لندن – يبدو أن زعماء العالم والمتخصصين في الطاقة لديهم كثير من الأمور التي تتسم بالتشاؤم ليرددونها بشأن آفاق العمل الهادف خلال القمة العالمية للمناخ التي انطلقت في مدينة غلاسكو باسكتلندا الأحد الماضي. ولكن مهما كانت الأحداث التي تجري عبر ضفتي الأطلسي، هناك ثلاثة أسباب، على الأقل، تدعو إلى التفاؤل بشأن التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري.
وأوضحت دراسات أعدتها شركة لازارد ليمتد للاستشارات والخدمات المالية وإدارة الأصول والاستثمار المصرفي، أن هذه الأسباب تتمثل في استمرار انخفاض أسعار الطاقة المتجددة، وتحسن خيارات التخزين، كما يبشر النيتروجين بالكثير في مجموعة كبيرة من التطبيقات، بحسب تحليل لوكالة بلومبرغ للأنباء من إعداد بيتر أورساج الرئيس التنفيذي للاستشارات المالية في لازارد، وجورج بيليسيتش نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس العالمي بالشركة.
ورغم ذلك، تشير هذه الدراسات إلى مخاطر، خاصة أن القيود التي تواجه الإمدادات والتي تؤثر على أجزاء واسعة من الاقتصاد، ربما تشكل ضغوطا تصاعدية على تكاليف الطاقة المتجددة خلال السنوات القليلة المقبلة، إضافة إلى الانخفاض الملحوظ في تكاليف الطاقة المتجددة خلال الأعوام الـ15 الماضية.
تطور تكنولوجيا صناعة البطاريات أمر محمود في ظل الحاجة إلى تخزين الطاقة من المصادر المتجددة لاستخدامها وقت الضرورة
وتظهر دراسات لازارد، على سبيل المثال، أن تكاليف الطاقة الشمسية تراجعت على مستوى مرافق التوليد بنسبة 90 في المئة وكذلك تكاليف إنتاج طاقة الرياح على اليابسة بنسبة 70 في المئة في الفترة بين عامي 2009 و2021. ويثير هذا الانخفاض المذهل الأمل في التحول بعيدا عن الطاقة التي يتم إنتاجها باستخدام الفحم والغاز الطبيعي.
ولا تزال هناك أسباب تدعو إلى القلق بشأن ما إذا كانت هذه التكاليف ستواصل الانخفاض. وبالنسبة إلى المشروعات التي تم تسعيرها في عام 2021، يبدو أن التكاليف تتزايد بسبب تعطل سلاسل التوريد، والزيادة الكبيرة في تكاليف السلع الأساسية والعمالة، والطلب المتزايد على قدرات توليد الطاقة.
وربما كان للغموض الذي يكتنف التشريع الخاص بالطاقة النظيفة في الولايات المتحدة، ومواقع أخرى، تأثير سلبي على تطوير المشروعات وتنفيذها، وهو ما يزيد من التكاليف، وهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى تباطؤ في التحول عن استخدام الكربون، ولكن من المرجح أن تتراجع التكاليف حال حدوث انفراجة في أزمة سلاسل التوريد.
ويشير التحليل إلى تطور تكنولوجيا صناعة البطاريات، كأمر محمود في ظل الحاجة إلى تخزين الطاقة من المصادر المتجددة، لاستخدامها وقت الضرورة.
ولكن القيود على التوريد تسبب مشكلات في هذا الصدد، حيث صار توفر بطاريات إيون الليثيوم يشكل مصدر قلق على نحو خاص. ومن شأن ذلك أن يدفع بقوة باتجاه اللجوء إلى الطاقة النووية التي تقدم بديلا نظيفا للطاقة خاليا من الكربون ويمكن الاعتماد عليه بقوة.
