لم تسفر نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت مؤخراً في العراق عن مفاجآت غير متوقعة على صعيد توازنات القوى السياسية والمذهبية والحزبية، وذلك بالرغم من التقدم أو التراجع الذي اتصفت به حصيلة هذا الفريق أو ذاك.
فالمؤشر الأول هو نسبة المشاركة التي لم تتعد 41 ٪، بل كانت كذلك متدنية حتى عن نسبة الـ44 ٪ في الانتخابات السابقة التي برهنت على عزوف الشارع الشعبي عن المشاركة وفقدانه الثقة في قدرة المنظومة السياسية والحزبية على قيادة أي تغيير جوهري ملموس. وأكثر ما يلفت الانتباه في هذا المؤشر أن شرائح الشباب تصدرت فئات مقاطعة الانتخابات، وذلك رغم أن 60 ٪ من سكان العراق هم في أعمار أقل من 25 سنة. صحيح في المقابل أن معلومات أشارت إلى فوز قرابة عشرة مرشحين من ممثلي الحراك الشعبي وانتفاضة 2019، إلا أن الثابت كان عزوف الفئات الشابة إجمالاً.
وأما نجاح «الكتلة الصدرية» في احتلال المرتبة الأولى بـ73 مقعدا من أصل 329، بالمقارنة مع 54 نائباً في المجلس السابق، فإنه من جهة أولى يؤكد شعبية خيارات الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في إقامة توازن واضح بين الإبقاء على الصداقة مع إيران والحفاظ على استقلالية الدولة العراقية، وفي الآن ذاته عدم القطع مع الولايات المتحدة حتى مع تحاشي اللقاءات المباشرة مع المسؤولين الأمريكيين وهذا يفسر ميل واشنطن إلى التعاطف مع التيار الصدري عموماً. غير أن الكتلة من جهة ثانية تعاطت على نحو متذبذب مع الانتفاضة الشعبية، بل وحدث أحياناً أنها تولت كسر التظاهرات وتفريق الاعتصامات، ومن هنا يبدو نصرها الانتخابي الراهن حمّال أوجه متناقضة.
كذلك يسجل فوز كتلة «تقدم» ذات الأغلبية السنية علامة واضحة على تكريس حالة من التوازن النسبي والشراكة المباشرة مع التيار الصدري الشيعي، خاصة حين تبدأ المفاوضات الشاقة لتجميع كتلة الـ165 مقعداً التي يشترطها الدستور العراقي للتكليف بتشكيل الحكومة الجديدة. وليس حلول كتلة «دولة القانون» ذات الأغلبية الشيعية في المرتبة الثالثة سوى دليل إضافي على أن المشهد يستدعي الشراكة إياها، الأمر الذي لا يلغي التعقيدات الشائكة التي سوف تكتنف انضمام هذه الكتلة إلى ائتلاف تغيب عنه مجموعات «الإطار التنسيقي» الشيعية.
فهذه الأخيرة تبدو الخاسر الأكبر إذا وُضعت في الاعتبار حقيقة أن ولاءها لإيران هو الأوضح والأقوى، وأنها أيضاً تضم فصائل شيعية كبرى مثل «الحشد الشعبي» و«تحالف الفتح» و«عصائب الحق» و«كتائب حزب الله» العراقي. ولم يكن مستغرباً أن يعلن هذا الإطار رفضه القاطع للنتائج، وأن تذهب بعض قياداته إلى درجة وصف الانتخابات بأنها «أكبر احتيال على الشعب العراقي في التاريخ الحديث».
ولعل الخلاصة الأكثر أهمية تكمن في أن الكثير من الآمال التي لاح أنها عُلّقت على الانتخابات المبكرة، ضمن ارتباطها المباشر بالانتفاضة الشعبية الواسعة أواخر العام 2019، خابت بدرجة كبيرة من جهة أولى، كما أنها من جهة ثانية كرست معظم معطيات الأمر الواقع الذي ساد بعد انتخابات 2018.
القدس العربي