من المرجح أن تستمر أسعار الطاقة العالمية في الارتفاع حتى نهاية فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، الأمر الذي قد يقوّض الانتعاش الاقتصادي لما بعد “كوفيد-19” في الدول المستوردة للطاقة، ويضرّ بالفئات الأقل دخلا.
ومن المنتظر أن تؤدي الأسعار المرتفعة إلى تراجع الانتعاش الهش لقطاع التصنيع العالمي واستمرار تحدّيات سلاسل التوريد وزيادة الضغط على خطط الانتقال الطاقي.
ويقول موقع “ستراتفور” (world view stratfor) الأميركي إن أسعار النفط إذا بقيت في حدود 70 دولارا وارتفع الطلب على الغاز الطبيعي، ستكون هناك تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي.
ولا يزال سوق الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بمنأى عن التطورات في السوق العالمية، لكن على صعيد عالمي من المتوقع أن تعيش أسواق الطاقة وضعا صعبا في الأشهر المقبلة، مع احتمالات ارتفاع الأسعار بحلول الشتاء في نصف الكرة الأرضية الشمالي، حسب الموقع الأميركي.
يشار إلى أن أسعار النفط صعدت اليوم الثلاثاء، مسجلة أعلى مستوياتها في 3 سنوات على الأقل، لتواصل المكاسب التي تحققت في الجلسة السابقة بعد أن أعلن كبار منتجي النفط في العالم قرارهم الإبقاء على كبح إمدادات الخام.
وارتفع سعر النفط إلى 81.49 دولارا للبرميل في حين زاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى 77.74 دولارا.
وقالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها بقيادة روسيا، في إطار مجموعة أوبك بلس، أمس الاثنين، إنهم سيبقون على اتفاق لزيادة إنتاج النفط زيادة تدريجية فحسب، متجاهلين دعوات من الولايات المتحدة والهند لرفع الإنتاج مع تعافي الاقتصاد العالمي، من جائحة فيروس كورونا، وإن كان على نحو متقطع، وفق ما أوردت رويترز.
الأميركيتان
ويقول الموقع إن ارتفاع أسعار الطاقة في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية تزامنا مع ارتفاع معدلات التضخم، ومن المرجح أن تزيد الحكومات في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من الإعانات الاجتماعية والإعفاءات الضريبية في محاولة لتخفيف تبعات ارتفاع الأسعار على الأسر المنخفضة الدخل.
وفي الدول التي تعاني عجزا ماليا مرتفعا مثل البرازيل والمكسيك، سيؤدي الإنفاق الإضافي على المساعدات إلى زيادة الضغوط المالية على الحكومات، بخاصة أن دول المنطقة ما زالت تتعافى تدريجيا من آثار “كوفيد-19”.
وقد يساعد ارتفاع الأسعار في البرازيل والمكسيك على تمويل مزيد من الإعانات الحكومية وبرامج الرعاية الاجتماعية، فضلا عن زيادة أرباح شركات الطاقة التي تديرها الدولة وزيادة عائدات الضرائب، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة سيفيد الأرجنتين ودولا أخرى من خلال زيادة قيمة الضرائب والرسوم الجمركية على النفط.
ومن المنتظر أن تستقطب الدول الناشئة في إنتاج النفط مثل كولومبيا وغويانا وسورينام مزيدا من الاستثمارات الأجنبية، لكن من غير المرجح أن تسهم الشركات الأوروبية الكبرى في تعزيز الإنتاج في هذه الدول بسبب تركيزها على الاستثمار في الطاقات غير الملوثة.
يتوقع الموقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى اضطرابات وانقطاع للتيار الكهربائي في الصين مع حلول فصل الشتاء، وقد يتسبب ارتفاع الأسعار والسياسات الرامية إلى تقليل الانبعاثات في حدوث نقص في إمدادات الطاقة في جميع أنحاء الصين.
ويعاني منتجو الطاقة مأزقا كبيرا إذ تواصل بكين تقييد رفع أسعار الكهرباء، وذلك تسبب في إغلاق العديد من محطات توليد الكهرباء، وإذا سمحت الحكومة الصينية برفع أسعار الطاقة أو قامت بدعم المنتجين، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الطلب الصيني على الطاقة، وهو أمر جيد لمنتجي الفحم المحليين، لكنه سيرفع الأسعار العالمية لأنواع الوقود الأخرى.
وتعتمد دول جنوب شرق آسيا واليابان اعتمادا أكبر على الغاز الطبيعي المسال -المستورد بأسعار عالية- لتجاوز مشكلة ارتفاع استهلاك الكهرباء في فصل الشتاء، ومن المنتظر أن تعمل حكومات هذه الدول على تكثيف جهود استكشاف الغاز الطبيعي المسال واستخراجه، والاستثمار في الطاقات البديلة، مثل الطاقة النووية في حالة اليابان.
وقد تواجه كوريا الجنوبية واليابان وضعا مماثلا للشتاء الماضي مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال في آسيا.
وعلى غرار الصين، سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى عرقلة الانتعاش في دول شرق وجنوب شرقي آسيا، لا سيما أن أغلب هذه الدول تفكر في إعادة فتح اقتصاداتها رغم استمرار تفشي فيروس “كوفيدـ19″، وفق الموقع الأميركي.
