لبنان وإسلام الزعران

لبنان وإسلام الزعران

لمن لا يعرف معنى كلمة زعران نقول إن اللبنانيين يطلقون صفة أزعر على الشخص المستهتر قليل الحياء، والخارج على القانون، وكثير المشاكل والاعتداءات، وسيّء السلوك.

وبمطابقة هذه الأوصاف على ما فعله النظام الإيراني، منذ أول يوم تولى الحكم في إيران، يتبين أن له عقيدة ثابتة تهدف إلى تركيع شعوب دول الجوار ولكن بالواسطة، بتشكيل ميليشيات من “زعران” الدولة التي يريد تمزيق وحدة شعبها وتفتيتها وتعطيل الحياة فيها، تمهيدا للهيمنة عليها وضمها إلى أملاكه.

فقبل ظهور الخميني لم يكن مواطنٌ إيراني أو عراقي أو سوري أو لبناني أو يمني يعرف القتل الجماعي، ولم يعتَدْ على النصب والابتزاز والاغتصاب وزراعة المخدرات والمتاجرة بها، وتجاوز قوانين الدول، وحرمان المواطن من رزقه وأمنه إلى أن يستسلم أو يموت.

وتعالوا نتذكر فواجع الأيام السود من أولها وحتى النهاية. فيوم أن هبطت الطائرة الفرنسية الخاصة التي حملته معززا مكرما من الحدود العراقية – الكويتية إلى باريس، ليعود منها منتصرا إلى طهران، وعلى متن طائرة فرنسية خاصة أيضا، في الأول من فبراير 1979، خرج لاستقباله الملايين من الإيرانيين والعرب والمسلمين في أرجاء الدنيا الواسعة، متدينين وعلمانيين ويساريين وقوميين، متفائلين بعودته، وآملين أن يكون حكمه الجديد بداية لعدالة كانت مفقودة، وانطلاقا لمسيرة بناء ورخاء وحرية وأمن واستقرار لإيران والمنطقة.

ولكنه خيب آمالهم بالاعتقال الكيفي والقتل والاغتيال والتهجير، وبحروب طائفية مع شعوب المنطقة، وفق نظريته القائمة على تصدير الثورة إلى دول الجوار العربية، بحجة تحرير فلسطين والصلاة في القدس بعد محو إسرائيل، بعد عمر طويل.

ومنذ ذلك اليوم وحتى يوم الحرب الأهلية المصغرة الجديدة التي أدارها الخميس زعران ميليشيا حزب الله ومنظمة أمل اللبنانية الإيرانية سالت دماء غزيرة، واحترقت منازل، وتهجّرت جموع، واختفت جموع، وتلونت إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن بالسواد، وامتلأت بالمآتم والجنازات التي لا تنتهي.

هل تذكرون كيف كان لبنان؟ وهل تعلمون كيف صار؟ فاللبنانيون عموما كانوا أسبق العرب وأكثرهم ميلا إلى الحداثة والديمقراطية والعلمانية. ويُسجل لهم أنهم جعلوا بلدهم الصغير مضافةً كريمة لكل هارب من وطنه الخربان، ولكل عاشق حرية وانعتاق، حتى أن أكبر أصحاب الأقلام التنويرية المتحررة وعمالقة المدارس والنظريات الفكرية الثورية التقدمية العربية غير اللبنانية ظهرت منجزاتُهم الخالدة في لبنان، وحملت رائحةَ بحرِه وجباله، ومقاهيه، ومنتدياته الثقافية الشهيرة، ومهرجاناته الرحبانية، ومطابعه الأحدث ما في العالم، ودُور النشر العريقة الرائدة التي لم يكن ينافسها في الجودة والأناقة والجمال ومهارة التوزيع أيُ عربي آخر، قط. أما لبنان حزب الله وأمل فهو لبنان آخر لا يصلح لعيش كريم.

ولبيان حجم النكبة اللبنانية الجديدة التي تسبب فيها حزب الله لهذا البلد الجميل نُذكركم، قراءَنا الأعزاء، بأن سعر الليرة اللبنانية في العام 1975 كان ليرتين وثلاثين قرشا فقط للدولار الواحد، وفي 1984 بلغ ست ليرات ونصف الليرة، ويوم الخامس عشر من أكتوبر 2020 تجاوز سقف 20.000 ليرة للدولار الوحد، وعندكم الحساب.

وملخص الزوبعة الهمجية الجديدة التي أدارها حملة سلاح حزب الله ومنظمة أمل في مناطق الطيونة والشياح وعين الرمانة، وأدت إلى استشهاد 6 أشخاص وإصابة أكثر من 30، بحسب بيانات وزارة الصحة، أن المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار أصدر مذكرة توقيف بحق وزير المالية السابق علي حسن خليل (حزب الله) لامتناعه عن المثول أمامه للتحقيق.

وكان قد استدعى من جديد رئيس الحكومة السابق حسان دياب والنواب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق للتحقيق.

وأبلغهم بيطار هذا القرار لصقا على مكان إقامة كل واحد منهم، ولدى مختار محلته، وعلى باب مكتب المحقق العدلي.

إلا أن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله صرح بأن “المحقق العدلي القاضي طارق بيطار مسيس ولن يصل إلى الحقيقة في تحقيق الانفجار”.

إلى هنا والشعب اللبناني الذي لا يملك القدرة على ردع هؤلاء الزعران، بسبب ظروفه الاقتصادية والمعيشية والتسليحية، توجه إلى المجتمع الدولي لنجدته وإنصافه وحمايته من رصاص الإسلام الإيراني المغشوش.

واستجابة وردا على الإرهاب العلني الإيراني الجديد هبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكومات عربية معينة لنصرة الشعب اللبناني، ولإعانته على أسلحة حزب الله التي تتجول بين منازل المدنيين ومدارسهم وأسواقهم الشعبية وهي تطلق الرصاص الحي يمينا وشمالا بقصد الإرهاب وتركيع اللبنانيين، مواطنين وحزبيين وقضاة ومحققين.

ولكن الأميركيين والأوروبيين والعرب الباكين على مأزق الشعب اللبناني طالبوا فقط بضرورة استمرار التحقيق في انفجار ميناء بيروت لمعرفة الجاني. وكأنه غير معروف ولا توجد أدلة ثابتة وموثقة تدينه.

رغم أن المتخصصين في موضوع نترات الأمونيوم، منذ أول يوم التفجير في الرابع من أغسطس 2020، وحتى اليوم، أكدوا وما زالوا يؤكدون أن الرصيف 12 لم يحترق، لأن هذه النترات لا تحترق. أبدا أبدا. ولكن الرصيف الذي انفجر هو الرصيف 9، بما فيه من مواد معدة لتصنيع الصواريخ، والذي تؤكد الوثائق والشهادات الحكومية والشعبية أنه مملوك بالكامل لحزب الله، وخارجٌ عن سلطة أي حكومة.

أما أسر الـ140 شهيدا والمئات من المفقودين والآلاف من الجرحى والمصابين والملايين الذين تضررت منازلهم وأماكن عملهم ومصادر أرزاقهم، فعليهم أن ينتظروا التحقيقات، أعواما وأعواما، لعلها تعيد إليهم شهداءهم وتشفي جرحاهم وتعيد أرزاقهم إليهم، بعد عمر طويل. فالعدالة لا تموت، ولكن الذي يموت هو إما القاضي وإما جحا وإما الحمار.

العرب