الهروب السينمائي للسجناء الفلسطينيين فشل، لكنه سلط الضوء على معاناة الآلاف من المعتقلين

الهروب السينمائي للسجناء الفلسطينيين فشل، لكنه سلط الضوء على معاناة الآلاف من المعتقلين

سلط الهروب السينمائي لستة سجناء عبر نفق من أحد السجون الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الشهر الضوء على الاعتقال الجماعي للفلسطينيين في إسرائيل، وهو من ثمار الصراعات المريرة العديدة.

رام الله (الضفة الغربية) – مرّ مئات الآلاف من الفلسطينيين بنظام القضاء العسكري المصمم لما لا تزال إسرائيل تصوره على أنه احتلال مؤقت، دخل الآن عقده السادس ويقول المنتقدون إنه راسخ بقوة.

ولكل فلسطيني تقريبا شخص محبوب سُجن تحت هذا النظام في فترة ما، ويُنظر إلى السجن -على نطاق واسع- على أنه أحد أكثر جوانب الحياة إيلاما في ظل الحكم الإسرائيلي.

أبرزت ملحمة الستة، الذين أعيد القبض عليهم في نهاية المطاف، الآراء المتناقضة التي يتبناها الإسرائيليون والفلسطينيون بشأن الأسرى، وعلى نطاق أوسع ما يشكل مقاومة مشروعة للاحتلال.

وتصنف إسرائيل جلّ الأعمال المعارضة لحكمها العسكري على أنها جريمة جنائية، بينما يرى الفلسطينيون أن هذه الأعمال مقاومة وأن من شاركوا فيها أبطال، حتى لو قتلوا إسرائيليين أو جرحوهم.

ومنحت إسرائيل حكما ذاتيا محدودا للسلطة الفلسطينية، التي تدير مدنا وبلدات في الضفة الغربية المحتلة وهي مسؤولة عن إنفاذ القانون بشكل منتظم. لكن لإسرائيل سلطة مطلقة وينفذ الجيش بانتظام مداهمات اعتقال حتى في المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية. واستولت إسرائيل على الضفة الغربية إلى جانب القدس الشرقية وقطاع غزة في حرب 1967، بينما يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة مستقلة في هذه المناطق الثلاث.

ويشمل الأسرى الفلسطينيون الذين تحتجزهم إسرائيل نشطاء متشددين أدينوا بتفجيرات انتحارية وهجمات أسفرت عن مقتل مدنيين إسرائيليين وحتى نشطاء اعتقلوا لتظاهرهم ضد المستوطنات وشبانا اعتقلوا بسبب إلقاء الحجارة على جنود إسرائيليين.

وتقول إسرائيل إنها توفر الإجراءات القانونية الواجبة وتحتجز أولئك الذين يهددون أمنها، رغم أن القليل منهم محتجزون لارتكابهم جرائم صغيرة. ويقول الفلسطينيون وجماعات حقوق الإنسان إن النظام مصمم لسحق المعارضة والحفاظ على سيطرة دائمة على الملايين من الفلسطينيين مع حرمانهم من حقوقهم الأساسية.

قال المحامي داني شنهار مدير القسم القانوني في هموكيد (مركز الدفاع عن الفرد)، وهي جماعة إسرائيلية تدافع عن حقوق المعتقلين، “إن الاعتقال الجماعي للفلسطينيين هو وسيلة للسيطرة على السكان وخنق النشاط السياسي، وللتغطية على الاضطرابات والنشاط”.

وكان أربعة من الفارين من المسلحين المعروفين الذين أدينوا بارتكاب هجمات مميتة ضد إسرائيليين. ويقضي أكثر من 500 من بين أكثر من 4600 فلسطيني تحتجزهم إسرائيل حاليا بسبب النزاع، المعروفين باسم “الأسرى الأمنيين”، أحكاما بالسجن المؤبد. وهناك عدد مشابه محتجز دون تهمة في ما يسمى بالاعتقال الإداري، وهو ربما الجانب الأكثر إثارة للجدل في نظام القضاء العسكري الإسرائيلي.

لكل فلسطيني شخص محبوب سُجن تحت هذا النظام في فترة ما، ويُنظر إلى السجن على أنه أحد أكثر جوانب الحياة إيلاما في ظل الحكم الإسرائيلي

وقال قدورة فارس، وهو رئيس نادي الأسير الذي يمثل الأسرى الفلسطينيين الحاليين والسابقين، إنهم جميعا “مقاتلون من أجل الحرية… نحن نعتبرهم رموزا لنضال الشعب الفلسطيني”.

وقال علاء الريماوي، الصحافي الفلسطيني في قناة الجزيرة، إنه قضى ما مجموعه 11 سنة في السجن خلال فترات عديدة على مدى العقود الثلاثة الماضية بسبب مزاعم تتعلق بالنشاط السياسي، لكنه لم يُدن بأي شيء. وامتنع الجيش الإسرائيلي عن التعليق. وفي 2018 اعتُقِل أثناء عمله كمدير في الضفة الغربية لمكتب قناة القدس التابعة لحركة حماس التي تدير الأراضي الفلسطينية في غزة. ويقول إنه ليس عضوا في حماس أو أي جماعة أخرى.

