أوضاع البدون في الكويت تزداد تعقيدا بعد وقف حساباتهم البنكية

أوضاع البدون في الكويت تزداد تعقيدا بعد وقف حساباتهم البنكية

الكويت – يترقّب الشارع الكويتي انفراجة سياسية في ملفات شائكة في مقدمتها ملف البدون مع عودة التئام جلسات البرلمان، بعد أن عبّرت مصادر برلمانية كويتية عن اتفاق جهات حكومية وتشريعية وبرلمانية على منح فئة البدون وثائق سفر تسهّل عليهم التنقل، فضلا عن بعض التسهيلات في العمل والعلاج، ولكنّ البدون في الكويت يواجهون الآن المزيد من الضبابية بعد وقف حساباتهم البنكية.

وأمضى أحمد العنزي، الذي يعمل في الصفوف الأمامية، والمنتمي إلى فئة البدون أو مجتمع عديمي الجنسية في الكويت، آخر 14 شهرا ضائعا في متاهة بيروقراطية بعد إيقاف حسابه المصرفي، مما أدى إلى عجزه عن الوصول إلى راتبه ومدخراته في خضم جائحة فايروس كورونا.

ويعود المأزق الذي يعانيه العنزي إلى سعي الكويت لتحديد وضع سكانها من فئة عديمي الجنسية، في فصل جديد مما يعتبره منتقدون انتهاكا مستمرا لحقوق الإنسان.

والعنزي وعائلته حالة من بين عشرات الآلاف من حالات العرب معدومي الجنسية، ممن يكافحون منذ عقود للحصول على الجنسية الكويتية.

وتوجد مجتمعات مماثلة في بعض دول الخليج الأخرى، التي تقدم مثلها مثل الكويت للمواطنين نظام رعاية اجتماعية سخيا، من المهد إلى اللحد، لكنه لا يشمل الأشخاص الذين يعتبرون عديمي الجنسية.

وتعتبر الكويت أن معظم عديمي الجنسية لديها هم مهاجرون من دول أخرى قاموا بإخفاء جنسياتهم الأصلية، وتصنفهم على أنهم مقيمون بصورة غير قانونية.

وكثفت السلطات الكويتية من ضغوطها على مجتمع البدون خلال السنوات الأخيرة “للكشف عن بلدانهم الأصلية” أو قبول الجنسية التي يتم وضعها على هوياتهم من قبل الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وهو الجهاز الحكومي المعني بالتعامل مع هذه الفئة، بناء على تحقيقات أجرتها أجهزة الأمن الكويتية.

وتتزامن هذه الضغوط مع الوضع الصعب الذي تواجهه البلاد والضغوط المتزايدة على موازنتها العامة بعد فترة من انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا. ويطالب البنك العنزي، البالغ من العمر 26 عاما، بإثبات هوية سارية المفعول، في وقت ترفض فيه السلطات الكويتية تجديد بطاقته الأمنية ما لم يقبل تعريفه باعتباره مواطنا عراقيا.

وقال العنزي الذي يعمل موظفا في مستوصف الصليبية بالكويت “يقولون أنت عراقي الجنسية. على أي أساس أنا عراقي؟ طيب، أنا لو عراقي، راح أطلع الجنسية من تاني يوم، ما عندي مشكلة. طبعا عيشة الوافد أحسن من عيشتنا بألف مرة”، في إشارة إلى المعاناة التي يعيشها مجتمع البدون في الكويت.

ويتوقع العنزي ألا يتم تجديد بطاقته الأمنية لاعتقاد السلطات بأنه عراقي، مضيفا “لا أحد يقدر يتحمل 14 شهرا من دون راتب”.

وقال والده كامل العنزي إنه هو نفسه ولد في الكويت وإن جده لأبيه كان موجودا بالكويت في عام 1934 أي قبل استقلالها رسميا عن بريطانيا عام 1961.

وتشير البيانات الحكومية الرسمية إلى أن 85 ألفا على الأقل من البدون يعيشون في الكويت، لكن النشطاء يقولون إن العدد قد يصل إلى 200 ألف.

ومع نشأة الدولة الحديثة في الخليج في الستينات من القرن الماضي، لم يتقدم الكثيرون بطلب للحصول على الجنسية إما لأنهم كانوا أميين وإما لأنهم لا يستطيعون تقديم وثائق، وإما لأنهم لم يعرفوا مدى أهمية المواطنة.

وتقول منظمات حقوقية دولية إن وضع البدون يمثل عقبة أمام حصولهم على الوثائق المدنية والخدمات الاجتماعية، ويضعف الحق في الصحة والزواج والتعليم والعمل.

ولا توجد بيانات رسمية متاحة للجمهور عن العدد الدقيق للبدون الذين تم تجميد حساباتهم المصرفية بسبب الهوية الأمنية، لكن وسائل إعلام محلية قالت إن من بينهم موظفين حكوميين وعسكريين وعاملين في القطاع الخاص.

وقدر طارق البعيجان وهو مسؤول في الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية أعداد من يراجعون الجهاز وتكون لديهم مشكلات في حساباتهم البنكية بالمئات فقط، مشيرا إلى أن الجهاز يقوم بجهد لحل هذه المشكلة، حالة بحالة.

وقال “عادة نصل معهم إلى حلّ. عندنا المكتب الفني يقوم بمجهود طيب ويخاطب البنوك بهذا الأمر. نحن متعاونون مع البنوك وغيره وحتى القطاع الخاص (بهذا الشأن)”.

وقالت عدة صحف كويتية في وقت سابق من هذا العام، إن وزير الدفاع أصدر توجيهاته بضرورة صرف الرواتب المتأخرة لجميع العسكريين من فئة البدون “لاعتبارات إنسانية”.

وأشارت الدكتورة ابتهال الخطيب، وهي أستاذة في جامعة الكويت وناشطة حقوقية كويتية، إلى أن “رفض صرف البطاقات الأمنية أو أي تعريف بالهوية للبدون هو أسلوب لدفعهم إلى الاعتراف بهوية أخرى”، لافتة إلى أن الكثيرين من البدون يرفضون “هذا النوع من المساومة”، وبالتالي لا يحصلون على هوياتهم.

وقالت “هي خطة حكومية ممنهجة لتحويل البدون، بمن فيهم حتى الذين قالت الحكومة إنهم يستحقون للجنسية، إلى مقيمين بصورة غير قانونية.. يريدون ألا يكون هناك بدون في الكويت وإنما مقيمون بصورة غير قانونية وأشخاص يرفضون استلام بطاقاتهم”.

ولطالما تحدث رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم عن حلّ جذري وشامل لقضية البدون، إلا أن الكاتب السياسي الكويتي حسن علي كرم، اعتبر أن مسألة البدون شائكة ومتشابكة وتتجاوز أعمار الكثير من أعضاء مجلس الأمة.

العرب