مشهد انتخابي عراقي ملتبس لا يبدده إعلان النتائج

مشهد انتخابي عراقي ملتبس لا يبدده إعلان النتائج

يترقب أن يزداد الجدل على الانتخابات التشريعية العراقية التي جرت الأحد، بعدما تعلن النتائج خلال 24 ساعة وفق ما أعلنت مفوضية الانتخابات، مع إعلان الكتلة الفائزة والتحالفات السياسية التي ستنتج عنها، خصوصا بين الأحزاب الشيعية المتنافسة على رئاسة الحكومة.

بغداد – كشفت المشاركة الضعيفة في عملية التصويت بالانتخابات التشريعية في العراق التي جرت الأحد، عن فقدان غالبية الأحزاب ثقة الشارع العراقي خصوصا الشيعية منها.

وتباينت التصريحات بشأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية في العراق، ففي الوقت الذي أشارت فيه تقارير صحافية إلى إقبال أكثر من المعهود في محافظات غرب العراق ذات الأغلبية السنية، شهدت العاصمة بغداد ومحافظات جنوب العراق نسبة عالية من المقاطعين لعملية التصويت.

وتشير الأرقام الأولية إلى أن نسبة المشاركة في أفضل الأحوال لا تتجاوز ثلاثين في المئة، خصوصا في محافظات الأنبار وصلاح الدين.

وكان المسؤولون العراقيون قد حثوا الناخبين على المشاركة، بعد أن شهدت الفترة الصباحية عزوفا شعبيا عن التصويت.

وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بعد إقفال الصناديق “أتممنا واجبنا ووعدنا بإجراء انتخابات نزيهة آمنة ووفرنا الإمكانات لإنجاحها”، وبعد أن دعا الناخبين إلى التوجه نحو المراكز الانتخابية لاختيار ممثليهم.

وطالب الكاظمي في تغريدة على حسابه على تويتر بعد ظهر الأحد، الناخبين غير المصوتين بسرعة التوجه نحو المراكز الانتخابية لاختيار ممثليهم، في إشارة إلى ضعف المشاركة في عملية التصويت.

فيما تعالت النداءات من مساجد مدينة الأعظمية في بغداد تحث الناخبين على المشاركة، في إشارة إلى ضعف إقبال أهالي بغداد على عملية التصويت.

وقالت مفوضية الانتخابات إنها لم تتحقق بعد من صحة الجدول الذي تم تداوله في وسائل الإعلام، والذي يظهر نسبة المشاركة في الانتخابات عند 19 في المئة، قبل إقفال صناديق التصويت.

ولم تتخط نسبة المشاركة ثلاثين في المئة، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن رئيس المفوضية الانتخابية جليل عدنان.

وقالت رئيسة بعثة المراقبة الأوروبية فايولا فون كرامون في مؤتمر صحافي “للأسف، في هذه المرحلة، لاحظنا نسبة مشاركة ضئيلة”، مضيفة “هذه إشارة سياسية واضحة، وليس لنا إلا أن نأمل بأن تلتفت النخبة السياسية إلى ذلك”.

رشا العزاوي: الأحزاب الشيعية تعيش حالة إنكار لرفض الشارع لها

وذكرت خلية الإعلام الأمني أنها “أصدرت أوامر صارمة إلى كافة القطعات الأمنية في العاصمة بغداد والمحافظات بتشديد إجراءات الحراسة والحماية حول مراكز الاقتراع ومراكز التسجيل ومخازن المفوضية المستقلة للانتخابات، بعد انتهاء الاقتراع العام حفاظا على سلامة صناديق الاقتراع”.

ويحق لنحو 25 مليون شخص التصويت. لكن المشاركة في عملية التصويت الإلكترونية، والاختيار من بين 3240 مرشحا، تتطلب حيازة بطاقة بيومترية.

وتجري الانتخابات لاختيار 329 نائبا، وفق قانون انتخابي جديد يرفع عدد الدوائر وينص على تصويت أحادي، ما يفترض أن يعطي دفعا للمستقلين والمرشحين المحليين.

