اتساع رقعة التطرف على نطاق واسع في العالم العربي، ليس نذير شؤم فقط، بل هو دليل على انحطاط عميق وتراجع فكري خطر، لأن منطق الحياة يقتضي الوسطية لا التطرف، فلا وجود للحقيقة المطلقة في الحياة، بل هناك حقائق نسبية، يمسك كل إنسان منها، حسب عقله وبيئته ومنهجه الفكري، بطرف.
لكن منطق المتطرفين يقوم على الادعاء بامتلاك الحق المطلق، وأن كل من لا يؤمن بفكرهم فهو منحرف أو ضالّ، وأصبحت أنفسهم تسول لهم قتل الآخرين لإيمانهم بتلك الإيديولوجيا العنيفة والقسوة والدموية والأساليب الوحشية التي تؤكد انعدام الأخلاق الإنسانية، والتي لا تمت بأي صورة من الصور إلى أفعال الإنسان السوي المستقيم، بل جاءت عن طريق ثقافة الانتقام والتوحش والعدوانية.
ذلك أن هؤلاء، في الأساس، أعماهم الجهل، وغلبتهم العمالة، فركبوا الشطط والغلو، فأصبح جهلهم مزدوجاً، وللإشارة إلى مدى جهلهم يكفي أن نرى ما يفعله هؤلاء من قتل واستباحة للدماء البريئة تحت مسمى «الجهاد»، والجهاد منهم براء، بل هو إجرام بشع يهدف إلى تركيع هذه الأمة وإعادتها إلى عصور البدائية الأولى. ولعل «داعش» اليوم هي عنوان ذلك الجهل المطعم بالعمالة، ففكرة الدولة الإسلامية التي رفعتها في العراق وسوريا وربما في أماكن أخرى، ليست سوى رؤى أسطورية لماضٍ لا يعود، لكن ما يدعو إلى الأسف، أن قسماً مُغيباً من الشباب العربي قد انقاد إلى تلك الفكرة، وأيدها بعضهم بالقول، وآخرون بالفعل، فأصبحنا نرى «داعش» في بعض الدول العربية.
إن سرّ انبهار أولئك المحبطين من المغرورين والمخدوعين بداعش هو تلك الشعارات الجوفاء التي رفعتها، وكانت لسيطرتها السريعة على مناطق واسعة في شمال العراق ووسطه وشرق وشمال سوريا، وقع مدوٍّ حيث اعتبر بعض السفهاء أن ذلك علامة على صواب منهجهم المتطرف.
وإثر ذلك أعلن العديد من فصائل الإرهاب في مناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي مبايعتهم لهذا التنظيم، وقد كان النهوض المتسارع لداعش موضوعاً لبحث قام به الصحفي البريطاني الشهير باتريك كوكبيرن بعنوان «داعش – عودة الجهاديين» وقد أكد هذا الصحفي، أن تفكك العراق الواقعي، خاصة تفكيك الجيش العراقي، قد أدى إلى ظهور هذا التنظيم الذي يعد اليوم المنتصر الوحيد هناك، وهو لا يخفي طموحه لإبادة المكونات العراقية الأخرى في إطار حرب دموية قد تستمر لسنوات عديدة، ويرى هذا الكاتب أنه بالرغم من كل مساحات التخلف الفكري المتأسلم التي تقود صاحبها إلى ترديد مقولات خالية من أي عقل، وإلى ممارسات متوحشة خالية من أي تأمل في مدى عدالة أو معقولية الفعل، فإنهم يمتلكون آلة إعلامية غاية في الذكاء والفاعلية، ومن خلال تلك الآلة الإعلامية المتطورة يستقطب «داعش» المناصرين له حتى لتصبح فكرة القضاء على هذا التنظيم مجرد خيال.
وتكمن الحقيقة في عجز الإعلام العربي الرسمي عن تعرية ذلك الفكر الضال، وقطع الطريق عليه في التمدد والانتشار، إن «داعش» لم يعد مجرد خطر يهدد العراق أو سوريا أو اليمن، بل تحول إلى وباء يجتاح المجتمعات العربية تحت شعار «الدولة الإسلامية». وكانت دولة الإمارات قد أكدت رفضها الشديد وإدانتها وشجبها للإرهاب بكافة أشكاله وصوره وأهدافه من خلال تعاونها وانضمامها بفاعلية للجهود الدولية المبذولة ضد الإرهاب، وتنفيذها للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحته، وكانت من أوائل الدول في العالم التي وضعت «داعش» على لوائح الإرهاب، وأعلنت الحرب عليه عبر اشتراكها بالتحالف الدولي الذي بدأ حربه على مواقعه في العراق وسوريا منذ سبتمبر/أيلول 2014.
إن الوجود العسكري لدولة الإمارات في اليمن كان ولايزال من أجل القضاء على الإرهاب، ولدرء الشر، وقطع دابر المفسدين، والحفاظ على أمن وسلامة المنطقة، وإعادة الحق إلى نصابه، ومن أجل دعم الحكومة اليمنية الشرعية ومساعدة الشعب اليمني، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في تصريح لسموه خلال اللقاء الذي جرى على هامش أعمال الدورة ال70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال إن دولة الإمارات العربية المتحدة على استعداد لأخذ جميع المقترحات التي تقدمها المؤسسات الإنسانية لمساعدة اليمن في الاعتبار، كما أكد سموه التزام الإمارات، بتحقيق الاستقرار والرخاء في اليمن وتخفيف معاناة الشعب اليمني .وأن الهدف الأسمى للإمارات هو وجود حل سياسي في اليمن على أساس قرار مجلس الأمن 2216 الذي يضمن تحقيق الاستقرار في البلاد.. مؤكداً التزام الإمارات طويل الأجل لبناء الاقتصاد، وتمكين اليمن من الاعتماد على إمكاناته.
إن جنود الوطن البواسل والأبطال لم يترددوا في القيام بأداء واجب مقدس من أجل إيقاف المتطرفين والإرهابيين، وصيانة كيان الأمة، ونحن واثقون بأن الله معهم، وهو الحامي لوطننا، نسأل الله أن يتغمد شهداءنا الأبطال في واسع رحمته، وأن يسكنهم فسيح جنانه، وأن يحفظ لنا وطننا وقيادتنا الرشيدة؛ فحب الوطن من الإيمان.
محمد خليفة
صحيفة الخليج