تسعى القوى الخاسرة في الانتخابات التشريعية في العراق إلى التأثير على موقف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بيد أن تلك المحاولات لا تلقى صدى لاسيما في ظل الانقسامات التي تعصف بصفوفها. ومن المرجح ألا يحدث تغيّر كبير على النتائج التي سبق وأعلنتها المفوضية.
بغداد – دعا زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى التعامل بشفافية عالية مع الاعتراضات والطعون على نتائج الاستحقاق، في سياق ضغوط لتدارك حجم الخسارة.
وتسود حالة من عدم اليقين في العراق، على وقع تقدم عمليات إعادة العد والفرز للعشرات من المحطات الانتخابية، والتي يبدو أنها لن تغيّر كثيرا في النتائج الأولية المعلنة من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وتحاول القوى الخاسرة في الاستحقاق ممارسة ضغوط على المفوضية العليا للتأثير على قراراتها والتخفيف من وطأة الخسارة، بيد أن مراقبين يشككون في مدى قدرتهم على تحقيق ذلك.
وقال الحكيم خلال اجتماعه مع سفير ألمانيا في العراق مارتن ييغار، “ما زلنا نعقد الأمل على المفوضية والقضاء في التعامل مع الطعون والإشكاليات التي تطرحها القوى السياسية المعترضة على نتائج الانتخابات بشفافية عالية وضرورة اتباع السبل القانونية والسلمية للمطالبة بالحقوق”.
ومني تيار الحكمة بهزيمة غير متوقعة في الانتخابات الأخيرة حيث حصد مقعدين فقط، ويحاول رجل الدين الشيعي عمار الحكيم التخفيف من حجم هذه الهزيمة القاسية من خلال وضع قدم مع الإطار التنسيقي الذي يضم الميليشيات الموالية لإيران، وأخرى مع التيار الصدري المتصدر لنتائج الاستحقاق.
ويقول مراقبون إن النتائج الهزيلة التي حققها تيار الحكمة تجعله نظريا خارج المعادلة السياسية لكن هذا التيار يراهن على زعيمه لتحصيل بعض المكاسب، ومن هذا المنطلق هو يتمهّل في إبداء أي موقف واضح وصريح، وإن كان يبدو ميالا أكثر إلى التيار الصدري.
ويشير المراقبون إلى أن تيار الحكمة ورغم انتقاداته للمفوضية العليا للانتخابات إلا أنه يدرك أنه لا مجال لتغيير الواقع الانتخابي، على خلاف باقي مكونات الإطار التنسيقي ولاسيما تحالف الفتح المظلة السياسية للميليشيات الشيعية الموالية لطهران.
وتصر الميليشيات الشيعية على السير في خيار التصعيد ضد المفوضية، وتبدي استعدادا للذهاب نحو سيناريوهات أسوأ، وسط اعتقاد أقرب للجزم بأن هذا الموقف يندرج في سياق الضغط لتحقيق ما عجزت عنه هي الأخرى في صناديق الاقتراع.
ونصب أنصار الميليشيات الخيام بالقرب من مدخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد في اعتصام مستمر، مهددين بالعنف إذا استمرت “مظالمهم”.
وتلقي مزاعم التزوير بظلالها على الانتخابات التي أشادت بها الولايات المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وآخرين لكونها الأكثر سلاسة منذ سنوات والتي لم تشهد أخطاء فنية كبيرة.
ونُظّمت الانتخابات البرلمانية قبل الموعد المحدد بأشهر في استجابة لمطالب احتجاجات 2019 التي شهدت احتشاد عشرات الآلاف من الأشخاص في بغداد والمحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية ضد الفساد المستشري وضعف الخدمات والبطالة. كما شملت أسباب الاحتجاج تدخل إيران القوي في شؤون العراق من خلال الميليشيات التي تدعمها.
وكشفت نتائج الانتخابات عن الانقسامات السياسية الخطيرة بين القوى الشيعية. ويشكل المسلمون الشيعة غالبية سكان العراق الذين يقدر عددهم بنحو 40 مليون نسمة.
وحقق رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أكبر المكاسب الانتخابية، حيث حصل على 73 مقعدا من أصل 329 في البرلمان. وبينما يحافظ على علاقات جيدة مع إيران، يعارض الصدر علنا التدخل الخارجي في شؤون العراق. وجاءت كتلة تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب المنحل محمد الحلبوسي في المركز الثاني بـ37 مقعدا فيما نال ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي 35 مقعدا.