وأشار إلى أنه متهم بـ”التحريض على العنف ضد الاحتلال” من خلال نشر قصص عن هدم منازل وقتل فلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية. وأطلق سراحه بعد 30 يوما لكنه مُنع من العمل كصحافي لمدة شهرين. وفي مناسبات منفصلة في وقت سابق من هذا العام اعتقِلته لفترة وجيزة كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي تقمع المعارضة أيضا.

قال الريماوي “يشبه الوجود في السجن الوجود في القبر. وبعد ذلك تخرج منه، وتشعر وكأنك عدت للحياة بعد الموت”.

سُجن العديد لانتهاكهم الأوامر العسكرية الإسرائيلية الشاملة التي تحكم 2.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية. ويشمل ذلك الانتماء إلى منظمة محظورة والمشاركة في المظاهرات التي تعتبر غير قانونية بشكل عام. ويُعتقل المئات من القاصرين كل عام، معظمهم بتهمة رشق الحجارة.

ويحاكم الفلسطينيون من الضفة الغربية المحتجزون بتهم تتعلق بالأمن أمام محاكم عسكرية، بينما يخضع المستوطنون اليهود -الذين يعيشون في المنطقة والمحتجزون بسبب ارتكابهم جرائم مماثلة- لمحاكم مدنية.

الاعتقال الجماعي للفلسطينيين هو وسيلة للسيطرة على السكان وخنق النشاط السياسي، وللتغطية على الاضطرابات

ونادرا ما يتم الإفراج عن الفلسطينيين بكفالة، ويعتقد معظمهم أنه من غير المجدي الطعن في التهم في محاكمات عسكرية قد تستمر أشهرا أو سنوات. بدلا من ذلك تتم تسوية معظم القضايا عن طريق مساومات الإقرار بالذنب، مما يساهم في معدل إدانة يقدر بأكثر من 95 في المئة.

ويقول إن أحكام البراءة موجودة، مشيرا إلى قضية حديثة برئ فيها شرطي فلسطيني من قتل إسرائيلي بالرصاص. وأشار إلى أن المتهمين “يختارون صفقات الإقرار بالذنب لأنهم يفهمون أن إدانتهم ستتم بسبب الأدلة”.ويعزو موريس هيرش، الذي شغل منصب المدعي العام العسكري الأعلى من 2013 إلى 2016، معدل الإدانة المرتفع إلى المدعين الذين يعانون نقصا في المستندات، حيث لا يقدمون لوائح الاتهام إلا عندما تكون التهم مستندة إلى أدلة ثابتة.

ويصر على أن المحاكمات عادلة، قائلا إن لها نفس القواعد الإجرائية مثل المحاكم المدنية الإسرائيلية. وذكر أنه يجب مشاركة جميع الأدلة مع محامي الدفاع، وشدد على أن القضاة العسكريين الذين يصدرون الأحكام هم خبراء قانونيون خارج التسلسل القيادي العادي.

لكن شنهار قال إن محاميّ الفلسطينيين “يعرفون أنه من غير المجدي محاولة الدفاع عن موكليهم في المحكمة… لأنهم لن يحصلوا على البراءة في النهاية، وسيبقون في السجن لفترة أطول. لذا فإن النظام مُتلاعب به”.

يبقى الهروب نادرا للغاية، وكان آخر هروب كبير من السجن قبل عقود. لكن إسرائيل أطلقت سراح المئات من السجناء على مر السنين كجزء من المفاوضات السياسية أو مقابل إسرائيليين أسرى.

ونظم الفلسطينيون أنفسهم داخل السجون ونالوا تنازلات على مر السنين من خلال الإضرابات عن الطعام وغيرها من الأعمال الجماعية، وهو مصدر إحباط للكثير من الإسرائيليين.

كتب الصحافي الإسرائيلي كالمان ليفسكيند في عمود حديث، في صحيفة “معاريف”، “لقد أصبحنا في حالة هستيرية، مثل الأمهات المفرطات في الحماية، ونتفاعل مع كل إرهابي يهدد بالصيام”.

ويقول الفلسطينيون إن الحياة في السجن صعبة بما فيه الكفاية. وعادة ما يُمنع من يسمون بالسجناء الأمنيين من إجراء مكالمات هاتفية، لكن البعض منهم ينجحون في تهريب الهواتف المحمولة. وبخلاف ذلك يقتصر ارتباطهم بالعالم الخارجي على زيارات المحامين وأفراد الأسرة. وقال شنهار إن الأقارب القادمين من الضفة الغربية يحتاجون إلى تصاريح عسكرية، مما يعني أن بعض السجناء -بمن فيهم القصر- يمكن أن يمضوا أشهرا دون رؤية أحبائهم.

يتذكر الريماوي فترة قضاها في السجن في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، حيث لم تتمكن زوجته، التي أنجبت طفلهما بعد اعتقاله، من زيارته لأكثر من عام. وقال “زارتني زوجتي في النهاية وجلبت معها صبيا. قلت: من هذا؟ فقالت: إنه ابنك…”.

العرب