الباحثة شذى خليل*
منذ عام 2003 والعراق تنهب أمواله وتهرب بشتى الطرق خارج البلد، ولا يكاد يمر يوم في العراق إلا ويسمع مواطنوه عن حجم الفساد المستشري، وعن ضرورة استعادة الأموال المنهوبة واستخدامها في إعمار البلد وانتشاله من الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه منذ سنوات، حيث صنفت منظمة الشفافية الدولية العراق في المرتبة 21 من الأسفل في مؤشر مدركات الفساد الخاص به.
واليوم رئاسة الجمهورية العراقية بصدد تشريع قوانين مهمة لاسترداد أموال العراق المهربة، في إطار خطوات حثيثة تبذل في هذا الإطار، ووسط حديث عن متابعة لحركة تلك الأموال، أقر مسؤولون بصعوبة استعادة تلك الأموال كونها سجلت بأسماء وهمية.
صدر العدد الجديد من جريدة الوقائع العراقية بالرقم (4550) والذي تضمن قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019، وقانون رقم (7) لسنة 2019 التعديل الاول لقانون صندوق استرداد أموال العراق رقم (9) لسنة2012، وقانون المرور رقم (8)لسنة 2019، ومراسيم جمهورية بالأرقام (44) و(45) و(46) لسنة 2019.
وقال مدير عام دائرة الوقائع العراقية كامل امين هاشم، ان قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019، صدر من اجل تنظيم القواعد والاجراءات التي تحكم الادارة المالية والمحاسبية للجهات العاملة في هذا المجال، عند تهيئة وتنفيذ الموازنة العامة الاتحادية والامور المتصلة بها لتحقيق الاستقرار الكلي والمالي للبلد.
اكدت مصادر ان العراق يبذل جهوداً كبيرة في متابعة حركة أمواله، وهناك تحركات مهمة لأجل استعادتها “إن “خطوة العراق جيدة من خلال إنجاز رئاسة الجمهورية مشروع قانون استرداد الأموال والذي أرسل إلى البرلمان لأجل تمريره، خطوة كبيرة لإنهاء هذا الملف
لغرض استرداد اموال العراق التي هربت بسبب عمليات الفساد بعد عام 2003، وتشجيع المتعاونين ومنح صلاحيات اوسع لإدارة الصندوق وتزويد مجلس النواب بنسخ من التقارير المُعّدة من مجلس ادارة الصندوق.
المؤتمر الذي عقد برعاية رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، وبمشاركة رئيس الجامعة العربية أحمد أبوالغيط وعدد من وزراء العدل ورؤساء مجالس قضاء وأجهزة رقابية، فضلاً عن عدد من مُمثلي جمعيات ومنظمات، وشخصيات قانونية وأكاديمية وإعلامية عربية ذات صلة بموضوعة مُكافحة الفساد، يُؤمل منه أن يعالج مواضيع مهمة تتعلق بقضايا استرداد الأموال المنهوبة والأصول المُهربة، وإيجاد السبل الكفيلة بتيسير عمليات استردادها، ومنع توفير البيئات والملذات الآمنة لها.
لاستعادة الأموال المهربة التي تقدر قيمتها بنحو 450 مليار دولار، وقال مستشار رئيس الجمهورية، أمير الكناني، إن “العراق لديه السند القانوني لاسترداد أمواله المهربة وأن “اتفاقية الأمم المتحدة لعام 2002 التي صادق عليها العراق من قبل البرلمان تعد قانوناً وطنياً، كما لدينا اتفاقية الرياض التي صادق عليها، وجزء منها صادر من جامعة الدول العربية التي تلزم جميع الدول العربية بتسليم المجرمين والأموال إلى العراق في حالة طلبها بملف متكامل، وبالتالي السند القانوني موجود”.
والقانون هو تعزيز للمنظومة التشريعية التي تتابع حركة الأموال والأشخاص واستردادها”، موضحاً أنه “في رئاسة الجمهورية هناك دائرة للتشريعات، وعادة ما نستعين بشخصيات قطاعية لكتابة مشاريع القوانين”.
من خلال تشكيل جبهة مشتركة مع دول عدة نهبت أموالها، لاستردادها من البلدان التي تعرقل هذا الملف، واكدت هيئة النزاهة أنه لا توجد إحصائية دقيقة لحجم الأموال المنهوبة من العراق”، وأن “تلك الأموال تم تسجيلها بأسماء وهمية في عدة دول”، وتبذل السلطات العراقية جهوداً لاستعادة الأموال المهربة إلى خارج البلاد، بالتنسيق مع الدول التي هربت إليها الأموال،
وزير المالية الحالي علي علاوي قال إن “250 مليار دولار سرقت من العراق منذ عام 2003 حتى الآن”، وأن “هذا المبلغ يبني العديد من الدول، كما أن هذه السرقات أدت إلى تراجع قدرات العراق الاقتصادية”.
