كابل – تتراوح التكلفة الفعلية لتأشيرة طاجيكستان بين 50 و150 دولارا أميركيا، ولكنها تُباع في السوق السوداء مقابل ما بين 350 وألف دولار، والأيام الأخيرة ارتفع سعر التأشيرة ربع السنوية إلى 2400 دولار.
ومع وصول حركة طالبان إلى السلطة منتصف أغسطس/آب من العام الجاري، بدأ عدد من الأفغان ولاعتبارات مختلفة جهودهم لمغادرة البلاد، وازداد الطلب على وثائق السفر القانونية حيث أغلقت معظم السفارات مكاتبها الدبلوماسية أو علقت خدماتها القنصلية.
إضافة إلى ذلك، تم تعليق السفر الجوي والبري بسبب تعطل الخدمة، وبات من الصعب على معظم الراغبين الحصول على التأشيرة من السفارات، أدى كل ذلك إلى انتعاش السوق السوداء للتأشيرات وتزوير وثائق السفر بشكل غير مسبوق.
في الوقت الحاضر، باستثناء سفارتي باكستان والصين، أوقفت سفارات الدول الأخرى أنشطتها القنصلية، وبدأت إدارة الجوازات بوزارة الداخلية مؤخرا بتوزيع أو تجديد جوازات السفر ونظرا للطلب على وثائق السفر، بما في ذلك التأشيرات، فقد أصبحت السوق السوداء لهذه الوثائق منتعشة للغاية بسبب الطلب وإقبال الناس.
يقول الموظف السابق “شفيع” (اسم مستعار) “لقد حاولت مرارا الحصول على التأشيرة التركية قبيل سقوط الحكومة الأفغانية السابقة واضطررت لأن أبحث عن الواسطة لكن الحظ لم يحالفني فاضطررت إلى السوق السوداء وسماسرة التأشيرات، فأدركت أن هذا عالم آخر بعيد عن أعين السلطات ومخابراتها، ثم قارنت الأسعار الرسمية للتأشيرات مع أسعارها بالسوق السوداء، والسعر الحقيقي للتأشيرة الطاجيكية 60 دولارا، لكنها معروضة بالسوق السوداء 300-450 دولارا”.
وأضاف للجزيرة نت “السعر الحقيقي للتأشيرة التركية هو 120 دولارا، لكن يمكن بيعها في السوق السوداء مقابل ما يصل إلى 5 آلاف دولار، وهذه أسرار لا تعرفها السلطات الأفغانية”.
ويقول مصدر بالداخلية للجزيرة نت “بالنظر إلى البيانات الواردة من جهات مختلفة فقد ارتفع سعر التأشيرات في السوق السوداء، والمتقدمون للحصول على التأشيرات من المرضى، مسؤولون سابقون، طلاب، موظفو المؤسسات الأجنبية، رجال الأعمال”.
شبكة قديمة ونشطة
يقول أحد السماسرة ويدعى أحمد صميم (اسم مستعار) للجزيرة نت “هناك شبكة واسعة تعمل في السوق السوداء للتأشيرات وهي قديمة ولكنها نشطت الآن ولديها علاقات قوية مع جميع السفارات الأجنبية في أفغانستان، رغم إغلاق السفارات ولكنك تستطيع الحصول على التأشيرات التي تريدها خلال 15 يوما، إضافة إلى أن هناك أشخاصا لديهم مهارة فائقة في تزوير الوثائق وحتى تأشيرات بعض الدول”.
ورغم توقف الخدمات القنصلية في جميع السفارات فإنك تستطيع الحصول على التأشيرة التي تريدها في السوق السوداء بأسعار يمكن وصفها بالخيالية، كالتأشيرة الباكستانية التي كانت تقدم للمواطن الأفغاني مجانية، قبيل الاضطرابات الأخيرة وسقوط الحكومة السابقة، حيث كانت متاحة بين عشية وضحاها شريطة السفر بواسطة الطيران الباكستاني.
وتفاديا للزحمة أمام السفارة الباكستانية وقنصلياتها ومكافحة الفساد، أنشأت خدمة منح التأشيرة عبر الإنترنت لمدة عام مقابل 8 دولارات، وبعد التطورات الأخيرة ارتفع سعر التأشيرة بشكل غير مسبوق.
يقول للجزيرة نت “جميل كاكر” (اسم مستعار) وهو موظف بمكتب بيع التذاكر “حاليا يتراوح سعر التأشيرة الورقية في جواز السفر ما بين 250 – 500 دولار في السوق السوداء، وتكلفة التأشيرة عبر الإنترنت بين 20- 150 دولارا”. ويضيف “حصولك على التأشيرة لا يعني أنك تستطيع العبور إلى الأراضي الباكستانية، حيث أغلقت إسلام آباد حدودها مع أفغانستان، وأعرف أناسا لم يتمكنوا من السفر لعدة أشهر بسبب المشاكل في الحدود بين البلدين”.
أوزبكستان دولة مجاورة، وقد أقبل الأفغان على التوجه إليها لأسباب كثيرة أهمها الثقافة المشتركة بين البلدين وانخفاض أسعارها مقارنة بأفغانستان، وقد حددت الخارجية الأوزبكية سعر التأشيرة حسب المدة ويتراوح سعرها بين 50 و250 دولارا.
