القوى الخاسرة في الانتخابات توقظ الفتنة الطائفية في ديالى

القوى الخاسرة في الانتخابات توقظ الفتنة الطائفية في ديالى

أثارت التوترات الطائفية في محافظة ديالى صدمة الشارع العراقي، وأعادت إلى الأذهان مشاهد مريرة عايشها العراق في السابق. ولا يخفي البعض تخوفهم من إقدام بعض القوى “المأزومة” على استغلال الوضع المحتقن في المحافظة خدمة لأغراض سياسية.

بغداد – فجر هجوم المقدادية الذي وقع مساء الثلاثاء وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية موجة من أعمال العنف الطائفية في محافظة ديالى شرقي العراق، في ظل قلق من تصاعد الوضع وامتداده إلى أنحاء أخرى من البلاد التي تعيش على وقع أزمة سياسية مستفحلة، خلفتها نتائج الانتخابات التشريعية.

وقالت أوساط سياسية عراقية إن مخاوف جدية من أن تعمد بعض الأطراف الخاسرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى تأجيج التوترات الطائفية، لإعادة خلق أمر واقع جديد.

ودعا رئيس الحكومة العراقية القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي الخميس، إلى عدم السماح بأي محاولة لعودة الفرقة الطائفية والتكاتف من أجل محاربة الإرهاب في العراق.

وشدد الكاظمي، خلال اجتماع المجلس الوزاري للأمن الوطني بحضور عدد من القيادات الأمنية والعسكرية على تفعيل الجهد الاستخباري للقيام بدوره، وتشخيص أي محاولة لبثّ الفرقة الطائفية التي قال إنه لن يسمح بعودتها.

وكان وفد مؤلف من وزير الداخلية والهجرة والمهجرين ومستشار الأمن القومي ورئيس أركان الجيش ونائب قائد العمليات المشتركة وكبار الضباط وصلوا إلى محافظة ديالى في وقت سابق من الخميس لبحث تداعيات الهجوم، ولتخفيف حدة التوترات، في ظل أنباء عن موجة نزوح من قرية نهر الإمام.

مصطفى الكاظمي: ضرورة تشخيص أي محاولة لبثّ الفرقة الطائفية

وقال الكاظمي خلال الاجتماع الأمني إنه أصدر عددا من التوجيهات إلى القادة الأمنيين والعسكريين في محافظة ديالى من أجل تثبيت الأمن والاستقرار، والقضاء على فلول التكفير الإرهابي والداعشي فيها.

وطالب رئيس الوزراء العراقي “جميع الجهات بعدم استغلال مأساة المواطنين لأجل تحقيق أمور بعينها، ويجب التكاتف من أجل دحر الإرهاب”.

وقام زعيم منظمة بدر هادي العامري عقب الهجوم بزيارة قرية الرشاد لإبداء الدعم والمساندة لذوي الضحايا، بيد أنه قوبل بغضب الأهالي الذين اتهموا الأحزاب الحاكمة بالمسؤولية عن حالة الانفلات الأمني.

ويرى متابعون أن تحذيرات الكاظمي المبطنة، تشي بامتلاكه لمعطيات أمنية عن وجود أطراف وقوى تسعى إلى توظيف ما حصل، خصوصا وأن هناك حديثا يدور عن أن تشكيلات من الحشد الشعبي هي من تقف خلف استهداف سكان قرية نهر الإمام.

وقتل الأربعاء أحد عشر شخصا في قرية نهر الإمام التي تقطنها عشائر سنية، كما تم إحراق منازل وأراض زراعية. وكشف مصدر أمني أن الهجوم على القرية جاء ردّا على الاعتداء الذي تبناه تنظيم داعش على قرية مجاورة ذات غالبية شيعية وأوقع 15 قتيلا، وفق حصيلة نهائية.

وتعرض سكان قرية الرشاد من قضاء المقدادية مساء الثلاثاء لكمين من مسلحين مدججين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، أدى إلى مقتل 15 شخصا وإصابة 26 آخرين بجروح في حصيلة نهائية.

وأعلن تنظيم داعش في بيان الأربعاء تبنيه الهجوم الذي كان معظم ضحاياه من المدنيين من قبيلة بني تميم، التي رفض شق من أبنائها تصديق رواية التنظيم معتبرين أن الهجوم كان مدبرا له من عناصر مسلحة في القرية المجاورة.

