تجد حركة طالبان نفسها بعد أسابيع قليلة من استلام السلطة تحت اختبار شديد لضمان حكمها وهو إدارة الملف الأمني باقتدار والنجاح في تفكيك تنظيم داعش – خراسان الذي هز صورتها الخارجية، وجعل مهمة الحصول على الاعتراف الخارجي أمرا صعبا، كما أن تراخي القبضة الأمنية للحركة عن إدارة الأزمة قد يقود إلى انشقاقات داخلية.
واشنطن – بدأت صورة طالبان الحركة القوية القادرة على مسك الوضع في أفغانستان تتلاشى مع الوقت خاصة بعد تكثيف تنظيم داعش – خراسان لهجماته وتفجيراته، ما وضع طالبان في موقف تحد خاصة أنها تسوّق لنفسها كشريك في الحرب على الإرهاب كبوابة للحصول على الاعتراف الدولي.
وتوقع الكثير من المحللين أن نظام طالبان سوف يواجه أكبر تهديد له من داخل أفغانستان، في ظل وجود الكثير من الفصائل المختلفة ذات الأيديولوجيات المتنوعة. ولهذه الفصائل آراء متباينة حول الطريقة التي يتعين أن تحكم بها طالبان البلاد.
وفضلا عن التحدي الخارجي، فمن الممكن أن تؤدي هذه الاختلافات إلى انسلاخ بعض الفصائل عن طالبان وتعزيز تنظيم داعش – خراسان منافسها الرئيسي.
ومن خلال هجماته التي يشنها ضد أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان، يسعى تنظيم داعش – خراسان إلى إشعال حرب بين السنة والشيعة، وإذا لم تنجح طالبان في كبح تلك الهجمات فإنه يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات التي شهدت تحسنا مع إيران. ولا يستبعد المحللون حدوث ذلك إذا أدت الهجمات إلى اندلاع قتال طائفي جامح تتورط فيه فصائل طالبان.
شهدت أفغانستان الجمعة ثالث هجوم مميت خلال أيام أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 43 شخصا وإصابة 123 آخرين في انفجار قوي بمسجد شيعي بمنطقة خان آباد بمدينة قندوز شمال أفغانستان، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بختار” الحكومية الأفغانية .
وأعلن تنظيم داعش – خراسان مسؤوليته عن هذا الحادث، وزعم عبر وكالة أعماق للأنباء أن 300 شخص قتلوا أو أصيبوا وهو عدد أعلى ممّا ذكرته وكالة “بختار”.
الكثير من المحللين يتوقعون أن نظام طالبان سوف يواجه أكبر تهديد له من داخل أفغانستان، في ظل وجود الكثير من الفصائل المختلفة ذات الأيديولوجيات المتنوعة
وقالت وكالة “أعماق الجديدة” إن أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية فجّر سترته الناسفة في المسجد بينما كان وسط حشد من المصلين الذين ينتمون لقبيلة الهزارة العرقية. وكانت المجموعة العرقية هدفا متكررا للمتطرفين من الطائفة السنية على مرّ السنين.
وفي ظل ما تشهده أفغانستان من عنف وعدم استقرار تسعى طالبان إلى الحصول على الاعتراف بوضعها باعتبارها الحكومة الشرعية في البلاد، وذلك منذ سيطرتها على كابول في أغسطس الماضي، واستكمالها السيطرة على كل أفغانستان، وانتهاء الحرب التي دامت 20 عاما.
وقال الكاتب السياسي تريفور فيلسيث في تقرير نشره موقع “ناشيونال إنتريست” الأميركي إنه منذ بسط السيطرة التقى أعضاء طالبان مع مسؤولين من عدد قليل من الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة. ومع ذلك لم تبد أيّ دولة استعدادها للاعتراف رسميا بـ”إمارة أفغانستان الإسلامية”، وهو الاسم الرسمي الذي أطلقته طالبان على أفغانستان.
لم تكن دبلوماسية طالبان بلا طائل. فبعد لقاء طالبان مع مسؤولي الأمم المتحدة انتزعت وعدا بأن المنظمة الدولية سوف تواصل تفعيل برامج المساعدات المطلوبة بشدة في البلاد. كما تلقت طالبان شحنات مساعدات من قطر والصين وأوزبكستان والإمارات العربية المتحدة وباكستان التي كانت تحوم حولها شكوك منذ وقت طويل بأنها تدعم طالبان.
ويجري وفد أميركي لقاء مع ممثلين رفيعي المستوى من حركة طالبان الأفغانية في العاصمة القطرية منذ أمس السبت وإلى غاية اليوم الأحد.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مساء الجمعة إن المحادثات لن تركز على الاعتراف بحركة طالبان أو إضفاء الشرعية عليها كحكام لأفغانستان، لكنها ستكون استكمالا للمحادثات العملية بشأن قضايا تهم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة.
