المغرب يسعى لتحويل أعباء القنب الهندي إلى فرص اقتصادية

المغرب يسعى لتحويل أعباء القنب الهندي إلى فرص اقتصادية

يكثف المغرب من جهوده لتغيير الوضع القائم في المناطق الشمالية المعنية بزراعة القنب الهندي عبر استراتيجية مندمجة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بهدف تحويل أعباء هذه النبتة إلى فرص استثمارية مثمرة بعد تقنين تجارتها، حيث من المتوقع أن تدر عوائد إضافية سنويا للدولة وتوفر فرص عمل مستدامة للسكان المحليين.

الرباط – تترقب الأوساط الاقتصادية والشعبية في المغرب البدء فعليا في تنمية مناطق زراعة القنب الهندي، والذي تعول عليه الحكومة لتحويل الأقاليم الشمالية من حجر عثرة أمام التنمية إلى فرصة لتعزيز الاستثمار وفتح فرص جديدة في سوق العمل.

ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره السنوي لعام 2020 أن الحكومة عليها اعتماد استراتيجية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بتلك المناطق تقوم على إدماج المزارعين المحليين بمختلف الاستعمالات المشروعة للنبتة وتحويلها الصناعي.

وركز خبراء المجلس في تقريرهم على ضرورة أن تتضمن الاستراتيجية منظومة إنتاج زراعي مبتكرة ومستدامة، ونمطا اقتصاديا مقننا دون عوائق حتى يتمكن المغرب من الاندماج الإيجابي في السوق الدولية.

كما اشترط تنفيذ خطة استعجالية لتطوير البنية التحتية للطرقات ومختلف المشاريع التنموية الصغيرة بهدف فك العزلة عن المناطق التي تنتشر فيها زراعة القنب الهندي، وتسهيل تطوير النشاط الاقتصادي.

وطالب كذلك بوضع برنامج خاص لتطوير أنشطة اقتصادية واجتماعية مدرة للدخل وتوفر فرص عمل للحد من أسباب التوترات الاجتماعية، مع تنويع مصادر دخل سكان تلك المناطق، الذي يقتصر اليوم بشكل كبير على القنب الهندي.

وقال أحمد رضا الشامي رئيس المجلس إن “الاستراتيجية يجب أن توفر حوافز خاصة لجلب الاستثمار والخبرة المحلية والدولية إلى تلك الجهات في مجال أنشطة تحويل القنب الهندي، والحرص على المحافظة على البيئة”.

وحتى تنجح السلطات في مساعيها يفترض تعزيز تنظيم المزارعين في التعاونيات لتسهيل الحصول على الحقوق الحصرية لمناطق الزراعة أو الأصناف أو المنتجات المتأتية منها وسلسلة تستند بقوة إلى البحث والابتكار قصد خلق منتجات مبتكرة من خلال الاستفادة من خصائص القنب الهندي المغربي، ووضع آلية لتنسيق ورصد وتشجيع البحث والابتكار لتحويل هذه النبتة.

وأضاف الشامي “على الحكومة الانفتاح على الخبرات التكنولوجية اللازمة لتطوير هذه الزراعة والضمانات الضرورية للوصول إلى الأسواق عبر توفير إنتاج له أهميته بالمقارنة مع منافسين آخرين”.

وصادق البرلمان في مايو الماضي على مشروع قانون يتيح استخدام القنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية، في تحول تطمح منه الرباط إلى استغلال الفرص التي تتيحها السوق العالمية لتجارة هذه النبتة بالطرق المشروعة وجذب استثمارات لتنمية هذا المجال.

وكانت وكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال قد قالت في مارس الماضي إنها أعدت برنامجا يستهدف تنمية 98 إقليما لزراعة القنب الهندي والتي يفوق تعداد سكانها مجتمعة مليون شخص، يقوم على 3 ركائز تتمثل في التنمية الاجتماعية وتطوير الاقتصاد وصداقة البيئة.

وأكد الباحث في اقتصاد القنب الهندي شريف أدرداك أن تقنين زراعة القنب الهندي للاستعمالات المشروعة سيضمن مداخيل هامة لخزينة الدولة، خصوصا مع وجود طلب خارجي على هذه المنتوجات المغربية.

