لقاء أردوغان بايدن.. تفاؤل حذر جدا

لقاء أردوغان بايدن.. تفاؤل حذر جدا

بعد تأجيل واحتمالات إرجاء، عُقد أخيرا اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن على هامش قمة روما، وهو اللقاء الذي عوّلت عليه أنقرة لبحث ملفات خلافية، ونُظر له كمؤشر على المسار المستقبلي للعلاقات بين البلدين.

مقدمات سلبية
كان هذا اللقاء الثاني فقط الذي جمع بين رئيسي البلدين منذ انتخاب بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، وهو أحد مؤشرات توتر العلاقات مؤخرا بين البلدين في عهده، لا سيما وأن بايدن ضمّن حملته الانتخابية تصريحات سلبية تجاه أردوغان وتركيا، وافتتح رئاسته بعقوبات والتلويح بأخرى ضدها.

وقد سبق اللقاء مؤشرات أكدت على هذا المعنى، منها عدم التقاء الرئيسين على هامش مشاركة أردوغان في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الفائت، وتصريحات أردوغان بعدها بأن مسار العلاقات مع واشنطن في عهد بايدن “لا يبشر بخير” بعكس العلاقات مع إدارات سابقة، وانتقاد بايدن العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا من باب أنها تقوّض جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ورد وزير الخارجية التركي الحاد عليه.

ومن المقدمات غير المشجعة كذلك عدم اليقين بعقد اللقاء منذ البداية، فقد تقاطعت تصريحات تركية وأميركية بشأن “العمل على عقد اللقاء” على هامش قمة روما دون تأكيده، واحتمالية تأجيل اللقاء لقمة غلاسكو بخصوص المناخ، بل إعلان الطرف التركي عن ذلك قبل أن تعود مصادر أميركية لتؤكد عقده في روما. ومن هذه المقدمات، أخيرا، تحديد مدة اللقاء بـ20 دقيقة فقط، وهي مساحة زمنية شبه بروتوكولية لا تشي بإمكانية نقاش الملفات الخلافية بجدية وعمق، فضلاً عن التوصل لحلول ممكنة أو اتفاقات ما بخصوصها، علما بأن اللقاء امتد -على خلاف ما خطط له- على أكثر من ساعة.

المخرجات
استغراق اللقاء أكثر من ساعة، أي ثلاثة أضعاف ما كان مرتبا له، كان أمرا متوقعا من جهة، ويعبر عن عديد الملفات الخلافية الشائكة بين الجانبين من جهة ثانية، ويشير إلى أنه لم يكن لقاءً بروتوكوليا ولكن تطرق إلى بعض الملفات بشيء من التفصيل من جهة ثالثة.

وقد انعكس ذلك على تصريحات الجانبين التي وصفت اللقاء بـ”الإيجابي”، وإن كان كل منهما قد ركز كذلك على الملفات الخلافية من زاويته، كمنظومة “إس-400” وملف الحقوق والحريات في تركيا من جهة واشنطن، وكذلك الملف السوري ودعم الأخيرة لقوات سوريا الديمقراطية من جهة أنقرة.

على المدى البعيد، ستبقى العلاقات التركية الأميركية على حالها، قائمة على أرضية من عدم الثقة، وتتضمن عددا لا بأس به من الملفات العالقة الناتجة عن رؤى ومواقف متناقضة للبلدين، وبالتالي متذبذبة في عمومها بين التوتر والانفراج، لكن أيضا ببُنية ومصالح ومسارات لا تترك لأحدهما رفاهية تجاهل الآخر.

كما أن التصريحات التي تلت اللقاء تحيل إلى قضايا قد تم بحثها بالفعل، وفي مقدمتها اثنتان. الأولى مقاتلات إف-35 التي أخرجت الولاياتُ المتحدة تركيا من مشروعها بشكل نهائي. ورغم أن الأخيرة قد طلبت إعادتها للمشروع ضمن الخيارات المطروحة على الولايات المتحدة في آخر اجتماع ثنائي بهذا الخصوص، فإنها سلّمت مؤخرا فيما يبدو بالنتيجة بحيث تركز في تفاوضها مع واشنطن على استثمارها في المشروع والمقدر بمليار و400 ألف دولار أميركي وكيفية استعادته أو استخدامه.

وفي هذا الإطار، عبّر الرئيس التركي أكثر من مرة عن رغبة بلاده في شراء مقاتلات إف-16 من الولايات المتحدة، إضافة لتحديث طاقمها الموجود حاليا من النوع نفسه، وقال إن الولايات المتحدة قد قدمت عرضا لبلاده بهذا الخصوص.

بعد اللقاء، قال أردوغان إنه لمس تجاوبا من نظيره الأميركي بهذا الخصوص، مشيرا إلى أنه طلب اهتمامه بالأمر واستخدام “ثقله في الكونغرس” لتمريره. ولعل مما يعزز هذا المسار أن بيان البيت الأبيض بخصوص اللقاء قد تضمن إشارة واضحة لـ”الشراكة الدفاعية” بين البلدين، وهو مصطلح يحيل على العلاقة التقليدية بين الجانبين داخل حلف الناتو، لكنه -بالنظر للسياق- يشير أيضا إلى مقاتلات إف-16 التي تريدها تركيا، ولم تتحدث عنها واشنطن سلبا أو إيجابا، تأكيدا أو نفيا حتى لحظة كتابة هذه السطور.

