تتجه الحكومات نحو المزيد من الاهتمام بمسألة التغيّر المناخي خاصة بعد أن أصبحت الأرض عرضة لتقلبات مناخية مفاجئة تخلف أضرارا جسيمة، وارتفعت أصوات الاحتجاجات الضاغطة من أجل مستقبل آمن مناخيا. لكن هذا الاهتمام لا يحدث تفاؤلا كبيرا لدى المهتمين بهذا المجال، والذين يعتبرون المؤتمرات المنعقدة من أجل المناخ، رغم كثرتها، لا تقدم حلولا جذرية أو تفرض التزاما دوليا.
لندن – يجتمع ممثلو نحو مئتي دولة آخر هذا الشهر في مدينة غلاسكو باسكتلندا بهدف تعزيز العمل لمعالجة الاحتباس الحراري بموجب اتفاق باريس.
وتتجه أنظار العالم إلى الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الذي سينعقد في الفترة من 31 أكتوبر حتى 12 نوفمبر، لمناقشة هذه القضية المصيرية، ضمن سقف توقعات مرتفع بالنسبة إلى التعامل مع مشكلات التغير المناخي.
ويقول علماء المناخ إنه حتى لو تم خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الآن بشكل كبير فإن اتجاه الاحتباس الحراري سيظل كما هو لأن الانبعاثات السابقة تبقى في الغلاف الجوي لعدة قرون. في حين يبدو المحللون أقل تفاؤلا من نتائج المؤتمر القادم بالنظر إلى أن المؤتمرات السابقة لم تدفع الدول إلى التزام جدي.
ديفيد فيكلينغ: الدول منقسمة بشدة حول سياسات المناخ المستقبلية
ويقول الباحث والمحلل الاقتصادي البريطاني ديفيد فيكلينغ في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه كان هناك 25 مؤتمرا في ظل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ منذ أن انعقد المؤتمر الأول بهذا الشأن في عام 1995.
ويضيف أنه خلال تلك الفترة، انبعث نحو 894 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون، أي حوالي 37 في المئة من إجمالي الغازات المسببة للاحتباس الحراري في تاريخ البشرية.
ويتساءل الكاتب “ما الذي يجعل أي شخص يعتقد أن الاجتماع السادس والعشرين الذي سيبدأ آخر شهر أكتوبر سيكون أكثر فعالية”؟
ويقول إن الجواب يكمن في التحديات القديمة التي تواجه إبرام اتفاقات دولية كبرى، مشيرا إلى أن ذلك قد يكون أكثر تفاؤلا مما يُعتقد.
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة الاثنين إن تركيزات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وصلت معدلا قياسيا في 2020، محذرة من أن العالم “بعيد عن المسار الصحيح” لتحقيق أهدافه بخصوص الحد من ارتفاع درجات الحرارة.
وأظهر تقرير للمنظمة أن مستويات ثاني أكسيد الكربون ارتفعت إلى 413.2 جزء في المليون في 2020، مرتفعة عن متوسط المعدل خلال السنوات العشر الماضية على الرغم من الانخفاض المؤقت في الانبعاثات خلال عمليات الإغلاق بسبب جائحة كوفيد – 19.
ويتمثل أحد الأقوال المأثورة التي تقوم عليها تعددية الأطراف في أن الاتفاقات العالمية الفعالة يمكن أن تكون عميقة وضيقة، أو واسعة النطاق وضحلة، ولكنها لن تنجح إذا حاولت أن تكون عميقة وواسعة النطاق على حد سواء.
ويرى فيكلينغ أن بروتوكول مونتريال لعام 1987، الذي يتحكم في المواد الكيميائية التي تضر بطبقة الأوزون، مثال كلاسيكي على اتفاق عالمي عميق وضيق. فآثار المعاهدة عميقة، حيث أنها ملزمة قانونيا لكل دولة عضو في الأمم المتحدة ومن تلقاء نفسها ستخفض الاحترار العالمي بمقدار درجة مئوية واحدة، ولكن نطاقها ضيق.
ومن ناحية أخرى، وضعت معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان معايير عالمية واسعة النطاق للعلاقات بين الفرد والدولة. غير أن تنفيذها يعد سطحيا، حتى أن الموقعين غالبا ما يبدون أنهم يتعاملون معها على أنها وعود ورقية لا قيمة لها.
