جاء إعلان(علي باقري كني) نائب وزير الخارجية الإيرانية وبعد لقائه مع مفاوض الاتحاد الأوربي(اتركي مورا) عن استعداد إيران وموافقتها على استئناف المفاوضات النووية في جولتها السابعة بالعاصمة النمساوية فيينا يوم التاسع والعشرين من تشرين ثاني ٢٠٢١، ليعطي دلالة واضحة عن سعي النظام الإيراني لمواجهة التأثيرات الاقتصادية التي أحدثتها العقوبات الأمريكية والدفع باتجاه الحفاظ على ما تبقى من المنظومة الاقتصادية وخشية تعاظم الأزمات الاجتماعية والمالية المحيطة بالبلاد والتي بدأت آثارها واضحة على الشعوب الإيرانية من خلال التظاهرات التي تسود بعض المدن الإيرانية مطالبة بحلول جذرية لإنهاء الوضع المأساوي الذي تعانيه منذ سنوات عديدة .
ولكي يظهر النظام أمكانياته وقوته ارسل خطابا للداخل الإيراني أنه سيطالب الإدارة الأمريكية بضمانات بعدم تخليها عن الاتفاق المشترك عام ٢٠١٥ في حال نجحت المفاوضات القادمة مع عدم تجزئة رفع العقوبات ورفعها كاملة لأن ذلك سيؤدي إلى طريق مسدود، وأكد هذا الموقف تصريح (سعيد قطب زادة) المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بتاريخ الثامن من تشرين ثاني ٢٠٢١ بقوله(ان طهران لن تتراجع عن خطوات الالتزام بالاتفاق النووي قبل رفع العقوبات دفعة واحدة وأنها سوف لا تناقش أي قضايا إقليمية وان شؤون المنطقة تبحث مع دولها) ،وهذا ما يتعارض مع الشروط الأمريكية التي تطالب بمناقشة برنامج الأسلحة الباليستية والتمدد والنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وزيادة نسبة اليورانيوم المخصب، وهذا ما يراه النظام الإيراني أنه يتعلق بامنه القومي والوطني ويرفض النقاش فيه .
يبقى الاختلاف قائما حيث انتهت الجولة السادسة في نيسان ٢٠٢١ بعد رفض إيران للشروط الأمريكية ولهذا كان الموقف الدولي والأوروبي واضحا من استئناف المفاوضات عندما أشار(ميخائيل اوليانوف) مندوب روسيا في المنظمات الدولية بفيينا موجها كلامه للايرانيين(عودوا الى النقطة التي وصلت إليها الجولات الست ونقطة أول السطر ) وهي اشارة ميدانية بدلالة عميقة على الاستياء الدولي من سياسة التعنت والمماطلة التي يبديها النظام الإيراني والأهداف التي يسعها إليها والتي بدأت واضحة بكسبه للوقت في دعم توجه لزيادة تخصيب اليورانيوم وتوسيع دائرة دعوته لتخفيف العقوبات والمطالبة بإطلاق مبلغ ١٠ مليار دولار من الأموال المجمدة والسماح بتصدير النفط للحفاظ على السيولة النقدية والنجاة من الانهيار الاقتصادي في سعيه لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في أي حوار قادم ليتمكن من إثبات قدرته وانه يمثل قوة إقليمية في المنطقة ، وهذا مالا تسمح به الإدارة الأمريكية إلا إذا شعرت أن النظام الإيراني جاد في التزامه الحرفي ببنود اتفاق العمل المشترك الموقع عام ٢٠١٥ بالحد من عمليات تخصيب اليورانيوم والموافقة على جميع الشروط المتعلقة بالسياسية الإيرانية في المنطقة .
تهدف إيران بعودتها للمفاوضات إلى تثبيت ركائز جديدة في تحديد مستقبل علاقتها الدولية وتأسيس علاقة جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكسر العزلة الدولية ورفع العقوبات الاقتصادية وتصدير النفط وتثبيت قواعدها السياسية في الشرق الأوسط بعد أن اهتزت في ميادين أخرى في العراق وسوريا واليمن واستعادة دورها الإقليمي بعد أن استشعرت حقيقة انزعاج المجتمع الدولي من سلوكها القائم على الممانعة والتشدد، وهذا ما يتناغم وحالة الصراع السياسي داخل أروقة النظام الإيراني والاختلاف الواضح بين تيار المحافظين الذي يرفض العودة للمفاوضات دون أن يمتلك رؤى مستقبلية لكيفية معالجة الأوضاع الداخلية وتيار المعتدلين الذي يدعو إلى تصحيح مسار المفاوضات والتسريع بها لمواجهة الأوضاع الداخلية والحفاظ على بقاء النظام السياسي وإيجاد الحلول الأزمات التي تعصف بالمجتمع الإيراني والنظر لمصالح البلاد بعيدا عن الأهواء السياسية والخطابات الرنانة .
تبقى التوجهات الإيرانية التي تلقى المساندة من المرشد الأعلى علي خامنئي قائمة على التلويح بسياسة القوة وألمواجهة لدعم موقفها في المفاوضات القادمة وإظهارها بحالة من التمكن في الميدان وبجميع الاتجاهات وهذا ما دعى (بروز كمالوندي) المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية للإعلان عن ان(مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة ٢٠% أصبح ٢١٠كغم وأنها تحتفظ ب٢٥ كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة ٦٠% ) .
يشكل هذا التصريح خروج عن اتفاق ٢٠١٥ الذي سمح لإيران بتخصيب نسبة ٣،٦٧ من اليورانيوم واستفزازا للمجتمع الدولي واحراجا الحلفاء الأوربيين أمام الإدارة الأمريكية في حين يرى النظام الإيراني ان كشفه عن مضاعفة مخزون اليورانيوم العالي المخصب خطوة متقدمة للمساومة عليها في المفاوضات القادمة في التاسع والعشرين من تشرين ثاني ٢٠٢١ بالعاصمة النمساوية(فيينا).
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية