بوعزيزي إيراني يفضح عمق الأزمة الاقتصادية

بوعزيزي إيراني يفضح عمق الأزمة الاقتصادية

تشهد إيران ارتفاعا ملحوظا لحالات الانتحار المدفوعة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحرجة وكان آخرها إقدام كهل في آخر عقده الثالث على قتل نفسه على طريقة محمد البوعزيزي الذي حرق نفسه ليكون شرارة لثورة يناير في تونس. وتعدّ هذه الحادثة جرس إنذار لحكومة رئيسي للالتفات إلى حالة الغضب والإحباط التي تسيطر على الإيرانيين تجاه النظام الحاكم وعجزه عن تحسين مستوى المعيشة.

طهران – كان روح الله بارازيده، البالغ من العمر 38 عاما، ذو الشارب الكثيف والذي بدأ شعره يشيب، في حاجة ماسة إلى وظيفة. ودخل أب الثلاثة أطفال إلى مكتب محلي في جنوب إيران تابع لمؤسسة تساعد قدامى المحاربين وعائلاتهم طالبا المساعدة.

وذكرت وسائل الإعلام المحلية أنه أخبر المسؤولين بأنه سيرمي بنفسه من السطح إذا لم يتمكنوا من مساعدته. وحاولوا تهدئته، ووعدوه بقرض صغير، لكنه غادر المكتب غير راض.

وسرعان ما عاد إلى مدخل المبنى وسكب البنزين على نفسه، قبل أن يضرم النار في جسده. وتوفي متأثرا بحروقه بعد يومين، بتاريخ الحادي والعشرين من أكتوبر الماضي.

انتحار روح الله بارازيده سلط الضوء على الغضب العام والإحباط المتزايد مع تراجع الاقتصاد الإيراني وارتفاع معدلات البطالة

صدم انتحار الرجل في مدينة ياسوج الكثيرين في إيران، وليس فقط لأنه كان ابن غول محمد بارازيده، وهو بطل إقليمي بارز في حرب البلاد مع العراق من 1980 إلى 1988 والتي خلّفت مئات الآلاف من القتلى.

ويقول ناصر كريمي في تقرير لوكالة أسوشيتد برس إن الحدث سلّط الضوء على الغضب العام والإحباط المتزايد مع تراجع الاقتصاد الإيراني وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخاصة أنه كان خارج المكتب المحلي لمؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى، وهي وكالة حكومية ثرية وقوية تساعد عائلات قتلى وجرحى ثورة 1979 الإسلامية الإيرانية وما تلاها من حروب.

وقالت مينا أحمدي الطالبة في جامعة بهشتي شمال طهران إنها صدمت عندما سمعت الخبر لأنها كانت تعتقد أن عائلات ضحايا الحرب تتمتع بدعم سخي من الحكومة.

وتثمن إيران قتلى حربها من الصراع مع العراق، المعروف في طهران باسم “الدفاع المقدس”، وتلعب مؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى دورا كبيرا في ذلك. فبعد الثورة التي أصعدت النظام الذي يسيطر عليه رجال الدين، بدأت المؤسسة في تقديم معاشات التقاعد والقروض والإسكان والتعليم وحتى بعض الوظائف الحكومية رفيعة المستوى.

وبعد حادثة الانتحار الأخيرة، طردت المؤسسة اثنين من كبار مسؤوليها الإقليميين وطالبت بإقالة مستشار المحافظ والأخصائي الاجتماعي، وانتقدت فشلهما في إرسال الرجل إلى منشأة طبية أو غيرها للمساعدة، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية.

ووصلت التداعيات إلى أعلى مستويات الحكومة. ووصف شرف الدين ملاخسيني وهو مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي القضية بأنها تحذير من أن المسؤولين يجب أن “يتخلصوا من البطالة والفقر وانقطاع الروابط الاجتماعية”.

وأطلق البرلمان في 2014 تحقيقا في أحد البنوك الرئيسية التابعة لمؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى بزعم اختلاس 5 ملايين دولار. ولم يكشف عن نتائجه حتى الآن.

ومن المعروف أن المؤسسة تقدم الدعم المالي للمنظمات الإسلامية المسلحة في المنطقة، من حزب الله في لبنان إلى حماس في غزة، مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليها في 2007 لدعمها الإرهاب.

وكان انتحار بارازيده واحدا من حالات مشابهة عديدة في السنوات الأخيرة التي يبدو أنها مدفوعة بالصعوبات الاقتصادية.

وأدت عمليات حرق النفس إلى مقتل اثنين على الأقل من المحاربين القدامى وإصابة زوجة أحد مصابي الحرب خارج فروع المؤسسة في طهران وكرمنشاه وقم في السنوات الأخيرة.