ويتوقع أن تصدر النتائج الأولية خلال 24 ساعة من موعد إغلاق صناديق الاقتراع، بينما يستغرق إعلان النتائج الرسمية عشرة أيام، وفق مفوضية الانتخابات.

وشهدت عمليات التصويت خروقات سجلها الناخبون والمراقبون معا في عدة محافظات، تمثلت بمنع المراقبين من أداء عملهم وحصول شجارات بين جهات تحاول تخريب العملية والأجهزة الأمنية، رغم الأطواق الأمنية التي نظمتها السلطات للحفاظ على أجواء الانتخابات.

وأعلن جهاز الأمن الوطني العراقي توقيف عدد من الأشخاص خلال عملية الاقتراع في الانتخابات البرلمانية، بتهمة محاولة التأثير على خيارات الناخبين.

وقال حميد الشطري، وكيل جهاز الأمن الوطني المرتبط بمكتب رئيس الوزراء، “تم ضبط عدد من المخالفات من المواطنين الذين كانوا يقومون بدعاية انتخابية في محاولة للتأثير على الناخبين”، مشيرا إلى توقيفهم وإحالتهم إلى القضاء.

ولم يشر المسؤول العراقي إلى عدد هؤلاء أو مكان توقيفهم.

وشهدت الانتخابات العراقية إغلاق مركز اقتراع وتعرض بعض أجهزة التصويت لخلل فني مؤقت.

وأفاد بيان لنقابة المحامين العراقيين بـ”إغلاق مركز انتخابي بمحافظة ديالى (شرق)، إثر إطلاق نار من قبل مجهولين”.

وأوضح أن “مشاجرة وقعت بين جهات مسلحة (لم يحددها) أطلقت على إثرها النيران أمام مركز اقتراع مركز الفارابي بمحافظة ديالى”.

واعترف رئيس مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات جليل عدنان خلف بـ”تعرض بعض أجهزة التصويت لخلل فني مؤقت”.

وأعلن القضاء العراقي توقيف ستة أشخاص بينهم خمسة مزقوا الدعايات الانتخابية للمرشحين.

ويراقب 1249 مسؤولا دوليا عملية الاقتراع، إضافة إلى الآلاف من المراقبين المحليين، وفق مفوضية الانتخابات العراقية.

وعبّرت تصريحات قيادات شيعية وزعماء ميليشيات مدعومة من إيران عن القلق الذي ينتابهم من عمليات تزوير والتلاعب بالأصوات والتأثير على الناخبين، قبل إقفال صناديق الانتخابات.

وكشفت التصريحات القلقة مبكرا وقبل إعلان النتائج عن التنافس الشرس بين الأحزاب الشيعية على منصب رئيس الوزراء المخصص للشيعة، وفق المحاصصة الطائفية التي تم الاتفاق عليها بعد احتلال العراق من قبل القوات الأميركية عام 2003.

وقال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إن تعرض أجهزة التصويت للعطل أو التعطيل، يعد خدشا للعملية الديمقراطية، مطالبا أنصاره بعدم الانسحاب قبل الإدلاء بأصواتهم.

وطالب هادي العامري، زعيم تحالف الفتح الذي يجمع الميليشيات المدعومة من إيران، أنصار تحالفه بعدم الانسحاب من مراكز الاقتراع التي تواجه مشاكل فنية.

وقال العامري في تسجيل صوتي “يا أمة الحشد والمقاومة، عليكم بالزحف إلى صناديق الانتخابات والمرابطة حتى يتم التصويت وعدم تركها بحجة عطل الأجهزة، لأنها في طور التصليح، ونحن نتابع ذلك بجدية”.

مقتدى الصدر: تعطل أو تعطيل أجهزة التصويت يخدش العملية الديمقراطية

فيما استخدم رجل الدين عمار الحكيم، رئيس تحالف قوى الدولة، كلمة التزوير في نداء وجهه إلى أنصاره.

وطالب الحكيم الذي يتحالف مع حزب الدعوة الإسلامي جناح حيدر العبادي، الذين يخططون للتزوير التراجع عن نوايا التلاعب بالأصوات أو التأثير على الناخبين.

واعتبرت الكاتبة السياسية العراقية رشا العزاوي أن الأحزاب الشيعية تعيش حالة إنكار، “فبعدما واجهت رفض الشارع لها بالسلاح مرة واليوم بخطاب المؤامرة”.