وصدّقت تسعة من البلدان العشرة التي صنفت على أنها الأدنى من حيث المساواة بين الجنسين بموجب مؤشر سلام وأمن المرأة على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
ويقول فيكلينغ إن هذا الانفصام يضع محادثات المناخ في وضع غير موات منذ البداية. فالنوايا واسعة بشكل مذهل، وهي إعادة تشكيل أنظمة الطاقة التي عملت على إمداد الكوكب بأكمله بالطاقة منذ الثورة الصناعية، فضلا عن ممارسات استخدام الأراضي التي تم استخدامها منذ العصر الحجري. وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون الإنفاذ عميقا، لأن العالم لا يستطيع تحمل تكرار مسار الانبعاثات الذي كان عليه منذ ذلك الاجتماع الأول.
السيطرة على الانبعاثات في اقتصادات ما بعد الصناعة عمل أسهل بكثير من مثيله في الدول الآخذة في النمو
ومما يزيد المشكلة تعقيدا، برأي الكاتب، أن الدول منقسمة بشدة حول كيفية المضي قدما. ويتجلى ذلك على أفضل وجه في الانقسام بين مجموعة الدول السبع الكبرى ذات الاقتصادات المتقدمة، التي شكلت مجتمعة نحو 53 في المئة من انبعاثات الكربون التاريخية، ومجموعة الدول النامية السبع والسبعين.
إن السيطرة على الانبعاثات في اقتصادات ما بعد الصناعة التي بلغ عدد سكانها ذروته هو عمل أسهل بكثير مما هو عليه في الدول التي تشرع للتو في الزيادة السريعة في عدد السكان والدخل والنشاط الصناعي التي نسميها التنمية.
وكثيرا ما تُصور مجموعة الـ77، التي تضم بين أكبر ممثليها الصين والهند والبرازيل وإندونيسيا، على أنها مبددة للمفاوضات وأنها ترفض قبول القيود المفروضة على القدرة على إحداث التلوث وتقول إن الدول الغنية يجب أن تخفض انبعاثاتها بشكل أسرع قبل أن توافق الدول الأكثر فقرا على أي حدود مطلقة. وتتهم دول مجموعة السبع بعدم السماح بتوفير الدفعة التي تلقتها اقتصاداتها من عقود من الانبعاثات، ومضايقة الدول النامية التي ليس لديها سوى خيارات بديلة قليلة.
وشكل هذا الانقسام المحادثات في الكثير من الأحيان. وكان جوهر بروتوكول كيوتو، وهو أول اتفاق رئيسي بشأن المناخ اعتمد في مؤتمر الأطراف الثالث في عام 1997، هو في أساسه معاهدة بين مجموعة السبع زائد الاتحاد السوفييتي السابق وأستراليا ونيوزيلندا. ولكن إذا كان العمل بشأن تغير المناخ سيصبح رهينة لحل النزاعات القائمة منذ قرون بين الدول الاستعمارية وإمبراطورياتها السابقة، فإن آفاق كوكب الأرض قاتمة بالفعل، وفقا لفيكلينغ.
لكن الأمر كله ليس قاتما، إذ يقول الكاتب إنه لا يزال هناك سبب للتفاؤل.
ويضيف أنه من الحقائق المدهشة في كيوتو أن اتفاقا كان ينظر إليه على أنه فاشل على نطاق واسع حقق نجاحا من نواح كثيرة.
ولم تحقق البلدان التي بقيت في الاتفاق هدف خفض الانبعاثات بنسبة 5 في المئة على مدى العقدين التاليين لعام 1990 فحسب، بل تجاوزته بكثير، مع تخفيضات بنسبة 11 في المئة تعمقت إلى 17 في المئة بحلول عام 2019. وهذا يتناسب تماما مع الأدلة على أن الأهداف الطموحة من المرجح أن تتحقق أكثر من الأهداف الخجولة.
ويرى فيكلينغ أن المشكلة مع كيوتو لم تكن أن الدول لم تصل إلى الأهداف التي التزمت بها، ولكن المشكلة هي أن قلة قليلة جدا هي التي التزمت بالأهداف على الإطلاق.
العرب