ويشير أورساج وبيليسيتش إلى الهيدروجين كوقود محتمل آخر، وواعد، ويقولان إن توليد الكهرباء باستخدام مزيج من غاز الهيدروجين والغاز الطبيعي أمر له جدواه من الناحية التقنية، ولكن التكاليف باهظة بشكل لا يسمح بالمنافسة مع البدائل الأخرى. ومع ذلك، قد يصبح من الممكن قريبا، من الناحية الاقتصادية، استخدام الهيدروجين كجزء من مزيج وقود.
وربما يصبح إنتاج الهيدروجين منافسا من ناحية التكلفة بفضل استخدام تكنولوجيات حديثة. ومن المعروف أن توظيف الهيدروجين الذي يتم إنتاجه بالطريقة المعروفة اليوم لإنتاج كميات كبيرة من الطاقة، من شأنه أن يكلف أضعاف تكاليف الغاز الطبيعي لنفس الغرض. ولكن احتمال انخفاض التكاليف الرأسمالية، بطريقة مماثلة لانخفاض تكاليف الطاقة الشمسية خلال الأعوام الـ15 الماضية، قد يجعل من الهيدروجين الأخضر منافسا في المستقبل المنظور، خاصة حال وجود إعانة دعم.
ويرى المسؤولان في لازارد ليمتد أن صناع السياسات المجتمعين في غلاسكو ربما يساعدون في إعطاء دفعة لعملية التحول في مجال الطاقة عبر طرق عدة: أولا: هم يستطيعون توفير نفقات لإجراء أبحاث، وكذلك لتقديم دعم تجاري لتكنولوجيا تخزين الطاقة التي تعد ذات أهمية كبيرة للتوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، ولتطوير السيارات الكهربائية.
القيود التي تواجه الإمدادات والتي تؤثر على أجزاء واسعة من الاقتصاد تشكل ضغوطا تصاعدية على تكاليف الطاقة المتجددة
ثانيا، يمكنهم اتخاذ إجراءات مماثلة في ما يتعلق بالهيدروجين، بالنظر إلى تطبيقاته التي لا تحصى، وفوائد التخلي عن الكربون. ثالثا، يمكن كذلك تخفيف القيود المتعلقة بمكافحة الاحتكار من أجل تعزيز هذا المجال في الحالات التي من شأنها دعم تطوير مشروعات معقدة في مجال الطاقة المتجددة مثل تلك المتعلقة بالهيدروجين وتخزين الطاقة. رابعا، يمكن للمشاركين في قمة المناخ اتخاذ خطوات للحد من القيود على الإمدادات، حيث أنها تؤدي إلى تباطؤ وتيرة الانخفاض في تكاليف الطاقة المتجددة، واستيعاب تخزين أيون الليثيوم.
ويخلص أورساج وليبيسيتش في ختام تحليلهما أن الصورة الكلية التي ترسمها دراسات لازارد هي أن الابتكار يمكن أن يؤدي إلى استمرار الانخفاض في تكاليف بدائل الكربون. وإذا ما كان من الممكن حدوث انخفاض في تكاليف الطاقة خلال الأعوام الـ15 المقبلة، كما حدث في الأعوام الـ15 الماضية، في مجال إنتاج الهيدروجين وتخزين الطاقة، سيكون من السهل أن تصبح مهمة الجهود العالمية في مجال الحد من الانبعاثات الكربونية سهلة إلى حد كبير.
وبالنسبة إلى عدد كبير من الناشطين، فإن ما ينقص لمواجهة تداعيات المناخ هو العمل السياسي الملموس.
فقد انضمّت العشرات من الدول هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تعهّدهما خفض انبعاثات الميثان، في مبادرة قد يكون لها تأثير قوي في المدى القصير على الاحترار المناخي لكوكب الأرض، بحسب خبراء.
إلا أن خلافات دبلوماسية كثيرة وغياب قادة دول ملوّثة على غرار الصين وروسيا عن قمّة غلاسكو، كشفا على ما يبدو إلى أي مدى لا تزال المفاوضات ضعيفة.
العرب