وبينما تسبب جائحة كورونا فوضى اقتصادية، زادت حالات الانتحار في إيران بأكثر من 4 في المئة، وفقا لدراسة حكومية استشهدت بها صحيفة اعتماد اليومية الإصلاحية.

ويثير هذا النوع من الانتحار بالنسبة إلى الكثيرين في الشرق الأوسط استياء أوسع نطاقا تجاه المشاكل الاقتصادية وانعدام الفرص. وهو نوع الاحتجاج الذي اعتمده البائع المتجول محمد البوعزيزي في تونس، والذي أصبح حافزا لانتفاضات الربيع العربي في 2011.

وقال رضا هاشمي وهو مدرس أدب في مدرسة ثانوية بطهران “لا أعرف إلى أين نتجه بسبب الفقر”.

وسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 بلاده من اتفاق نووي تاريخي أبرمته طهران مع القوى العالمية وأعاد فرض عقوبات على إيران، مما أدى إلى تدمير الاقتصاد المعتمد على النفط الذي تعثر بالفعل بسبب عدم الكفاءة. ثم ساهم الوباء في تفاقم اليأس الاقتصادي. حيث خسر حوالي مليون إيراني وظائفهم، وارتفعت البطالة إلى أكثر من 10 في المئة. كما ارتفع هروب رؤوس الأموال إلى 30 مليار دولار، مما أدى إلى إنفار المستثمرين الأجانب.

وتعثرت المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي في الأشهر الخمسة منذ تولي الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي السلطة، مما سمح لطهران بالمضي قدما في برنامجها النووي. وأعلن الاتحاد الأوروبي الأربعاء أن المحادثات بين القوى العالمية وإيران بشأن إحياء الاتفاق ستُستأنف في التاسع والعشرين من نوفمبر في فيينا. وأثار

الإعلان آمالا متواضعة في أن تتمكن إدارة بايدن من إحياء الاتفاق.

وقال محمد قاسم عثماني وهو مسؤول في هيئة رقابية حكومية إنه “يستحيل إخفاء استياء الشعب من الاقتصاد. ويبقى هيكل البلد معيبا ومريضا. ونحن بحاجة إلى ثورة اقتصادية”.

الفقر المدقع يتجاوز مجرد النسب والأرقام حيث أصبح جزءا مرئيا من الحياة اليومية في المدن الإيرانية

وتراجع الريال الإيراني إلى أقل من 50 في المئة من قيمته منذ 2018، ولم ترتفع الأجور لتعويض الخسارة. وذكرت وزارة العمل أن أكثر من ثلث السكان يعيشون في فقر مدقع.

وقال النائب حميد رضا حاجبابائي خلال مناظرة تلفزيونية الأسبوع الماضي إن حوالي 40 مليون شخص في البلاد بحاجة إلى مساعدة فورية. ويشكّل العدد ما يقرب من نصف السكان.

ويتجاوز الفقر المدقع مجرد النسب والأرقام، حيث أصبح جزءا مرئيا من الحياة اليومية. وشوهد المزيد من المواطنين في شوارع طهران يبحثون في القمامة عن شيء يمكن بيعه. ويبيع الأطفال الحلي والمناديل. ويطلب المتسولون الريالات في معظم التقاطعات، وهو مشهد كان نادرا قبل عقد.

وتصاعدت السرقات رغم نظام العقاب القاسي. ففي الأسبوع الماضي حكمت محكمة بطهران على أب يبلغ من العمر 45 عاما بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاثة وعشرة أشهر، و40 جلدة بعد ضبط بضع علب من الفول السوداني في جيبه.

واعتبر اللواء علي رضا لطفي، وهو رئيس المباحث في طهران، حالة الاقتصاد سببا في تصاعد الجريمة، مشيرا إلى أن أكثر من نصف جميع المحتجزين العام الماضي كانوا قد التجأوا للجريمة لأول مرة.

ويجب على رئيسي التعامل مع الضغوط الاقتصادية. فكثيرا ما كرر وعود حملته بخلق مليون فرصة عمل من خلال مشاريع البناء والسياحة، لكن أمل العديد من العمال ذوي الأجور المنخفضة، الذين يتحملون وطأة الأزمة الإيرانية، منعدم.

ويذكر أنه في الشهر الماضي، في حادثة أخرى جذبت اهتماما كبيرا، شنق مدرس يبلغ من العمر 32 عاما نفسه في مدينة غراش الجنوبية بعد أن رفض أحد البنوك طلبه للحصول على قرض بقيمة 200 دولار.

العرب