بكين- أدى التحول في التركيز الاستراتيجي للولايات المتحدة، من محاربة الإرهاب في الشرق الأوسط إلى التنافس مع الصين إلى مستوى متزايد من المواجهة وإمكانية اندلاع حروب في تايوان وبحر الصين الجنوبي. لكن خبراء يقول إن المواجهة الأميركية مع الصين أبعد من الخيار العسكري في منطقة جغرافية محدودة، فهناك تنافس اقتصادي وأمني وتكنولوجي في مناطق مختلفة من العالم.
وفي الوقت نفسه، أدت الزيادات في الإنتاج المحلي الأميركي للغاز الطبيعي والنفط إلى أن يعتقد الكثيرون أن الولايات المتحدة ليست في حاجة كبيرة إلى التدفق السلس لصادرات الطاقة من الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
لكن الواقع يقول إن الولايات المتحدة لا تسعى بأيّ حال لخوض حرب مع الصين، وهي تعمل على وقف التمدد الصيني بأساليب غير عسكرية. كما أنها لا تنوي التخلي التام عن الخليج.
ويؤكد الباحث والمحلل السياسي الأميركي أنتوني كوردسمان أن لدى الولايات المتحدة كل الدوافع التي تدعوها لتجنب اندلاع حرب بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي. إذ أن حاجة واشنطن إلى النظر إلى ما هو أبعد من منطقة شرق المحيط الهادئ والتعامل مع الصين على مستوى عالمي، تدفعها إلى التركيز على التنافس السلمي وليس المواجهة.
ويوضح كوردسمان الذي عمل مستشارا لشؤون أفغانستان لحساب وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين أن هناك أمرا ثانيا، وهو أن الاعتماد المتزايد للصين على الواردات النفطية يجعلها أكثر عرضة باستمرار للمعاناة من أيّ انقطاع أو قيود على تدفق صادرات النفط من الخليج وعبر المحيط الهندي ومضيق ملقا.
استراتيجية واشنطن في التعامل مع بكين يتعين أن تشمل حقيقة أن وجود الصين كقوة كبرى بات أمرا عالميا
وتوفر الشراكات الاستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – لاسيما في الخليج – مصدرا أساسيا لميزة استراتيجية يمكن أن تعوض جزئيا المزايا الجغرافية التي تتمتع بها الصين بالقرب من تايوان وبحر الصين الجنوبي. كما توفر مصدرا رئيسيا للاستقرار والأمن بالنسبة إلى شركائها وتضمن التدفق المستقر للنفط إلى اليابان وكوريا الجنوبية والاقتصاد العالمي.
ويتعين أن تشمل استراتيجية الولايات المتحدة في التعامل مع الصين حقيقة أن وجود هذه الأخيرة كقوة كبرى بات أمرا عالميا، ولا يقتصر على شرق المحيط الهادئ وتايوان وبحر الصين الجنوبي. فالصين تسعى للتنافس بصورة مباشرة مع الولايات المتحدة في كل مجال من مجالات التطوير العسكري والتكنولوجيا.
كما تسعى لتطوير قدراتها على انتشار قواتها عالميا؛ وتوسيع نطاق نفوذها وسيطرتها في وسط آسيا والمحيط الهندي والبحر المتوسط والخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
ويقول كوردسمان إن الصين لا تفرّق بين جهودها العسكرية والمدنية وبرامجها الاقتصادية الخاصة بمبادرة “الحزام والطريق” ذات الطابع الاستراتيجي، وتهدف إلى أن تكون شكلا من أشكال منافسة “المنطقة البيضاء” مع الولايات المتحدة. وهي تمثل تحديا خطيرا لواشنطن تماما مثل الإمكانيات المتزايدة لبكين بالنسبة إلى حرب المنطقة الرمادية والمستويات العليا من الصراع.
ويضيف أنه بوجه عام، لا تستطيع الولايات المتحدة ترك نفسها للوقوع في مصيدة التركيز على مجالات التنافس العسكري المباشر حيث تتمتع الصين بمزايا أكبر فيما يتعلق بالجغرافيا الاستراتيجية، والقدرة على خوض الحرب.
وقد تستطيع الولايات المتحدة أو لا تستطيع مواجهة الصين إلى ما لا نهاية في محاولة لضمان استقلال تايوان وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي، ولكن حتى في الوقت الحالي تكشف الدراسات والمناورات الحربية أن الميزة التي كانت تتمتع بها الولايات المتحدة في السابق تراجعت بدرجة كبيرة للغاية، وأنه من الممكن أن ” تخسر” واشنطن في بعض سيناريوهات الحرب المحتملة.
وإذا أرادت الولايات المتحدة ردع الصين بنجاح وإرغامها على التنافس والتعاون السلمي، فإنه يتعين عليها حينئذ التنافس على مستوى عالمي، إذ أن مواجهة الصين بالتهديد بمواجهة محلية سيكون أكثر تكلفة عالميا عما يستحقه الانتصار.
ويتعين على واشنطن استغلال كل ميزة رئيسية في المنافسة السياسية والاقتصادية مع بكين، وكذلك في المنافسة العسكرية.
ومثل هذا النوع من منافسة “المنطقة البيضاء” قد لا يكون حربا بالمعني الحرفي للكلمة، لكن – كما توضح العقيدة الدفاعية الصينية الحالية والخبير والجنرال العسكري الراحل صن تزو- فإن أفضل طريقة لتحقيق الانتصار هي تجنب الحرب أو الحد منها.
ويؤكد كوردسمان أن الاعتماد على العسكريين ليس فقط أمرا مكلفا من ناحية أن مكاسبة المدنية ضئيلة للغاية، ولكنه أيضا يمثل مخاطر جسيمة بالنسبة إلى العبء الذي يثقل به الإنفاق العسكري كاهل الاقتصاد القومي، والتكاليف التي يمثلها أيّ صراع ميداني كبير بالنسبة إلى الولايات المتحدة وشركائها الاستراتيجيين، وخطر حدوث تصعيد لحرب نووية، وإن كان محدودا.
العرب