واشنطن – انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” منذ العام 1952، لكنها بعد عقود لم تعد منضبطة للاستراتيجيات الدفاعية المشتركة للحلف، حيث تسبب شراؤها لمنظومة الدفاع الجوي إس – 400 من روسيا في انزعاج غربي واضح كانت له تبعات في علاقاتها لاسيما مع الولايات المتحدة.
ورغم ذلك أشاد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في السادس من أكتوبر الماضي بتركيا ووصفها بأنها “حليف مهم قام بدور مهم في هزيمة داعش”. لكن الكاتب السياسي التركي البارز بوراك بيكديل، في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي يقول إن هذه التلميحات غير صحيحة على الإطلاق، فقد أصبحت تركيا “حليفا روسيا مهما”، وليست حليفا للناتو، وحلفاؤها غير النظاميين من الميليشيات في سوريا هم من فلول تنظيم داعش.
ويضيف المحلل التركي أنه على غرار عاشق مرفوض شعر بالإهانة الشديدة لرفض الرئيس جو بايدن مقابلته على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر في نيويورك، هرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مدينة سوتشي الروسية في التاسع والعشرين من سبتمبر لحضور لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي طريق عودته من نيويورك قال أردوغان للصحافيين “إن المؤشرات ليست جيدة في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة”.
وفى مقابلة مع برنامج ”واجه الأمة” الذي تبثه شبكة “سي.بي.إس” قال أردوغان إن رفض الولايات المتحدة تسليم طائرات مقاتلة من طراز إف – 35 وافقت تركيا على شرائها وصواريخ باتريوت التي ترغب في الحصول عليها، لم يعط تركيا خيارا سوى اللجوء إلى روسيا للحصول على نظامها الصاروخي المضاد للطائرات إس – 400.
وتابع: في المستقبل، لن يتمكن أحد من التدخل في ما يتعلق بنوع الأنظمة الدفاعية التي نحصل عليها، ومن أي بلد على أي مستوى. لا أحد يستطيع التدخل في ذلك. نحن الوحيدون الذين نتخذ مثل هذه القرارات.
ويعد هذا النزاع نقطة خلاف بين تركيا وحلف شمال الأطلسي خلال إدارتي دونالد ترامب وبايدن. وتخطط تركيا لشراء دفعة ثانية من منظومة إس – 400 من روسيا، كما ستطالب الولايات المتحدة بدفع 1.4 مليار دولار مقابل طائرات إف – 35 التي لم تحصل عليها تركيا بعد طردها من الكونسورتيوم متعدد الجنسيات الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يتولى إنتاج الطائرة.
ويقول بيكديل إن المخاطر الآن أكبر، حيث يقامر أردوغان باستخدام ورقة روسيا لتجنب المزيد من العقوبات الأميركية في محاولته للحصول على دفعة جديدة من منظومة إس – 400.
وفي الوقت نفسه قال مكتب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي روبرت مينينديز إن العقوبات يفرضها القانون على “أي كيان يقوم بأعمال تجارية كبيرة مع القطاعين العسكري والاستخباراتي الروسي”.
وكتبت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على تويتر “أي مشتريات جديدة من جانب تركيا يجب أن تعني فرض عقوبات جديدة”، في إشارة إلى قرار الولايات المتحدة في ديسمبر 2020 بفرض عقوبات على تركيا لحيازتها منظومة الدفاع الروسي.
وفي سوتشي التقى أردوغان ببوتين بحضور مترجمين شفويين فقط دون وفد رسمي، متحدين العرف الدبلوماسي. ووصف الرئيسان الاجتماع بأنه “مفيد” بينما كانا يبتسمان للكاميرات.
وقال أردوغان إن تركيا وروسيا اتفقتا على التعاون في مجال التكنولوجيات الدفاعية المهمة بما فيها الطائرات والمحركات والغواصات والفضاء. وبالإضافة إلى ذلك، ستناقش أنقرة وموسكو الخبرة الفنية الروسية وبناء محطتين نوويتين أخريين للطاقة لتركيا، بالإضافة إلى مفاعل نووي بقيمة 10 مليارات دولار يجري بناؤه بالفعل على الساحل التركي بالبحر المتوسط.
ومن شأن كل هذا التخطيط الاستراتيجي أن يزيد من اعتماد تركيا، حليفة الناتو على روسيا، التي تعد أيضا أكبر مورد للغاز الطبيعي لتركيا.
وقال يوجين كوجان المحلل في شؤون الدفاع والأمن ومقره تبليسي، في جورجيا لمعهد جيتستون إن “تحول تركيا عن الغرب بشكل عام مستمر دون انقطاع”.
وأضاف أن بوتين وإدارته يدركان جيدا نقاط الضعف في تركيا فالاقتصاد يذهب من سيء إلى أسوأ، والجائحة غير خاضعة للسيطرة، وأسعار الغاز في ازدياد ولكن روسيا مستعدة لتقديم خصم ودي لتركيا، وتواجه عمليات الاستحواذ العسكرية مجلس شيوخ أميركي يتسم بالعداء.
وكتب أيكان أردمير، وهو عضو سابق في البرلمان التركي ويقيم الآن في واشنطن العاصمة، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الكاتب، أن موقف أردوغان بمثابة جرس للاستيقاظ لمسؤولي إدارة بايدن.
وكتب إردمير “ينبغي أن تكون تصريحات أردوغان حول شراء دفعة ثانية من منظومة الدفاع الجوي إس – 400 من روسيا بمثابة جرس تحذير لمسؤولي إدارة بايدن، الذين أشاروا إلى تركيا على أنها شريك لا يقدر بثمن وحليف مهم للناتو الشهر الماضي”.
وأضاف أن إصرار أردوغان على دفعة ثانية من منظومة الدفاع الروسية يعكس الإفلات من العقاب الذي يشعر به الرئيس التركي منذ أن عرض في يونيو مساعدة إدارة بايدن أثناء وبعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
وقال إن إفلات أردوغان من العقاب ينبع أيضا من التأخير الذي فرض به ترامب عقوبات على أنقرة خلال الشهر الأخير من رئاسته فقط بعد ضغوط الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتفضيله فرض عقوبات أخف نسبيا فشلت في توفير أي ردع ذي مغزى.
ورجح إردمير أن الرئيس التركي سيواصل لعب دور المفسد داخل حلف شمال الأطلسي وتوفير المزيد من الفرص لبوتين لتقويض الحلف عبر الأطلسي وقيمه، ونظرا لأن اعتماد إدارة بايدن على حكومة أردوغان في أفغانستان يقيد بشدة قدرة واشنطن على صد تجاوزات أنقرة، فمن الضروري اتخاذ إجراء من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس لإعادة بناء الردع الأميركي وردع الناتو ضد التحديات التي يفرضها الرئيسان التركي والروسي.
ويقول المحلل التركي إن أردوغان يحاول أن يجعل من تركيا مثالا فريدا على التناقض السياسي كحليف “لا يقدر بثمن” للناتو وكذلك كحليف استراتيجي وعسكري عميق مع روسيا.
العرب