قال الرئيس العراقي برهم صالح، إن 150 مليار دولار من النفط تم تهريبها إلى خارج البلاد منذ عام 2003 ، عندما قدم قانونًا لمكافحة الفساد المستشري، قدم ، مشروع قانون إلى مجلس النواب لمكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الجناة ، ودعا إلى التعاون مع الحكومات والهيئات الدولية الأخرى لاسترداد الأموال ، كان الفساد المستشري أحد دوافع الاحتجاجات التي هزت العراق من أكتوبر 2019 إلى يونيو 2020، و العنف والارهاب اللذين ابتلي بهما العراق منذ سنوات “يرتبطان بعمق بظاهرة الفساد”.
ويستهدف مشروع القانون كل من شغلوا مناصب مدير عام وما فوق في كل من الشركات الحكومية والعامة منذ إنشاء النظام الجديد عام 2004، بموجب القانون، سيتم فحص المعاملات التي تزيد عن 500000 دولار بالإضافة إلى الحسابات المصرفية ، لا سيما تلك التي تحتوي على أكثر من مليون دولار ، وسيتم إلغاء العقود أو الاستثمارات التي تم الحصول عليها عن طريق الفساد.
قال مصدر مصرفي عراقي إن سياسيين هربوا 60 مليار دولار إلى خارج البلاد. واغلبها تهرب عبر لبنان، وهي خطوة من المرجح الآن أن تضر بهم، حيث أن البلاد غارقة في أزمة اقتصادية حادة، ويكاد يكون من المستحيل إخراج الأموال من مصارفها.
و من العراقيل والمُعوقات التي تقف أيضا حائلاً أمام إنجاح جهود الأجهزة الرقابية والقضائية الوطنية، ضعف الجهود الدولية في هذا الملف وعدم اتخاذها الإجراءات الكافية، والسبب السياسي مهم جدا؛ اذ ان هناك جزءا من الأحزاب السياسية الحالية متورطة بالفساد وعمليات تهريب الأموال ونقلها للخارج طيلة السنوات الماضية، وان التهريب جارٍ على قدم وساق وأن هذه الأحزاب والقوى لن تسمح بإقرار أي قوانين قد تمهد لمساءلتها، مبينا أن استعادة الأموال مستقبلا تعتمد على المعادلة السياسية القادمة بعد الانتخابات، ولو بقيت هذه الأحزاب التقليدية مسيطرة على الوضع، فمن المستبعد أن يشهد ملف استرداد الأموال تفاعلا برلمانيا.
رغم كل المساع والتدابير الكبيرة، إلا ان بعض منها كازدواج الجنسية، وصعوبة إثبات الصلة بين الموجودات والأموال المُهرَّبة والجريمة التي تتأتَّى تلك الموجودات من جرَّاء ارتكابها، واندماج تلك الأموال في اقتصاديات تلك البلدان.
يؤكد الخبير الاقتصادي همام الشماع أن حجم الأموال المنهوبة التي أشار إليها رئيس الجمهورية تفتقر للمصادر والإحصائيات المالية، خاصة أنها لم تستند لمعلومات المصرف المركزي وحجم الموازنات وحساباتها الختامية طيلة السنوات السابقة، وأن العراق لا يزال يفتقر لقاعدة معلومات عن الجهات التي سرقت هذه الأموال والدول التي تستثمر فيها، مبينا أن هذه الدول ليست لديها مصلحة في إعادتها للعراق ما لم تلجأ بغداد لكبريات شركات التدقيق المالي والمحاكم الدولية مع تعزيز الحكومة مطالباتها بالأدلة.
ختاما ان ملف استعادة الأموال ومحاربة الفساد يحتاج حكومة قوية، معلقة بالقول “تعلم الحكومة جيدا أين هي الأموال المنهوبة والجهات المتهمة بالفساد، خاصة أن وزارة الخزانة الأميركية والمنظمات الأممية أفصحت مرات عدة عن هذه الجهات وبالأسماء”.
وعلى الحكومة محاربة الفساد داخل البلاد، وأن خطوة كهذه قد تكشف للحكومة خيوطا كثيرة تدل على الجهات التي سرقت الأموال وهربتها للخارج طيلة السنوات السابقة.
والاهم يمكن للعراق أن يلجأ لمجلس الأمن الدولي لاستصدار قرارات تمكنه من استعادة أمواله المنهوبة شريطة استكمال إجراءاته الداخلية والتحقيقات القضائية، بما سيوفر للحكومة إمكانية استرداد الأموال من جميع المصارف الدولية وحتى الاستثمارات الخارجية المبنية على أساس أموال عراقية منهوبة ، وتعد هذه الخطوة بداية مهمة ليعد زمام الأمور بيد الدولة العراقية على الصعيد الداخلي والخارجي .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية