أراد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من خلال تشكيلته الحكومية الجديدة أن يبعث برسائل إلى الداخل والخارج حول توجهاته الجديدة بعد أن ضمن البقاء على رأس الحكومة لمدة خمس سنوات قادمة حيث طرأت على تشكيلته تغييرات كبيرة تستهدف إدارة الصراع في تيغراي وإعادة صياغة العلاقات مع مصر والسودان.
أديس أبابا – تترقب العديد من الدوائر السياسية داخل إثيوبيا وخارجها الطريقة التي سيدير بها آبي أحمد حكومته الجديدة بعد أن تمكن من تمرير تشكيلة تضم 22 حقيبة متوازنة إلى حد كبير، وتحمل رسائل مختلفة إلى الكثير من الجهات التي تتابع ما يدور في بلاده عن كثب، حيث تحوي تغييرا في حقائب وأشخاص وتوجهات وممارسات، بعضها اشتبك مع قضايا إقليمية ساخنة.
ويعوّل رئيس الحكومة الإثيوبية من خلال الوزارة الجديدة على تغيير انطباعات سلبية صاحبته الفترة الماضية، وصلت إلى حد التلويح بسحب جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها جراء ما أظهره في بداية حكمه من تصرفات جيدة حيال السلام في المنطقة.
ويحاول الرجل توصيل إشارات متعددة عبر حكومته الجديدة أملا في امتصاص غضبة دولية شملت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبعض القوى الأخرى بسبب الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبتها القوات المركزية في إقليم تيغراي، فضلا عن إعادة صياغة علاقته مع مصر والسودان التي توترت من وراء أزمة سد النهضة.
وقد وافق مجلس النواب الإثيوبي المنتخب حديثا الأربعاء الماضي على حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد بالأغلبية، والتي ضمت 22 حقيبة وزارية، بزيادة اثنتين عن الحكومة السابقة، وقام فيها بعملية دمج وفصل في بعض الحقائب الرئيسية، وشملت 11 وزيرا جديدا، و7 سيدات، بما يوحي بالتنوع والحوار.
وحوت الحكومة ثلاثة وزراء يمثلون ثلاثة أحزاب من المعارضة لأول مرة، هم برهانو نغا وشغل منصب وزير التعليم عن حزب “حزب المواطنين الإثيوبيين من أجل العدالة الاجتماعية” المعروف بـ” إزيما”، وكان سجينا خلال فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق ميليس زيناوي، وقجيلا مرداسا حقيبة الثقافة والرياضة عن حزب “جبهة تحرير أورومو” التي قاطعت الانتخابات، وبيليتي مولا جيتاهون لحقيبة الابتكار والتكنولوجيا عن حزب “الحركة الوطنية لشعب أمهرة”.
وهذه أول رسالة أراد آبي أحمد توصيلها بأنه عازم على فتح خطوط الاتصال مع قوى المعارضة الوطنية، وأن فترته الثانية يمكن أن تشهد تطورات في هذا الاتجاه تنهي أو على الأقل تخفف من الاحتقانات التي صاحبته الفترة الماضية، قائلا “الهدف من هذه الخطوة إظهار إمكانية العمل معا من أجل المصلحة الوطنية”.
تغييرات كبيرة
من أبرز التغييرات التي دخلت على الحكومة الإطاحة بوزير المياه والري سليشي بيكيلي وحل مكانه هبتامو إتافا للري والطاقة، وعائشة محمد لوزارة الري وبيئة السهول وهي وزارة مستحدثة، والإطاحة بوزير الدفاع قنا ياديتا وحل محله أبراهام بلاي وينحدر من إقليم تيغراي الذي خاضت الحكومة المركزية معارك ضارية ضده، وكان مديرا للحكومة الانتقالية الموالية لآبي أحمد في تيغراي.
وبدأ مجلس النواب الإثيوبي أولى جلساته بمشاركة 387 عضوا جديدا، وافق منهم 373 عضوا على التشكيلة التي قدمها آبي أحمد بعد أن أدى اليمين الدستورية أمام كبير قضاة المحكمة العليا الاثنين الماضي، وتمت إعادة انتخابه من جانب البرلمان كرئيس للحكومة لدورة جديدة، ما يعني أن حملات التشكيك في شرعيته السياسية بعد المطبات التي واجهته الفترة الماضية تجددت وقد تطوي الصفحات القاتمة.
وحقق حزب “الازدهار” الذي يرأسه آبي أحمد فوزا كاسحا في الانتخابات التي جرت في يونيو الماضي، وفاز بـ421 مقعدا من أصل 547، ولم يعبأ بحملات التشكيك التي قللت من أهمية الانتخابات، خاصة أنها تمت في غياب الشفافية والرقابة.
آبي أحمد بعث بإشارات لامتصاص الغضب الدولي بسبب انتهاكات قواته بتيغراي وإعادة صياغة علاقته مع مصر والسودان
ويتكون البرلمان الإثيوبي من مجلسين، هما مجلس نواب الشعب (الغرفة الأولى) وبه 547 عضوا، والمجلس الفيدرالي (الغرفة الثانية) ويضم 112 عضوا وبه ممثلون من كل القوميات في إثيوبيا.