وبعد سقوط الحكومة السابقة، قررت أوزبكستان إغلاق السفارة والقنصليات في أفغانستان، وتوقفت عن إصدار تأشيرات جديدة.
يقول أحمد صميم” (اسم مستعار) “تباع التأشيرة الأوزبكية في السوق السوداء وحسب المدة من شهر واحد إلى 12 شهرا ما بين ألف و4 آلاف دولار، من قبل السماسرة والوسطاء الأفغان الذين يعملون ظاهريا موظفين في شركات السياحية، وتبذل هذه الشركات قصارى جهدها لعدم كتابة السعر على صفحاتها في مواقع التواصل وإنما يحسمون السعر مع الزبون عبر “واتساب”.
تزوير وثائق السفر
وبعد تفشي فيروس كورونا والتطورات الأخيرة، قررت أوزبكستان إغلاق حدودها وعدم استقبال الأفغان في أراضيها، ويقول مصدر بمدينة مزار الشريف شمالي أفغانستان للجزيرة نت “رغم إغلاق الحدود بين أفغانستان وأوزبكستان، وعدم منح التأشيرة الأوزبكية بالطريقة السليمة، فإن بعض الجهات توفر لك السفر إلى هناك عبر تزوير تأشيرات وتذاكر سفر إحدى الدولة الخليجية على أساس أنك تغادر عبر الأراضي الأوزبكية إلى هذه الدولة”.
والحال لا يختلف مع طاجيكستان وإيران وكازاخستان، وتوجد تأشيرات هذه الدول في السوق السوداء، يقول أحمد صميم للجزيرة نت “السفارة الإيرانية موجودة في كابل ولكنها لا تقدم الخدمات القنصلية، ويمكن أن تحصل على التأشيرة عبر الوسيط في مدينة جلال آباد وقندهار وهرات ومزار الشريف، السعر الفعلي للتأشيرة الإيرانية هو 50 دولارا وتباع الآن في السوق السوداء بقيمة تتراوح بين ألفين و3 آلاف دولار.
ورغم إقبال الأفغان على التأشيرة التركية فإن سفارة أنقرة في أفغانستان امتنعت عن منح التأشيرة للأفغان منذ 8 أشهر تقريبا، وتتعامل مع الأفغان عبر شركة خاصة.
يقول مصدر بالشركة للجزيرة نت “قبيل سقوط الحكومة السابقة سلمنا إلى السفارة التركية أكثر من 70 ألف طلب بشأن التأشيرة التركية، ولم يمنح إلا لعدد قليل وأكثرهم مسؤولون سابقون، ورغم إغلاق القنصليات التركية فإنك تستطيع الحصول على التأشيرة التركية بسعر يتراوح بين 4 آلاف و5 آلاف دولار”.
بعد انتهاء عملية إجلاء القوات الأميركية الأفغانَ والأجانب، نشط سوق تهريب البشر إلى أوروبا، وسابقا كان مهربو البشر يستخدمون المطارات الباكستانية، أما الآن توجهوا إلى بلدان آسيا الوسطى إيران وتركيا.
يقول الكاتب والباحث السياسي همايون رحماني للجزيرة نت “نشط سوق تهريب البشر إلى أوروبا عبر الأراضي الإيرانية ثم التركية لأنها قريبة من أوروبا، وحتى عملية إجلاء القوات الأميركية كانت هناك حالات خاصة، وتمكن سماسرة من فتح قنوات اتصال مع الذين يعملون مع القوات الأجنبية لإدخال الذين يريدون مغادرة أفغانستان إلى الولايات المتحدة وألمانيا”.
ويضيف رحماني أنه حسب المعلومات المتوافرة فقد “كان السماسرة يأخذون على شخص واحد 20 ألف دولار، وعلى العائلة المكونة من 6 أشخاص 50 ألف دولار، ولم يقتصر الأمر على الأفغان فقط، حيث توجه كثير من الباكستانيين والإيرانيين إلى أفغانستان على أمل الوصول إلى أوروبا ضمن عملية الإجلاء”.
ومع ذلك، فإن العديد من المواطنين الأفغان يطالبون الدول الأجنبية بفتح سفاراتها، حيث إن أكثر الدول الأوروبية لا تمنح التأشيرات إلا في دولة ثالثة لأسباب أمنية.
يقول جميل اكبري موظف بإحدى شركات السفر للجزيرة نت “فتح السفارات بشكل قانوني يمكنه القضاء على السوق السوداء لبيع التأشيرات، ومنذ فترة طويلة نسمع أخبارا عن السوق السوداء وأنها عملية منظمة، وهناك أجانب وأفغان يعملون في هذا المجال، وهناك مواسم محددة، فمثلا الآن يقبل الناس على التأشيرة التركية وهذه الوجهة الأولى ثم إيران، حتى موسم الحج والعمرة تجد من يزور لك الوثائق إن لم تجدها بطرق شرعية”.
المصدر : الجزيرة