كيف ستعاقب الجزائر فرنسا بعدم التحدث بلغتها

كيف ستعاقب الجزائر فرنسا بعدم التحدث بلغتها

الجزائر – أثار قرار وزارات جزائرية التوقف عن استخدام اللغة الفرنسية في التعاملات داخل الجزائر تساؤلات عن جدوى هذه الخطوة إذا كان الهدف منها معاقبة فرنسا على المواقف الأخيرة لرئيسها إيمانويل ماكرون تجاه الجزائر؟ وهل أن هذه الخطوة هي الرد المناسب؟ وأي صدى لها؟

وقال نشطاء جزائريون على مواقع التواصل إنه من الطريف أن تواجه الجزائر فرنسا بمقاطعة لغتها وكأن فرنسا تهتم بمراسلات الإدارات الحكومية الجزائرية، لافتين إلى أن الأمر لا يتجاوز الخطاب الشعبوي الذي دأبت السلطات على الالتجاء إليه للتغطية على أزماتها، وأشاروا إلى أن حملات التعريب في الجزائر ضيعت الفرنسية ولم تتقن العربية.

واستقبل النشطاء بشيء من الطرافة والسخرية قرار الوزارات على اعتبار أنه لن يقدم ولن يؤخر في جوهر موازين القوى غير المتكافئة بين الطرفين، في تلميح إلى أن الاقتصاد والمال هما اللذان يحققان الاستقلال الحقيقي لأي بلاد أو شعب.

وعلق أحدهم على المسألة بنشر صورة لمادة البطاطا بسعرها “المرتفع” حاليا في الأسواق المحلية، المناهز لدولار أميركي للكيلوغرام الواحد، وعليها لافتة السعر بالعربية والفرنسية، في تلميح إلى أن العبرة في التغيير الحقيقي وليس في تغيير لافتة السعر من الفرنسية إلى العربية، لأن الندرة والغلاء هما نفساهما.

عبدالرزاق قسوم: أفضل رد على تصريحات ماكرون هو التخلي عن لغة فرنسا

ودخلت الفرنسية -اللغة الثانية المعتمدة في المعاملات الرسمية والإدارية بالجزائر- ضمن السجال السياسي والدبلوماسي المستعر بين الجزائر وفرنسا خلال الأسابيع الأخيرة. ودون سابق إنذار أعلنت عدة قطاعات وزارية إنهاء التعامل باللغة الفرنسية، كرد فعل منها على ما تصفه بالإهانات وتطاول المسؤولين الفرنسيين على الجزائر، وهو ما مثل هدية للتيار القومي والمحافظين الذين ظلوا يعتبرون بقاء اللغة الفرنسية في بلادهم استمرارا لاستعمار لغوي وثقافي للبلاد.

واعتبر رئيس جمعية علماء المسلمين الجزائريين عبدالرزاق قسوم أن “أفضل رد على تصريحات الرئيس الفرنسي المسيئة إلى الجزائر، هو التخلي عن لغة فرنسا وثقافتها”، دون أن يوضح طبيعة وكيفية الخسائر التي ستلحق بفرنسا في مثل هذه الحالات، رغم أن مسألة اللغة الثانية في البلاد ظلت محل تجاذب بين من يعرفون بالقوميين المحافظين والفرنكفونيين.

وذكر عبدالرزاق قسوم، المحسوب على التيار المحافظ، أن “أحسن جواب نجيب به هؤلاء (الفرنسيين) هو وحدة الصف والكلمة والعودة إلى الذات، لأنها تعني التخلي عن لغة العدو وثقافة العدو وكل ما من شأنه أن يلحق المساس بسيادتنا وهويتنا وشخصيتنا”.

وتحول مطلب إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في المعاملات الإدارية والرسمية داخل القطاعات الوزارية إلى ما يشبه الموضة السياسية داخل الحكومة الجزائرية، للرد على محتوى التصريحات المثيرة للرئيس الفرنسي بشأن تركيبة السلطة في الجزائر، والماضي التاريخي للأمة الجزائرية.

وتحدثت تقارير محلية عن قرار رئاسي يقضي بعزل اللغة الفرنسية عن المعاملات الداخلية والرسمية، في خطوة لإنهاء نوع من الاستعمار اللغوي والثقافي للبلاد، غير أنها لم توضح أسباب التأخر في الإعلان عنه.

