سياسية، إذ يمتلك الورقة الأقوى المستندة إلى الإرادة الشعبية التي أنهت حكم الإخوان، وزاد تشكل وعي السنوات الماضية من قيمة الإحساس بمفهوم الدولة وأهمية تماسك مؤسساتها.
العرب