القاهرة – منح انتشار الصراعات والنزاعات والحروب في المنطقة العربية دورا مميزا لأجهزة المخابرات بفروعها المختلفة في غالبية الدول العربية، وإن كان بعض المراقبين يرون أن هذا الدور قد يكون على حساب الوزارات التقليدية ومستشاري القادة السياسيين.
وعزز مؤتمر استثنائي عقد في القاهرة قبل أيام لرؤساء أجهزة مخابرات عربية هذا الدور؛ فقد بحثوا الكثير من الملفات الحيوية، في مقدمتها مستجدات الأوضاع في أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان والمخاطر التي يمكن أن تتمخض عن جذب المزيد من العناصر المتطرفة إليها ثم إعادة تصديرها إلى الدول العربية.
ولعل الغائبيْن الحاضرين في هذا الاجتماع هما رئيسا كل من المخابرات التركية ونظيرتها الإيرانية، ويعتبران من أهم اللاعبين في المنطقة، في وقت ينكمش فيه دور اللاعب القديم (الموساد) كي تتفرغ المخابرات الإسرائيلية لمهمة رصد إيران ومتابعة أنشطتها.
وكشفت مصادر أمنية عن وجود ما يشبه وزارات خارجية مصغرة داخل أجهزة مخابرات عربية تعمل بالتوازي مع البعثات الدبلوماسية، مهمتها أبعد من التقديرات الأمنية المعروفة، حيث تضع تقديرات سياسية لقضايا معينة ترفعها إلى صنّاع القرار.
وأكدت هذه المصادر لـ”العرب” أن هناك تقسيمات إدارية داخل أجهزة مخابرات عربية، كل منها ينصب تركيزه السياسي على إقليم أو منطقة محددة وتتبُّع تطوراتها بدقة، ما أعاق دور وزارات الخارجية وأسهم أحيانا في إنقاذها من السقوط في بعض المطبات.
وقد أدت الصراعات المتشابكة في المنطقة إلى تضخم الدور السياسي لأجهزة المخابرات التي لم تعد إدارتها مقتصرة على البعد الأمني، فهناك هندسة سياسية دقيقة تتم بالتوازي مع ذلك من خلال ما يسمى باللجان الأمنية المنتشرة في الكثير من أجهزة المخابرات العربية، والتي لا تغيب عن أي لقاء دبلوماسي تقريبا.
لكن هذا التضخم قد يفضي إلى تضارب في التقديرات السياسية ويربك صناع القرار، ما لم يكن هناك تعاون كاف بين المستويين المخابراتي والدبلوماسي.
ووجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كلمة عبر الفيديو كونفرانس لرؤساء أجهزة المنتدى العربي الاستخباري في إطار أعمال الاجتماع الاستثنائي للمنتدى الذي عقد في القاهرة، أكد فيها أنه “محفل فريد من نوعه في المنطقة يعـزز التعاون العربي المشـترك في المجالات الأمنية والمعلوماتية”.
وجاء لقاء القاهرة تجسيدا لمبادرات أطلقها أعضاء المنتدى خلال الفترة الماضية للعمل الأمني المشترك وتبادل التقييمات حول مصادر التهديدات المحيطة بالمنطقة العربية.
وشدد رؤساء أجهزة المخابرات العربية الحاضرون على أهمية المنتدى “كآلية قوية وداعمة للتعاون الاستخباري الوثيق بين الدول العربية”.
وجود ما يشبه وزارات خارجية مصغرة داخل أجهزة مخابرات عربية
وقال اللواء هشام الحلبي المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة إن “التقارب الأمني بين أجهزة المخابرات العربية نقطة مهمة وفاصلة في مكافحة الإرهاب والتطرف العابر للحدود في الوقت الراهن”.
وأوضح لـ”العرب” أن “أكثر ما يهدد المنطقة العربية توحش الجماعات الإرهابية التي اعتادت تغيير مسمياتها وتتحرك من مكان إلى آخر سريعا، ما يتطلب تعظيم دور التعاون المخابراتي على مستوى تبادل المعلومات لتضييق الخناق عليها وشل حركتها”.
وأشار الحلبي إلى أن “حماية الدول العربية من أي مؤامرات لن تكون أزمة في ظل الاهتمام البالغ بالتبادل المعلوماتي الذي يستطيع اختراق الخطط التخريبية مهما كان أصحابها يستخدمون وسائل اتصال حديثة، لذلك فالتنسيق المخابراتي حماية للجميع”.
وينصب اهتمام رؤساء أجهزة المخابرات على التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي، ومنها مخططات التفكيك والتقسيم على أسس عرقية وطائفية، وإضعاف الدولة الوطنية، وتزايد التدخلات الخارجية في أزمات المنطقة.
وتستطيع أجهزة المخابرات أن تتعامل مع هذه القضايا المعقدة بطرق مختلفة، ولا تصلح معها الطريق الدبلوماسية المعتادة، حيث تتطلب قدرا عاليا من التعاون والتنسيق في سرية تامة يمكّنها من وضع خيارات مختلفة للتعامل معها.
وجاءت هذه العلاقة المتنامية بين الدول العربية من واقع ما تفرضه المصالح الحيوية التي يستفيد منها الجميع، لكن تظل مشكلتها كامنة في خلل التدفق المعلوماتي بين دول تملك أجهزة عريقة وأخرى تفتقر إلى الخبرة، ما يفقد التدفق جزءا من توازنه المطلوب.
وذكر اللواء يحيى كدواني وكيل جهاز المخابرات المصرية الأسبق، ووكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن “دور أجهزة المخابرات العربية يتجاوز في أهميته التحركات السياسية، ففي أوقات الصراعات والمؤامرات يصعب أن تواجه الدول محاولات استهدافها دون امتلاك سلاح معلومات قوي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “التنسيق بين المخابرات العربية على المستوى المعلوماتي يجعلها قادرة على إفشال المؤامرات التي قد يكون مصدر التخطيط لها في تركيا أو إيران، بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر جماعات وتيارات موالية لهما”.
ولفت كدواني إلى أن النجاح في التصدي لحروب الجيل الرابع والخامس يتطلب امتلاك البيانات الموثقة، وعندما تتعاون الدول العربية معلوماتيا سيصبح من الصعب للغاية على أي جهة تمرير أجنداتها، واصفا التحالف المخابراتي العربي بـ”الضربة القاضية الاستباقية ضد الغزوات المتوقعة لضرب الاستقرار في أكثر من بلد عربي”.
وتكمن مشكلة هذا النوع من التعاون في أنه لن يصل إلى مستوى مرتفع من التنسيق، حيث نجحت بعض أجهزة المخابرات الأجنبية في اختراق مخابرات دول عربية تربطها بها علاقات وثيقة، ما يجعل التبادل المعلوماتي محدودا بسقف معين.
وبحث المنتدى منذ اللقاء الأول له في فبراير من العام الماضي تنسيق جهود الأجهزة الاستخبارية العربية لتبادل وتكامل الخبرات، وتوحيد الرؤى وتطوير آليات مكافحة الإرهاب والحد من ممارسات الدول التي توفر أغطية شرعية لتمويل الإرهاب ودعمه.
العرب