وكانت وزارة العمل والتشغيل آخر الملتحقين بلائحة المستغنين عن التعامل باللغة الفرنسية داخل دوائرها وإداراتها، لتنضم بذلك إلى كل من وزارتي التكوين المهني، والشباب والرياضة. ولا يستبعد أن تنحو نحوهم وزارات أو مؤسسات حكومية أخرى، باعتبار أن المسألة باتت قريبة من التباهي بالسيادة الوطنية عشية إحياء ذكرى ثورة التحرير المصادفة للأول من نوفمبر.

وفيما استندت التعليمات الصادرة عن وزارة العمل والتشغيل على محتوى المادة الثالثة من الدستور التي تقر بكون اللغة الوطنية والرسمية للبلاد هي العربية ثم الأمازيغية، فإن تقارير محلية تداولت الحديث عن وجود تعليمات شفاهية متناقلة بين التسلسل التراتبي للمؤسسات، الأمر الذي يرشح المسألة لأن تتوسع وتتمدد في قادم الأيام.

ويبدو أن احتلال اللغة الفرنسية مكانةً أولى في بعض المؤسسات الحكومية والخاصة -لاسيما الاقتصادية والخدماتية- أعاق صدور قرار سياسي في هذا الشأن، باعتبار أن أي شيء من هذا القبيل سيخلق حالة من الارتباك داخل تلك المؤسسات، لذلك يجري التخلص تدريجيا من اللغة الفرنسية.

وكانت العديد من الأصوات قد تعالت منذ سنوات منادية بالتخلص من الفرنسية كلغة ثانية في البلاد واعتماد الإنجليزية بدلا منها، وبررت ذلك بكون الأولى مازالت تمثل نوعا من الاستعمار اللغوي والثقافي، وأن الثانية هي لغة العلم والعصر، لكنْ ظلت هذه الأصوات تصطدم بنفوذ التيار الفرنكفوني.

وقررت الجزائر نهاية ثمانينات القرن الماضي تعميم استعمال اللغة العربية داخل مؤسسات الدولة، لكن القرار توقف في مطلع التسعينات غداة تدخل الجيش لوقف المسار الانتخابي الذي اكتسحه آنذاك إسلاميو جبهة الإنقاذ، لأسباب وأغراض غير معلنة لكنها لا تبتعد عن التجاذبات بين التيار القومي المحافظ ونظيره الفرنكفوني.

وتبقى وزارة الدفاع الجزائرية والعدل الوزارتيْن الوحيدتيْن اللتين طبقتا البند الثالث من الدستور، منذ سنوات طويلة بعيدا عن ضوضاء السجال اللغوي والثقافي بين التيارين الأيديولوجيين المتناحرين في البلاد، وعما استجد من خلافات “العدوين الحميمين” الجزائر وفرنسا.

وعاد رئيس جمعية علماء المسلمين الجزائريين في تصريحه إلى دعم التوازنات الجديدة، في التقارب بين بلاده وتركيا، والحضّ على ما أسماه بـ”إنهاء الوصاية اللغوية والثقافية الفرنسية على الجزائريين”.

وأكد على أن تصريحات الرئيس الفرنسي “عدائية لبلادنا ولتاريخنا، وهو خطأ وسقطة نأسف أن يقع فيها مسؤول في هذا المستوى، وأن حديث ماكرون عن عدم وجود دولة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي عام 1830 يحمل تناقضات، لأن هذا الكلام تبطله قضية القنصل الفرنسي الذي كان أمام الداي (حاكم الجزائر حينها)، والديون التي كانت على فرنسا للجزائر، والخزينة التي أخذوها عام 1830 وتحتوي على كنوز.. فكيف لدولة غير موجودة يكون لديها قناصل معها وخزينة؟”.

وبرأ المتحدث ساحة الأتراك من احتلال الجزائر بالقول “لم يكن بأية صفة من الصفات احتلالا، بل بالعكس (كان) استنجادا من بلادنا بهم (العثمانيين) لمساعدتنا على مقاومة الاحتلال الإسباني”.

العرب