بيروت – قدم توقف “تلفزيون المستقبل” الذي أغلق أبوابه في الثامن عشر من سبتمبر 2019، وصحيفة “المستقبل” التي سبقته إلى الإغلاق بنحو ستة أشهر من ذلك التاريخ، عن العمل الكثير من الخدمات غير المباشرة لحزب الله ومن ورائه إيران، في وقت يشهد انكماشا إعلاميا عربيا في ساحة خطيرة مثل لبنان.
وتثير العودة الوشيكة لهذه المجموعة تساؤلات عن قدرتها على الصمود أولا، وثانيا عن مدى قدرتها على تحدي اجتياح إيران للإعلام في لبنان.
ويلقي إعلاميون محليون بالكثير من اللوم على عاتق سعد الحريري زعيم تيار المستقبل، لأن انشغالاته السياسية أضعفت إدارته المالية لشؤون مجموعته. وهناك من بين كبار موظفيه السابقين من يقول إن المجموعة كان بوسعها أن تواصل العمل لو أنها لم تتوسع في “فرشة الإنفاق” قبل أن تجد نفسها في ضيق.
لكن متابعين للشأن اللبناني يعتقدون أن القصة أكبر من أداء مؤسسة المستقبل ومن حسابات سعد الحريري؛ فالمعركة داخل لبنان هي معركة بامتدادات خارجية. وفيما تنشط أذرع إعلامية موالية لإيران وتركيا، فإن هناك غيابا عربيا عن التأثير الإعلامي في المشهد اللبناني.
ويعود هذا الغياب بالأساس إلى موقف سياسي يعاقب لبنان بسبب سيطرة حزب الله وصمت الأحزاب والشخصيات اللبنانية عن النفوذ المتعاظم للحزب وإيران التي استمرت في توفير التمويلات لمؤسسات الإعلام التابعة لها حتى في ظل العقوبات الأميركية المفروضة عليها. وهي إشارة إلى مدى الأهمية التي توليها طهران للاحتفاظ بمركز نفوذ.
ويرعى حزب الله محطات تلفزيونية وصحفا ومواقع لخدمة مشروع التمدد الإيراني ليس في لبنان وحده وإنما في سوريا والأراضي الفلسطينية وغيرها من دول المنطقة، وذلك باعتباره صوتا للمقاومة.
وتشير بعض المعلومات إلى أن هناك بين دول الخليج من أدرك المفارقة ويعتزم مساعدة “مجموعة المستقبل” على النهوض من جديد.
ويلفت المتابعون إلى أن الإعلام في لبنان لم يعد كما كان في السابق يخضع لقاعدة التنافس الداخلي بين الفضائيات والصحف والمواقع، بل صار ينشط ضمن أفق المعارك الإقليمية، ومثلما يحصل حزب الله على الدعم المالي السخي والأسلحة المتطورة ليصبح قوة محلية مؤثرة، فهو أيضا يحصل على الدعم السخي لإنجاح مشروعه الإعلامي الساعي للاستقطاب السياسي والطائفي في الداخل، والهجوم على القوى المعادية لإيران في الخارج وعلى رأسها السعودية.
وعلى عكس حزب الله لا تكفي المساعدات التي يحصل عليها الإعلام المنافس لضمان بقائه فما بالك بلعب دور يقلق الحزب وإيران. والتقطت تركيا بدورها خيط التنافس على لبنان عبر إعلامها وتحركها السياسي لتمثيل اهتمامات السنة في لبنان، ما يزيد من حجم التحدي أمام “مجموعة المستقبل” التي يُفترض أن تعود بأجندة واضحة.
ويستعد “تلفزيون المستقبل” للعودة إلى البث قريبا؛ فقد كشفت مصادر عن بدء التحضيرات التقنية للعودة إلى العمل والبث من جديد. ونقلت مواقع إعلامية لبنانية عن الصحافي والمحلل السياسي المقرب من تيار المستقبل عبدالله بارودي قوله “سعد الحريري اتّخذ القرار النهائي بإعادة فتح تلفزيون المستقبل”.
أما في ما يتعلّق بالموعد فلفت بارودي إلى أنّ ذلك سيتمّ خلال الشهرين المقبلين، مشددًا على أنّ “الحريري أبلغ المعنيين في تيار المستقبل بهذا القرار الحاسم وقد بدأت التحضيرات التقنية منذ حوالي الشهر لعودة العمل في التلفزيون والبث من جديد”.
وأعلن الحريري في الثامن عشر من سبتمبر 2019 عن تعليق العمل في “تلفزيون المستقبل” التابع له بعد 26 عاما من تأسيسه، معللا قراره بالأسباب المادية، وذلك بعد أشهر قليلة من إنهاء عمل صحيفة “المستقبل”.
ويعتقد إعلاميون لبنانيون أن انهيار “مجموعة المستقبل” فتح الباب أمام شروخ داخلية أيضا، حيث تحول بهاء الحريري، شقيق سعد، إلى منافس عبر “صوت بيروت إنترناشونال”، قبل أن يبدو كأنه خصم لأخيه.
وتواجه “مجموعة المستقبل” معضلة لا تقل أهمية عن معضلة استئناف القدرة على التأثير، وهي أنها خسرت الكثير من طاقمها الذي كان بمثابة صورتها الإعلامية اليومية. وسوف يترتب على ذلك بناء صورة جديدة بوجوه وأقلام جديدة أيضا.
وقد تطرح عودة المجموعة إلى العمل بعد غياب سنتين سؤال المصداقية، قبل كل شيء. وهو سؤال ما كانت لتواجهه لو أنها حافظت على استمراريتها التي امتدت منذ عام 1993.
العرب