في كلا البحرين، هناك نزاعات إقليمية بين الصين وبلدان أخرى في المنطقة. وبسبب استراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما القائمة على «الانعطاف نحو آسيا»، أخذت الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تعزز تحالفاتها القديمة التي تعود إلى أيام الحرب الباردة مع هذه البلدان بهدف احتواء الصين الصاعدة.
وحيث إن الحرب الباردة لا تزال حية في الذاكرة، فإن الحكومة الأمريكية لم تعد تطلق على سياسة تطويق الصين التي تتبعها اسم «الاحتواء»، إلا ان هذا الاسم ينطبق فعلاً على الواقع. والحلفاء الرسميون الرئيسيون للولايات المتحدة في منطقة هذين البحرين هم اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، واستراليا، وحليف رئيسي غير رسمي هو تايوان. وبموازاة ذلك، عملت الولايات المتحدة – وهي تضع الصين في ذهنها – لتحسين علاقاتها مع دول أخرى غير حليفة في المنطقة تشعر بقلق إزاء الصين، مثل فيتنام، العدو السابق للولايات المتحدة والتي لا تزال شيوعية.
وفي إطار استراتيجية «الانعطاف»، حركت الولايات المتحدة مزيدا من قواتها العسكرية إلى منطقة شرق آسيا. وهناك الآن حديث عن إعادة وجود عسكري أمريكي إلى القاعدة البحرية في خليج سوبيك في الفلبين، التي كان الفلبينيون قد طردوا الولايات المتحدة منها عام 1992. وهناك حتى ما هو أسوأ من ذلك، حيث أعلن الأدميرال هاري هاريس، القائد الأمريكي الأعلى في منطقة الهادي، ان الولايات المتحدة تخطط لتحرك عسكري مباشر من خلال زيادة الدوريات البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي.
ولكن بدلاً من ذلك، يجدر بالرئيسين أوباما وشي أن يناقشا سبل لجم التنافس بين بلدان منطقة هذين البحرين، وهو تنافس اتخذ شكل أعمال ردم لبناء جزر وأرصفة صناعية، وكذلك شكل مواجهات متكررة في البحر بين هذه الأطراف.
ولكن بينما تنوء الولايات المتحدة تحت ثقل ديون تبلغ 19 تريليون دولار، فإنه أحرى بها ان تنظر في البقاء خارج مثل هذه النزاعات المحلية حول جزر معظمها صغير جداً وغير مأهول. وتفجر اشتباكات في أي من هذين البحرين بين الصين وبلد حليف للولايات المتحدة يمكن أن يجر الأخيرة إلى نزاع كبير بسبب هذه التحالفات التي تعود إلى أيام الحرب الباردة والتي أعيد تشكيلها.
ومع ان النخبة السياسية والعسكرية الأمريكية تتحدث عن خطوط ملاحة استراتيجية واحتمال وجود موارد طبيعية، مثل البترول والغاز، إلا أن إغلاق خطوط الملاحة هذه أو منع استغلال هذه الموارد بسبب نزاع محلي يجب ألا يكونا مثار قلق للولايات المتحدة البعيدة جغرافيا عن هذه المنطقة.
إن ما تحتاجه الولايات المتحدة حقاً هو إعادة تفكير جذرية في تحالفاتها واتفاقياتها الأمنية الدولية. المكلفة جدا. فكما أدرك الرئيس، والجنرال السابق، دوايت ايزنهاور، فإن القوة العسكرية ومظاهر القوة الأخرى ترتكز على اقتصاد متين. وقد خفض ايزنهاور الميزانية العسكرية من أجل تعزيز الاقتصاد الأمريكي، الذي ازدهر في الخمسينات. ومثل هذا التجديد الوطني، من خلال تخفيض الإنفاق الدفاعي – على العكس مما يدعو إليه الآن كثير من المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين للرئاسة – هو ما تحتاجه الولايات المتحدة مرة أخرى. إضافة إلى ذلك، فإن حلفاء الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم هم الآن أغنى بكثير من خصومهم من حيث معدلات الدخل بالنسبة للفرد الواحد. وعلى هؤلاء الحلفاء أن ينفقوا أكثر على دفاعاتهم الخاصة. ولكن لماذا سيفعلون ذلك بينما هم يحصلون على أمن مجاني بفضل أموال دافعي الضرائب الأمريكيين؟. في شرق آسيا، يتعين على اليابان، وتايوان، وكوريا الجنوبية واستراليا أن تفعل وتنفق المزيد، ولكن ليس لدى هذه الدول دافع لذلك. وحتى الحلفاء الأقل غنى، مثل الفلبين التي تصرخ شاكية من التهديد الصيني، لديهم جيوش مهلهلة وفاسدة يتعين إصلاحها وتحديثها. ومع أن الفلبين طردت الولايات المتحدة من قاعدتي سوبيك البحرية وكلارك الجوية عام 1992، إلا أنها لا تزال تعول على معاهدة الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة من أجل حمايتها.
ومثل هذا الأمن المجاني يجب وضع حد له. فإذا ما كانت بلدان في هذه المنطقة تريد التورط في مناوشات أو حتى حروب حول جزر صغيرة، هي عبارة عن صخور جرداء عديمة القيمة، على الولايات المتحدة ان تتركها تفعل من دون ان تشارك هي نفسها. بل ان أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة هو ان تفسخ كل تحالفات بالية ومكلفة، وان تنكفئ إلى خط دفاعها الأساسي المتقدم في هاواي، وغوام، وجزيرة وايك في منتصف المحيط الهادي – علماً أن هذا الخط يبعد أصلاً آلاف الأميال عن الساحل الغربي للولايات المتحدة.
ان التحالفات ليست غاية بحد ذاتها، بل هي وسيلة لضمان الأمن القومي. وقد حذر جورج واشنطن بحكمة من تورط الولايات المتحدة في «تحالفات دائمة»، في حين حذر توماس جيفرسون بلده بذكاء من التورط في «تحالفات متشابكة». ولكن أوباما يتخذ مساراً معاكساً من خلال تقوية تحالفات أصبحت دائمة ومتشابكة.
وعلى الولايات المتحدة ان تترك الصين تصعد بصورة طبيعية كقوة عالمية، تماماً كما تركت بريطانيا الولايات المتحدة تصعد سلمياً في القرن التاسع عشر. وخلافاً للقوى الأوروبية الكبرى آنذاك، كانت آلاف من أميال محيط تفصل بين بريطانيا والولايات المتحدة، ولذلك لم تشكل إحداهما تهديداً للأخرى. والولايات المتحدة والصين تتمتعان بالميزة ذاتها. وعندما زار الرئيس شي أمريكا، لم تكن الولايات المتحدة غير آمنة إزاء الصين، وبالتالي يجب ألا تتصرف كقوة غير آمنة.
إيفان إيلاند
صحيفة الخلبج