وخسر تحالف الفتح ثلثي مقاعده البرلمانية، التي انخفضت من 48 إلى حوالي 16 مقعدا. وكان التحالف حقق مكاسب كبيرة بعد مشاركته في الانتخابات لأول مرة في 2018. وفي ذلك الوقت، كان يحظى بموجة شعبية بعد أن لعب دورا رئيسيا، إلى جانب قوات الأمن العراقية والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، في هزيمة تنظيم داعش في العام 2017.
لكن المزاج تغيّر. وبدأ البعض في التساؤل عن الحاجة إلى هذه الميليشيات، التي بدأت تشكل تحدّيا كبيرا لسلطة الدولة. وانقسمت هذه القوة نفسها، مع انفصال بعض الفصائل المتحالفة مع رجل الدين الشيعي الكبير علي السيستاني. كما فقدت الميليشيات بعض شعبيتها في العامين الماضيين، مما أدى إلى نفور الكثيرين بعد مشاركتها في قمع وحشي لحركة الاحتجاج التي يقودها الشباب في أواخر سنة 2019 ومطلع 2020.
وكتب رانج علاء الدين، وهو زميل غير مقيم في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز “يدخل العراق مرحلة جديدة في تاريخه السياسي ليست قوات الحشد الشعبي ورعاتها الإيرانيون مؤهلين لإدارتها، وهي مرحلة قد لا تكون فيها سلطة الإكراه كافية. وتتعلم إيران عبر قوات الحشد الشعبي بالطريقة الصعبة أن القوة من خلال فوهة البندقية ليست مستدامة”.
ولم تعكس نتائج الانتخابات خسائر الأطراف المتحالفة مع إيران فقط. وقال تامر بدوي، المحلل والزميل المشارك في مركز أبحاث كاربو ومقره بون، إن هذه النتائج أظهرت أنه حتى السياسيين الذين نأوا بأنفسهم عن طهران منذ عدة سنوات، مثل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ورجل الدين عمار الحكيم، لم يكن أداؤهم جيدا.
ورأى أن “ردة الفعل العنيفة في الشارع متعددة الطبقات وهي على نطاق واسع ضد عجز أحزاب الحرس القديم عن توفير المنافع والحكم الرشيد”. وقال إن العديد من العراقيين يلومون إيران على الوضع المأساوي في بلادهم أيضا.
القوات العراقية ظلت في حالة تأهب منذ الانتخابات، حيث نزل أعضاء الميليشيات وأنصارهم إلى الشوارع، ونددوا بالعملية الانتخابية
ومن غير الواضح متى سيعلن عن النتائج النهائية للانتخابات. وتنظر لجنة الانتخابات العليا حاليا في أكثر من ألف طعن.
وظلت القوات العراقية في حالة تأهب منذ الانتخابات، حيث نزل أعضاء الميليشيات وأنصارهم إلى الشوارع، ونددوا بالعملية الانتخابية ووصفوها بأنها تزوير، وأثاروا احتمال وقوع اشتباكات. وردّد المتظاهرون هتافات مناهضة للولايات المتحدة ونددوا بمسؤولي الأمم المتحدة الذين راقبوا الانتخابات.
ويبدو أن الاحتجاجات تهدف إلى الضغط على الصدر لضمان أن تكون الميليشيات المتحالفة مع إيران جزءا من الحكومة المقبلة، بغض النظر عن عدد المقاعد التي فازت بها.
وستسعى كتلة الصدر منذ حصولها على أكبر عدد من المقاعد إلى إيجاد شركاء في الائتلاف وتسمية رئيس الوزراء.
وقال مسؤول شيعي كبير إن قادة تحالف الفتح أصيبوا بالذهول من خسارتهم الانتخابية، ويخشون “فقدان موارد مالية إذا كانوا خارج الحكومة، وهذا سيضعفهم”.
والتزم الصدر الصمت بشأن خطط مفاوضات تياره بانتظار النتائج النهائية، لكنه أعلن إغلاق مكاتب مقاتلي سرايا السلام في مختلف المحافظات، وهي خطوة رمزية تهدف على ما يبدو إلى إظهار جديته في وضع جميع الميليشيات تحت سيطرة الدولة. كما دعا إلى حوار جديد حول استمرار وجود القوات الأميركية وأدان الضربات ضد البعثات الدبلوماسية التي يعتقد أن الميليشيات الموالية لإيران نفذتها.
ويرى محللون أن التهديدات من الجماعات المرتبطة بتحالف الفتح ستستمر على الأرجح حتى تتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع الصدر.
العرب