خطاب رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالس في الرياض خلال منتدى رجال الأعمال السعوديين والفرنسيين الذي يترأسه من الجانب السعودي المحامي محمد بن لادن، كان لافتاً من ناحية تفصيله ما اتخذته فرنسا الاشتراكية من قرارات، فأشار الى تقليص الضرائب على الشركات التي تعمل في فرنسا والى تخفيف العبء على رجال الأعمال الذين يريدون العمل فيها، حتى أنه تناول موضوع العنف الذي تعرض له مدير شؤون الموظفين في الخطوط الجوية الفرنسية بسبب خطة إنهاء عمل حوالى ألفي موظف مندداً بذلك بقوة. وذكر بقرار حكومته بفتح المحلات يوم الأحد على غرار لندن. فحكومة فالس ووزير اقتصاده إيمانويل ماكرون تحاول فعلاً إدخال إصلاحات في القطاع الاقتصادي الفرنسي ولكنها عاجزة عن تنفيذها حتى الآن. فعندما انتخب فرنسوا هولاند الاشتراكي رئيساً، أضاع سنتين من ولايته في زيادة الضرائب، لأن الخزينة كانت تعاني من عجز ضخم. وكان شعار هولاند خلال حملته الانتخابية الحرب ضد الأغنياء وعالم المال، فأسرع لدى تسلمه الرئاسة الى زيادة الضرائب على ساعات العمل الإضافية، كما أنه تمسك بتحديد ساعات عمل الموظفين بـ٣٥ ساعة بدلاً من ٣٩، ما يعقد التوظيف ولا يزيد فرص العمل. إلا انه سرعان ما رأى أن البطالة تتزايد والأغنياء يغادرون فرنسا للاستقرار في دول تسهل الاستثمار والعمل مثل بريطانيا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية.
ولدى تعيين فالس رئيساً للحكومة وإدخاله وزيراً شاباً للاقتصاد هو إصلاحي ليبرالي التوجه بعد سنتين من ضياع الفرص، بدأ بمحاولة فيها استقطاب الاستثمارات وتشجيعها. ولكن الشعب الفرنسي شديد الحساسية إزاء الشؤون المالية ومكتسباته الاجتماعية. فلا أحد من اليمين أو اليسار في فرنسا يتجرأ على تنفيذ قانون تسريح موظفين إذا اقتضى الأمر. كما أن الأعباء الضريبية على التوظيف في فرنسا كبيرة. وكثيراً ما نرى مطاعم كبرى في فرنسا تعاني من خدمة بطيئة لأن صاحب المطعم لا يريد توظيف أكثر من شخص أو شخصين، بسبب كلفة التوظيف المرتفعة. فعلى صاحب المؤسسة أن يدفع أجور الموظف وكلفة توظيفه التي تقترب أحياناً كثيرة من مستوى الأجور. أما بالنسبة إلى العمل يوم الأحد فلم تتمكن أي حكومة من اليمين في عهد ساركوزي ولا من الاشتراكيين تطبيق هذا القرار. والآن وقد قرر وزير الاقتصاد ماكرون تجاوز رفض رئيسة بلدية باريس وفتح بعض المتاجر الكبرى في الأحياء السياحية في بعض المدن الفرنسية ١٢ يوم أحد في السنة، فهذا لا يعني أن المدن الفرنسية أصبحت مثل لندن، حيث كل المتاجر تفتح أيام الأحد. ففرنسا لن تتمكن من القيام بذلك لأن النقابات بإمكانها تعطيل البلد علماً أن نسبة تمثيلها للشعب الفرنسي ضئيلة.
إن حكومة فالس تحاول القيام بما ينبغي اتخاذه من قرارات لاستقطاب الاستثمارات ولكن كثيراً ما يجد قطاع الأعمال الأجنبي والفرنسي عراقيل تحول دون رغبة المستثمر في أن يأتي إلى فرنسا، علما أنها بلد جميل وفيه نوعية حياة فريدة في الغرب والشرق. ويدرك فالس خلال زيارته الى السعودية مع وزيري الدفاع والخارجية أهمية القطاع الاقتصادي السعودي وضرورة تشجيع الاستثمارات، لذا ركز على الإصلاحات التي تحاول حكومته اتخاذها وهذا طبيعي. كما أن مواقف فرنسا السياسية في المنطقة تستحق المكافأة، إن بالنسبة الى سورية أو لبنان أو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن القطاع المالي الخاص يحتاج إلى ضمانات لا علاقة لها بالسياسة.
إن فرنسا تستحق على الصعيد الحكومي الصناعي أو صناعة السلاح الفرنسية أن تأخذ حصة كبرى من السوق السعودية ولكن ما يتعلق بالقطاع الخاص يختلف كلياً.
رنده تقي الدين
صحيفة الحياة