والقضية الرئيسية الثانية هي حديث الرئيس التركي عن “آلية مشتركة” اتفق عليها الجانبان للتواصل والحوار وإدارة الخلافات، مركزا على أن اللقاءات والتواصل بين وزارتي الدفاع والخارجية لدى البلدين ستزداد مستقبلا، كما شملت تفسيراتٌ أخرى للآلية المجالاتِ الاقتصاديةَ والمالية.

ورغم أن للبلدين تجارب سابقة بالاتفاق على آليات ثنائية ومشتركة للحوار وحل الخلافات، لا سيما في الموضوع السوري، فإنها لم تصل لنتائج ملموسة بخصوص الملفات العالقة بينهما، ورغم أن الإعلان عن الآلية أتى من الجانب التركي حصرا بعد اللقاء مباشرة، فإن الاتفاق على ذلك يعني أن قنوات التواصل ستكون مفتوحة بين الجانبين، مما يقلل من احتمالات التأزم والتوتر في المدى المنظور، لا سيما مع تراجع حدة التصريحات التركية بخصوص الولايات المتحدة.

ومن البديهي أن الجانبين قد ناقشا خلال اللقاء إضافة للعلاقات البينية قضايا إقليمية عديدة، في مقدمتها سوريا وليبيا وأفغانستان والقوقاز، في حين تناقضت تصريحات الطرفين بخصوص ملف شرق المتوسط الذي ورد في بيان البيت الأبيض، بخلاف المصادر التركية التي نفت التطرق له، مؤكدة أنه “ليس على أجندة الرئيس بايدن”.

مسارات المستقبل
في المجمل، يمكن القول إن اللقاء الذي جمع الرئيسين على هامش قمة العشرين في روما، قد كسر جليد العلاقات إلى حد ما، وخصوصا أنه أتى مباشرة بعد أزمة كبيرة محتملة بين الجانبين على أثر البيان الذي أصدره 10 سفراء غربيين في مقدمتهم السفير الأميركي في أنقرة بخصوص محاكمة رجل الأعمال التركي عثمان كافالا، وتهديد أردوغان بطردهم من بلاده.

ويمكن القول إن هناك ما يمكن أن يُبنى عليه في العلاقات بين الجانبين، لا سيما في ما يتعلق بـ”الشراكة الدفاعية” أي صفقة مقاتلات إف-16 محتملة لا يبدو أن هناك “فيتو” من الإدارة الأميركية بخصوصها حتى اللحظة. خصوصا وأن العقبة الرئيسية أمام علاقات البلدين في المرحلة الحالية تتعلق بملف التسلح والصناعات الدفاعية، وكذلك تلميحات أردوغان المتكررة إلى أن بلاده ستسعى للحصول على السلاح الذي تحتاجه من الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين أو من أي طرف آخر -خصوصا روسيا- إن رفضوا.

في المقابل، ستكون العملية العسكرية التي تلوّح بها أنقرة في الشمال السوري ضد قوات سوريا الديمقراطية لإبعاد مسلحيها عن حدود نحو عمق 30 كلم (وهو مضمون تفاهماتها مع روسيا والولايات المتحدة بعد عملية درع الربيع) محكّا مهمًا وصعبا للعلاقات. بدا الرئيس التركي واثقا نوعا ما حين أشار إلى أن دعم الولايات المتحدة للمجموعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني “لن يستمر على الشاكلة ذاتها”، وهو ما يطرح احتمال أن يكون قد تطرق للعملية خلال حديثه مع بايدن و/أو توصل معه إلى اتفاق ما بخصوصها أو بخصوص قوات سوريا الديمقراطية. لكن الموقف الأميركي الحقيقي سيتضح سياسيا وميدانيا حين تطلق أنقرة عمليتها، إن فعلت.

أما على المدى البعيد، فستبقى العلاقات التركية الأميركية على حالها، قائمة على أرضية من عدم الثقة، وتتضمن عددا لا بأس به من الملفات العالقة الناتجة عن رؤى ومواقف متناقضة للبلدين، وبالتالي متذبذبة في عمومها بين التوتر والانفراج، لكن أيضا ببُنية ومصالح ومسارات لا تترك لأحدهما رفاهية تجاهل الآخر.

كما ستبقى أنقرة على مسارها الساعي لاستقلالية نسبية، والتوازن قدر الإمكان في السياسة الخارجية بين كل من روسيا والولايات المتحدة، وهي الرؤية التي أثبتت السنوات القليلة الأخيرة ضرورتها لتركيا من جهة، وصعوبتها وكلفتها عليها من جهة أخرى.

كما يُعدُّ اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا المقررة منتصف 2023 عاملا محفزا للتوتر والأزمات بين الجانبين، إذ دخلت واشنطن مؤخرا بشكل واضح على خط الشأن الداخلي التركي عبر بيان السفراء المشار إليه، وكذلك حديث بيان البيت الأبيض عن “أهمية المؤسسات الديمقراطية القوية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون من أجل السلام والازدهار”، فيما يشبه تأكيدا على تصريحات بايدن حول أردوغان وتركيا خلال حملته الانتخابية.

وهذا الأمر يعني أن مسار العلاقات بين الجانبين سيكون ملغوما مستقبلاً ليس فقط في القضايا الإقليمية والملفات الخلافية العالقة، ولكن أيضا في الشأن الداخلي التركي، مما يعني احتمال العودة للتوتر في أي محك مستقبلي قادم.

الجزيرة