وقالت العزاوي في تصريح لـ”العرب”، “تراجعت الكثير من الكتل السياسية الممثلة لمحافظات الجنوب عن توقعاتها بأغلبية ساحقة أو نيل مقاعد تتخطى أربعين مقعدا للكتلة الواحدة”.

وعزت ذلك إلى الفارق المعيشي الكبير الذي تعيشه الفئات المقربة والمنتفعة من تلك الأحزاب ومجموعها لا يتخطى عشرين في المئة من جمهور المحافظات الجنوبية وبغداد، والذي يشتكي من قائمة طويلة من المصاعب ليس أقلها تفشي الفقر ونقص الخدمات وانتشار السلاح.

وحمّل رجل الدين الشيعي رشيد الحسيني المفوضية مسؤولية حرمانه من التصويت، معبرا عن استيائه بعد منعه من التصويت بسبب وجود خلل في عملية تحديث سجله الانتخابي في مدينة النجف.

ونفت مفوضية الانتخابات حصول أي عطل في أجهزة التصويت الخاصة بالانتخاب، مؤكدة وجود لجان مختصة للتدخل في أي طارئ.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي إن “المفوضية لديها أجهزة احتياطية في حال حصول أي تعطل في أجهزة التصويت، وهناك لجان تتجول في جميع مراكز الاقتراع للاطلاع على المشاكل وتزويد المراكز بكل ما تحتاجه”.

ولا تبدو الخروقات التي شهدتها عملية التصويت وحدها من ستمثل مشكلة حقيقية في الانتخابات التشريعية العراقية، فستكون نسبة المشاركة المؤمل إعلانها الاثنين ونتائج التصويت التي وعدت المفوضية إعلانها خلال 24 ساعة، والتوافقات التي ستترتب عليها بين القوى السياسية، المعضلة الأبرز التي ستظهر خلال الأيام القادمة.

عمار الحكيم: على المزورين التراجع عن نوايا التلاعب بالأصوات في الانتخابات

وشبهت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية حال العراق، كحال أفغانستان، يعاني من لعنة تدميره حتى من قبل أولئك الذين يزعمون أنهم أتوا لمساعدته.

وكتب فيليب جلي “أن النسيج الدستوري العراقي، المصمم لمنع هيمنة معسكر واحد، يفتح الباب أمام الزمرة نفسها لتقاسم غنائم السلطة إلى أجل غير مسمى، ولن تغير انتخابات الأحد ذلك الوضع”.

أما رشا العزاوي فقالت “لا شك أن الانتفاضة في 2019 في أغلب المحافظات الجنوبية كانت رسالة واضحة مسبقة تفرض توقعا يفيد بتراجع كبير في شعبية الأحزاب الممثلة للجنوب والوسط”.

وأضافت الكاتبة السياسية العراقية “واجهت تلك الأحزاب الرفض الجماهيري بالتخوين والشيطنة في احتجاجات تشرين، وتواجهه اليوم بنشر بروبغندا المؤامرات التي حالت دون نيل هذا الحزب أو ذاك ما يرى أنه استحقاقه من الأصوات”.

وأوضحت العزاوي في تصريح لـ”العرب”، “في أجواء كهذه، العقبات التي تواجه الأحزاب المقربة من إيران تتفاقم، خاصة وأنها الانتخابات الأولى التي تجري في العراق بغياب قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي لطالما نجح في خلق تفاهمات خاصة بين الأحزاب المقربة من بلاده في العراق، ساعدت في الماضي على تكريس أصوات المنتفعين في قائمة تضمن الهيمنة على أكبر مقاعد ممكنة في البرلمان”.

وقالت “جمهور العازفين عن المشاركة ليس وحده الذي ساهم في تقليص حظوظ الأحزاب الشيعية، بل ظهور كيانات سياسية جديدة، على الرغم من أن الكثير منها بدا واجهة لحزب قديم، إلا أن بعضها نجح في كسب عدد من الدوائر وسيساهم حتما في تغيير خارطة التوافقات السياسية ما بعد ظهور النتائج”.

العرب