وأكد أن الأولوية القصوى لبلاده هي استمرار الإجلاء الآمن للأفغان والمواطنين الأميركيين والرعايا الأجانب من أفغانستان.
وأضاف أن الهدف من المحادثات هو حث طالبان على احترام حقوق جميع المواطنين الأفغان، ومن بينهم النساء والفتيات وتشكيل حكومة شاملة تحظى بدعم واسع.
وإلى حد الآن لم تعترف أيّ دولة بطالبان، حتى باكستان. وبالإضافة إلى ذلك رفضت الأمم المتحدة طلبات قادة طالبان بالسماح لهم بالتحدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا.
الحركة المتشددة تبدو متماسكة وأن عناصرها متجانسون ومتحدون في كافة المسائل العقائدية والاستراتيجية لكنها تعاني من انقسامات وصراعات وولاءات وفصائل
ويقول تريفور إن من أسباب الصعوبات التي تواجهها الجماعة في تحقيق الاعتراف بها وجود إرهابيين دوليين ضمن الحكومة الجديدة، بعضهم أعلنت واشنطن مكافآت سخية لمن يرشد عنهم.
وعلى سبيل المثال فإن خليل حقاني وهو عضو في شبكة حقاتي المتحالفة مع طالبان ووزير اللاجئين الجديد في أفغانستان صنفته واشنطن في عام 2011 بأنه “إرهابي عالمي”، وهو ما زال موجودا بشكل علني في كابول رغم أن هناك مكافأة مطروحة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يساعد في اعتقاله.
وفي الفترة من 1996 وحتى 2001، وهى الفترة الأخيرة من حكم طالبان في أفغانستان، كانت” الإمارة الإسلامية” تحظى رسميا باعتراف ثلاث دول هي باكستان والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة.
وبعد أن فتحت الجماعة مكتبا سياسيا في الدوحة عام 2011، زار مبعوثوها عددا من الدول الأجنبية سعيا للحصول على دعم سياسي من بينها إيران وروسيا والصين.
واستمر الكثير من هذه العلاقات؛ ورغم الكراهية المتبادلة في تسعينيات القرن الماضي قبلت إيران بحذر حكومة طالبان الجديدة، بينما أوضحت روسيا والصين بصورة منفصلة عن استعدادهما لمواصلة العلاقات الاقتصادية مع طالبان.
من ناحية أخرى، استبعدت دول أخرى، خاصة كندا والمملكة المتحدة، علانية الاعتراف بطالبان أو إقامة علاقات معها حتى تشكل حكومة مؤقتة تضم فصائل أخرى، بما في ذلك النساء وممثلين عن عرقية الهزارة الشيعية.
وقد دعت القوى المناهضة لطالبان في أفغانستان المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة لأنها غير مشروعة، حيث لم تشمل أيّ امرأة في صفوفها، وتتكون تماما من قادة طالبان أو شركائهم.
فضلا عن الأزمة الأمنية وصعوبة السيطرة على داعش وغياب أفق الاعتراف الدولي بحكمها، فإن طالبان تواجه تحديا لافتا لا يقل أهمية عن بقية التحديات، وهو الانشقاقات بين قيادييها الذين يرفض بعضهم أيّ انفتاح على الغرب، والبعض الآخر يريد أن تحكم الحركة بالشريعة دون أي انتخابات ولا انفتاح على أيّ مكون داخلي، وهو ما تفعله القيادة الحالية للحركة نتيجة إكراهات البحث عن الاعتراف الدولي.
ويرى مراقبون أن هذه الخلافات ستتسبب بمشكلات مستقبلية تهدد حكم طالبان التي تجد نفسها مرغمة على إيجاد حلول سريعة لبلد يقف على شفير الخراب.
ومن الخارج قد تبدو الحركة المتشددة متماسكة وأن عناصرها متجانسون ومتحدون في كافة المسائل العقائدية والاستراتيجية. لكن مثل أيّ منظمة سياسية كبيرة فإن الحركة الإسلامية التي يعود تأسيسها إلى عقود تعاني من انقسامات وصراعات وولاءات وفصائل.
وبقيت تلك الانشقاقات إلى حد كبير تحت السيطرة خلال 20 عاما من الجهود لدحر القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة، وإزاحة الحكومة المدعومة غربيا. والآن ومع هزيمة العدوّ المشترك وبعد أسابيع قليلة على تولي طالبان الحكم، فإن انقسامات الحركة تبدو أكثر ظهورا للعيان.
العرب