بغداد – فوز التيار الصدري -بزعامة مقتدى الصدر- بالمرتبة الأولى في انتخابات العراق المبكرة يثير علامات استفهامات حول مراكز القوة التي امتلكها الصدريون في كواليس إدارة عملية الاقتراع.
هذه القوة أثمرت عن فوز الكتلة الصدرية بـ73 مقعدا في مجلس النواب المقبل، ويعزوها مراقبون إلى عوامل عدة أبرزها شخصية الصدر الذي يتحدر من عائلة دينية بارزة ويتمتع بشعبية واسعة في العراق، إضافة إلى اعتماده سياسة النأي بنفسه عن الطبقة السياسية الحاكمة للعراق التي اتهمها بالفساد مرارا، وعلى الرغم من أن كتلته حصلت على المرتبة الأولى في انتخابات عام 2018، فإن ذلك لم يمنع الصدر من المحافظة على المركز ذاته في اقتراع عام 2021، الذي انتهت نتائجه بخسارة منافسيه في التحالفات الشيعية لعدد كبير من المقاعد.
أساليب انتخابية
ولعل أبرز المسائل التي حولت التيار الصدري إلى أكبر كتلة برلمانيا وسياسيا هي ماكنته الانتخابية التي استثمرت التقسيم الانتخابي للقانون الجديد (الذي حول العراق إلى 83 دائرة انتخابية بعدما كانت 18 دائرة)، فضلا عن التزام جماهيره بالتوصيات الانتخابية الصادرة من الفريق الانتخابي للصدريين، كما يقول عصام حسين عضو التيار الصدري في حديثه للجزيرة نت.
ويؤكد حسين عمل الصدريين بمعيار التقسيم المناطقي منذ عام 2010 واستمراره حتى انتخابات عامي 2014 و2018، ويشير إلى أن الماكنة الانتخابية الصدرية اعتمدت -في بداية الأمر- على النسب السكانية لكل دائرة انتخابية، ثم حولت هذه الدوائر إلى مربعات انتخابية (الدائرة الواحدة ضمت 3 مربعات وأحيانا 4 إلى 6 مربعات) مع احتفاظ كل مربع بنسبته السكانية الثابتة، ويقول إن هذه المربعات التي رسمها الفريق الانتخابي الصدري رشح عنها شخص واحد فقط ليصل مجموع المرشحين عن الكتلة الصدرية في الدائرة الواحدة إلى أكثر من 3 مرشحين.
ويضيف حسين -في حديثه إلى الجزيرة نت- أن الدائرة الانتخابية الثانية خصص لها 4 مقاعد في البرلمان الجديد. وبموجب التقسيم المشار إليه، حقق الصدريون فيها 3 مقاعد من أصل 4 تم تخصيصها سابقا، ومن بين الأساليب التي اعتمدها التيار الصدري في الانتخابات إنشاء تطبيق إلكتروني لجمهوره المنتشر في كل الدوائر الانتخابية، وهذا التطبيق استعان بنظام “جي بي إس” (GPS) لمساعدة الناخب الصدري على معرفة تقسيمات دائرته الانتخابية ومربعه المكاني والمرشح الواجب التصويت له، وفق التقسيم الذي أظهره تطبيق أطلق عليه فيما بعد “تطبيق الناخب الصدري”.
تفسيرات المنافسين
وخاض الصدر الانتخابات بقائمة أطلق عليها الكتلة الصدرية حازت على 980 ألف صوت في عموم الدوائر الانتخابية المنتشرة على طول المحافظات العراقية، وهي أعلى نسبة حققها التيار الصدري على حساب منافسيه الآخرين، خاصة أن الفارق بين الصدر وأقرب منافسيه وصل إلى 400 ألف صوت.
بالمقابل، يؤكد سعد السعدي عضو تحالف الفتح برئاسة هادي العامري (الذي حصل على 17 مقعدا وهذه النسبة تعتبر هزيمة بالنسبة لقوائمه المتحالفة بعد أن حقق 47 مقعدا في انتخابات 2018) أن فريق التحالف الانتخابي بذل جهودا في تنظيم عملية توزيع المرشحين وترتيب أصوات جمهورهم؛ إذ كان من المؤمل أن تحظى القائمة بعدد مقاعد كاف يؤهلها لتكون الكتلة الأكبر، مشيرا -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن نتائج الانتخابات التي أعلنتها المفوضية غير دقيقة وأن أداء المفوضين مربك ولم يكونوا على قدر المهمة المكلفين بها، خاصة وأن هناك دلائل تشير إلى وجود تلاعب كبير في نتائج الاقتراع. ويضيف السعدي أن تحالف الفتح قدم أكثر من 100 طعن وشكوى موثقة بالأدلة التي تثبت وجود تلاعب في نتائج الانتخابات.
رؤية فنية
ويعزو الخبير في الشؤون الانتخابية صفاء الموسوي أسباب تفاوت المقاعد البرلمانية والأصوات الانتخابية بين التحالفات والقوائم إلى التقسيم الانتخابي المعتمد في القانون الجديد، ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن اعتماد معيار الدوائر المتعددة تسبب في أضرار لبعض الأطراف السياسية، لأن هدف اعتماد النظام الانتخابي الجديد هو ترجيح كفة حزب على حزب آخر.
ويكمل الموسوي حديثه بأن القوائم الخاسرة لم تستشعر خطر الدوائر المتعددة إلا بعد إعلان النتائج، خاصة أن التقسيم الحالي لم يتوافق مع المعايير الدولية التي تصّر على وجود حدود جغرافية وإدارية معلومة للبلد الذي تجري فيه عملية اقتراع.
الصدر أعلن عن عدم مشاركة كتلته في المناصب الوزاريةالصدر ينحدر من عائلة دينية بارزة ويتمتع بشعبية واسعة في العراق (الجزيرة)
رأي الموسوي تقاطع مع ما يقوله أستاذ الإعلام والدعاية في جامعة أهل البيت العراقية غالب الدعمي الذي يعتقد -في حديثه للجزيرة نت- أن التيار الصدري كان ذكيا في التعامل مع التقسيم الانتخابي باعتماده خطة توزيع المرشحين وفق النسب السكانية لجمهوره المنتشر في الدوائر الانتخابية.
ويؤكد الدعمي أن نسبة نجاح الصدريين في القانون الجديد وصلت إلى 85%، كما أن هناك عوامل عدة ساعدته في الفوز أبرزها استثمار أخطاء منافسيه من الأحزاب، وأبرزها عدم ترشيحهم مستقلين ضمن قائمتهم واعتمادهم الخطاب الانتخابي الواضح، على عكس بعض القوى والكتل التي ركزت على القتال وأرجعت تراجع الإعمار والتطور في البلد إلى المؤامرات الخارجية.
المصدر : الجزيرة