وأدان المجمع الفقهي العراقي، وهو مرجعية شرعية مستقلة للسنة، في بيان “الهجوم الإرهابي” على قرية الرشاد، وفي الوقت نفسه “الجريمة الانتقامية المروعة وغير الشرعية” التي طالت قرية نهر الإمام.

وجاء في البيان “شهد قضاء المقدادية في محافظة ديالى جريمة إرهابية استهدفت أبناء قرية الرشاد تحركت على إثرها مجاميع مسلحة نفذت هجوما موسعا على قرية نهر الإمام”، منتقدا أداء “الأجهزة الأمنية”.

وتعيد مثل هذه الحوادث في العراق إلى الأذهان ذكريات أليمة لحرب طائفية قتل فيها الآلاف بعد الغزو الأميركي في العام 2003 وسقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين.

ويشير مراقبون إلى أن العديد من الأطراف من مصلحتها إيقاظ نار الفتنة الطائفية في العراق، ومن بينهم تنظيم داعش، الذي زاد في الأشهر الأخيرة من وتيرة هجماته، لاسيما في المنطقة الرابطة بين محافظات كركوك وصلاح الدين (شمال) وديالى (شرق) المعروفة باسم “مثلث

ويقول المراقبون إن المجموعات الشيعية المسلحة الموالية لإيران لها مصلحة أيضا في استغلال ما يحصل، خصوصا بعد الانتكاسة الانتخابية التي منيت بها والتي كشفت عن تقهقر شعبيتها بشكل كبير.

وكان تحالف “فتح” المظلة السياسية للميليشيات الشيعية الموالية لإيران مني بهزيمة قاسية في الاستحقاق الذي جرى في العاشر من أكتوبر، حيث لم يحصد سوى 17 مقعدا بعدما حل في المرتبة الثانية في انتخابات 2018 بـ48 مقعدا.

وكسبت الميليشيات الشيعية دعما كبيرا في السنوات الماضية بفعل المعارك التي خاضتها ضد تنظيم داعش، بيد أن هذا الدعم تراجع إلى حدّ كبيرا، وفقدت هذه المجموعات بريقها بعد تحولها إلى دولة داخل الدولة، وعناصرها فوق القانون والمحاسبة.

ويرى المراقبون أن هذه الميليشيات قد تحاول إثارة الورقة الأمنية لشد العصب إليها مجددا، بيد أنه ليس من المتوقع أن تحقق الكثير بعد أن باتت أوراقها مكشوفة للغالبية العظمى من الشعب العراقي.

رئيس الحكومة العراقية يدعو إلى عدم السماح بأي محاولة لعودة الفرقة الطائفية والتكاتف من أجل محاربة الإرهاب في العراق

وأعلن العراق في أواخر العام 2017 انتصاره على تنظيم الدولة الإسلامية بعد طرد الجهاديين من كل المدن الرئيسية التي سيطروا عليها في العام 2014، فيما قتل زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي في العام 2019.

وتراجعت مذاك هجمات التنظيم في المدن بشكل كبير، لكن القوات العراقية لا تزال تلاحق خلايا نائمة في مناطق جبلية وصحراوية، فيما يستهدف التنظيم بين وقت وآخر مواقع عسكرية، وقد نفّذ في يوليو الماضي هجوما أودى بثلاثين مدنيا في حي مدينة الصدر الشيعية في العاصمة.

ويقدم تحالف دولي بقيادة واشنطن الدعم للقوات العراقية في حربها على تنظيم الدولة الإسلامية منذ العام 2014، ويضم 3500 عسكري، بينهم 2500 أميركي، ستتحول مهمتهم إلى “استشارية” و”تدريبية” تماما بحلول نهاية العام.

وأعلنت السلطات العراقية في أكتوبر الماضي إلقاء القبض على جهاديَّين بارزين في عمليتين خارج العراق، أحدهما في تركيا وهو سامي جاسم الجبوري، “مشرف المال” في تنظيم الدولة الإسلامية ونائب البغدادي سابقا، والآخر مسؤول عن تفجير أدى إلى مقتل أكثر من 320 شخصا في بغداد قبل خمس سنوات.

العرب