وشهدت الانتخابات تنافسا بين 46 حزبا سياسيا، منها 17 حزبا قوميا، و29 حزبا إقليميا، و 18 حزبا تنافست في أديس أبابا، وبلغ عدد المرشحين 9505 بينهم 148 مستقلا في عدد دوائر بلغت 637 دائرة انتخابية.
ويقول مراقبون إن الفشل في إدارة ملفي سد النهضة أطاح بوزير الري سليشي، والإخفاقات المتتالية في إدارة أزمة تيغراي أطاحت بوزير الدفاع ياديتا، وهما أهم أزمتين واجهتا حكومة آبي أحمد، وكانت لهما تداعيات عميقة، ولذلك سيكونون في مقدمة الأهداف التي بحاجة إلى تصويب في المسارات.
وعلى الرغم من أن أديس أبابا حققت أهدافها السياسية في إدارة أزمة سد النهضة، إلا أن النتائج الفنية لم تكن على المستوى المطلوب، فلم تتمكن من تنفيذ المرحلة الثانية كاملة من ملء السد، وكان من المخطط تخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه، إلا أن بعض المشكلات الفنية حالت دون الوصول إلى هذه النسبة المطلوبة، وتم تخزين نحو 4 مليارات متر مكعب فقط، تضاف إلى مثلها في الملء الأول.
بينما أدت الخسائر التي مني بها الجيش الإثيوبي وأسر نحو 8 آلاف من عناصره في تيغراي خلال شهر يونيو الماضي إلى إنهاء خدمات وزير الدفاع الإثيوبي الذي لم يتمكن من الحفاظ على التقدم الذي أحرز في نوفمبر من العام الماضي كما استردت قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي سيطرتها على العاصمة ميكيلي بعد سقوطها.
أزمة تيغراي
أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن وزير الدفاع الجديد يقوم بشن حرب جديدة ضد قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعد أن نجحت في عقد تحالفات عسكرية مع عرقيات أخرى خارج الإقليم، واصطف بالفعل الآلاف من الجنود والمئات من الشاحنات والعربات العسكرية في منطقة أمهرة وعلى الطريق المؤدي إلى تيغراي في شمال إثيوبيا، في محاولة لتحريك الموقف العسكري لصالح أديس أبابا بما يهيئ الأجواء للبدء في حديث جاد حول السلام في الإقليم من منطلق قوة وليس ضعفا.
حمدي عبدالرحمن: ثمة رسائل متناقضة من آبي أحمد عن مستقبل الصراع في تيغراي
وأكد الخبير في الشؤون الأفريقية حمدي عبدالرحمن لـ”العرب” أن ثمة رسائل متناقضة من جانب رئيس الوزراء عن مستقبل الصراع في تيغراي ومع دول الجوار وبخصوص سد النهضة تحمل استنتاجات متباينة بعضها يبدو سلبيا والآخر إيجابيا.
وأشار إلى أن خطاب التنصيب الذي ألقاه آبي أحمد أمام البرلمان ألمح فيه إلى أنه سيؤسس لحوار وطني للحد من الخلافات في إثيوبيا، الأمر الذي عكسه بجلاء تعيين ثلاثة وزراء من المعارضة، بيد أنه أيضا تعهد بالوقوف في وجه التدخلات الخارجية، ما يعني عدم حدوث تحول كبير في موقفه حيال هاتين الأزمتين وتوابعهما السياسية.
وفي خطوة لها دلالات كبرى تم تعيين أبراهام بيلاي وزيرا للدفاع المنحدر من تيغراي، وعمل سابقًا مع آبي أحمد في وكالة أمن شبكة معلومات التجسس الإلكتروني، وربما يفتح ذلك الباب لتوسيع نطاق الحرب أو يمنح فرصة للبدء في حوار مع تيغراي.
وأضاف حمدي عبدالرحمن لـ”العرب” أن الإطاحة بوزير المياه سيليشي بيكيلي الذي يعد من الصقور في إدارة أزمة سد النهضة وعُرف بإثارته للجدل وتأجيج التوترات مع كل من مصر والسودان خطوة مهمة، ويوحي وضع حبتامو إيتيفا على رأس الوزارة وهو رئيس سابق لمكتب المياه في منطقة أوروميا مسقط رأس آبي أحمد، بوجود تغيّر في إدارة الأزمة بعد إشارات دولية ترغب في تسويتها عبر المفاوضات.
يمكن فهم هذه النوعية من الخطوات على أنها تنطوي على مؤشرات ترمي إلى تجنب السيناريو الكارثي في كل من أزمتي سد النهضة وتيغراي، خاصة أن آبي أحمد ضمن البقاء على رأس الحكومة المركزية لمدة خمس سنوات قادمة، وأغلق باب الهواجس التي لازمته بشأن عدم إعادة انتخابه مرة أخرى.
العرب