ويقول اقتصاديون إن على الحكومة تشجيع الاستثمار في مادة القنب الهندي في إطار مواصلة برنامج “انطلاقة” الذي سيستفيد من دينامية جديدة في إطار الشراكة مع مختلف الشركاء.

وترى الحكومة أن تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندي كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات وجلب الاستثمارات العالمية، بهدف الاستفادة من مداخيل السوق الدولية لهذه النبتة.

وبحسب وثيقة مشروع موازنة 2022، سيتم بذل مجهودات لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، العاملة في مجال التصدير، سعيا لتوفير فرص عمل وخلق القيمة المضافة.

وتماشيا مع الجهود المبذولة لإنعاش الاقتصاد وتطوير المنظومة المواكبة للشركات، ستعمل الحكومة على اعتماد ميثاق الاستثمار ومراجعة الإطار التحفيزي له من أجل تشجيع الشركات على الاستثمار أكثر في أنشطة ذات قيمة مضافة عالية.

وفي خضم ذلك، برزت دعوات لإنشاء سلسلة مندمجة علاجية وصناعية للاستفادة من زراعة القنب الهندي محليا عبر التطوير المشترك لإنتاج النبتة وتحويلها مع استهداف مزارعين منتجين يمكنهم القيام بإجراء تحويلات معينة للنبتة وبيع المنتجات المشتقة منها.

ومن جهة أخرى، تطوير الصناعات التحويلية والاستخراجية التي تصل إلى التصنيع الدوائي أو أي منتوج آخر ذي قيمة مضافة عالية.

ولتقنين زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، استحدثت الحكومة الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، وأضيفت هذه الوكالة إلى المؤسسات ذات الطابع الاستراتيجي في البلاد.

ويعتبر أدرداك، الذي يرأس جمعية كنفدرالية جمعيات صنهاجة الريف التنموية، أن إنشاء هذه الوكالة “خيار استراتيجي ينم عن وعي المسؤولين بأهمية الانخراط في السوق العالمية للمنتوجات الطبية والصناعية للقنب الهندي”.

ويمثل تقنين زراعة القنب الهندي، واستعماله في أغراض طبية وصناعية، فرصة للمزارعين للمساهمة في خلق ديناميكية اقتصادية، لن ترتبط فقط بالزراعة، بل وأيضا بالصناعة المرتبطة بهذه النبتة، وهو ما سيجلب استثمارات هامة وواعدة في مجال صناعة الأدوية، ستساعد على خلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة لأبناء المناطق الشمالية من المغرب.

ويؤكد خبراء أن الاستثمار في تطوير سوق محلية للقنب الطبي والصناعي يأتي بسبب عائداته المادية وفوائده الطبية، إذ تظهر الأرقام الرسمية أن عائدات السوق العالمية للقنب الطبي بلغت نحو 16.5 مليار دولار في العام 2019، فيما تشير التوقعات إلى أن هذا الرقم سيصل إلى نحو 44.4 مليار دولار بحلول 2024.

وتتماشى هذه الجهود مع توجهات التقرير العام حول النموذج التنموي الجديد الرامية لتحديث النسيج الاقتصادي عبر إدماج عدد أكبر من الأنشطة في القطاع الرسمي والرفع من القيمة المضافة المحلية، مما يسمح بالترويج لعلامة “صنع في المغرب”.

ووفق معطيات وزارة الداخلية، فقد تقلصت مساحات زراعة القنب الهندي في الأقاليم الشمالية في السنوات الأخيرة بنحو 65 في المئة، أي من134 ألف هكتار إلى قرابة 47.5 ألف هكتار بعد تقييم أنجزته السلطات بالاعتماد على صور الأقمار الاصطناعية.

وأشارت الوزارة في دراسة كشفت عنها في مايو الماضي إلى أن الدخل الصافي السنوي من الهكتار الواحد لزراعة القنب الهندي قد يصل إلى 13 ألف دولار.

وترى الدراسة أن أوروبا يمكن أن تكون السوق الأهم لتجارة هذه النبتة بحيث قد تحقق عوائد سنوية تقدر بنحو 630 مليون دولار، ما يعني أنه سيتيح للمغرب تجاوز حجم إجمالي المداخيل الزراعية الحالية المقدرة بنحو 400 مليون دولار كل عام.

العرب