أوراسيا
يرى الموقع أن روسيا ستستفيد من ارتفاع أسعار الطاقة، رغم كل الاتهامات الموجهة إليها بالتلاعب بالسوق، وسيصبّ ارتفاع الأسعار في مصلحة شركة “غازبروم” (Gazprom) المملوكة للدولة، وشركة النفط العملاقة “روسنفت” (Rosneft)، وكذلك الشركات الروسية الخاصة مثل شركة “نوفاتيك” (NOVATEK) المنتجة للغاز الطبيعي المسال.
وستقدم إيرادات الطاقة دفعة للاقتصاد الروسي، وتساعد على تخفيف القيود المفروضة على الميزانية الفدرالية، كما ستجني الدول الأخرى المنتجة للنفط والغاز في المنطقة ثمار ارتفاع الأسعار، وتحديدا كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان.
ومن المنتظر أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية في أوروبا إلى تعزيز الاتهامات لشركة غازبروم وبقية المنتجين الروس بالانخراط في جهود يُشرف عليها الكرملين للضغط على الدول الأوروبية.
وتسعى روسيا حاليا إلى إقناع أوروبا بالموافقة على مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2″، على أن يتم تشغيله بمجرد اكتمال التصديق عليه في يناير/كانون الثاني 2022.
من المنتظر أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى عرقلة التعافي الاقتصادي في أوروبا في مرحلة ما بعد الوباء، وهو يؤجج الاضطرابات الاجتماعية.
ومن المنتظر أيضا أن تواجه الصناعات تكاليف تشغيل أعلى، وأن ترتفع تكاليف المعيشة للمستهلكين، وفي المملكة المتحدة على سبيل المثال قد يؤدي انخفاض سرعة الرياح إلى تقلص إسهامها في إنتاج الطاقة.
وإذا شهدت القارة شتاء باردا واحتاجت إلى إمدادات غاز طبيعي أعلى من المستويات المعتادة، ستواجه منافسة كبيرة على واردات الغاز المسال مع دول شرق آسيا، وقد يؤدي ذلك إلى توقف عمل العديد من الشركات الأوروبية في مختلف قطاعات الاقتصاد وإلى ارتفاع معدلات التضخم في جميع أنحاء أوروبا.
وقد تقدم الحكومات مزيدا من الإعانات والإعفاءات الضريبية، للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الطاقة، لكن هذه المساعدات ستكون على حساب الميزانيات التي تعاني من عجز مرتفع، وذلك سيزيد من صعوبة العودة إلى الانضباط المالي على المستويين القصير والمتوسط.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
ارتفاع أسعار الطاقة سيفيد العديد من الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تضم أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم.
وستوفر الإيرادات متنفسا للدول المثقلة بالديون، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على صادرات الطاقة مثل العراق والجزائر، إذ ستساعد على تمويل البنود الأكثر أهمية في الميزانية مثل رواتب القطاع العام التي انخفضت بسبب تقلص الطلب على النفط خلال جائحة كورونا.
ومن المنتظر أن تتمكن دول الخليج من ضخ مزيد من الأموال في جهود التنويع الاقتصادي، وفق الموقع الأميركي.
لكن إذا تواصل ارتفاع الأسعار مدة طويلة، قد يؤدي ذلك إلى استمرار اعتماد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على عائدات الطاقة، وتقليل قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
وحسب الموقع، فإن ارتفاع الأسعار يهدد بتعطيل التعافي الاقتصادي على المدى القريب في دول مثل لبنان وتركيا، حيث ستؤدي التكلفة الإضافية إلى ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.
في جنوب آسيا، قد يعرقل ارتفاع أسعار الطاقة جهود الانتعاش الاقتصادي، حيث تعتمد دول المنطقة إلى حد كبير على الاستيراد، فالهند على سبيل المثال تستورد أكثر من 85% من احتياجاتها النفطية، وقد شهدت أسعار الوقود ارتفاعا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، تزامنا مع تقدم حملات التطعيم وتخفيف إجراءات الإغلاق.
ومن المنتظر أن تشهد باكستان -التي تعتمد إلى حد كبير على واردات الغاز الطبيعي المسال لتغطية احتياجاتها من الكهرباء- زيادة في التضخم وانقطاعات للتيار الكهربائي في الأشهر المقبلة.
أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
يرى الموقع أن منتجي الطاقة في القارة الأفريقية سيجدون صعوبة في تلبية طلبات المستهلكين وتجنب أي اضطرابات اجتماعية، في حين ستجني الدول المنتجة للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء ثمار ارتفاع الأسعار، وبالتحديد أنغولا ونيجيريا وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو والغابون.
وستحاول هذه الدول الاستفادة من العائدات لدعم جهود التعافي من جائحة كورونا وتحسين وضعها المالي، لكن إذا لم تستخدم الحكومات مكاسب النفط لزيادة الإنفاق العام، فلن يلاحظ مواطنو هذه الدول تحسنا كبيرا في المستوى المعيشي.
وأما في نيجيريا التي تعدّ أكبر منتج للطاقة في أفريقيا جنوب الصحراء، فسيضع ارتفاع أسعار النفط الحكومة في موقف صعب إزاء ما يتعلق بأسعار الوقود، إذ إن تدهور قطاع التكرير يجعل البلاد تعتمد بصورة أكبر على الواردات.
ويعاني المستهلكون في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء من ارتفاع أسعار الغذاء والمياه والغاز والسلع الأساسية الأخرى، كما ارتفعت الأسعار في شرق القارة بسبب الجفاف المستمر، وزادت تكلفة المعيشة في دول المنطقة بنسبة 20% عما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام الماضي.
المصدر : رويترز + ستراتفور