المهاجرون من الشرق الأوسط على أبواب أوروبا لا يأمنون من برد أو جوع أو خوف

المهاجرون من الشرق الأوسط على أبواب أوروبا لا يأمنون من برد أو جوع أو خوف

تصاعدت في الأسابيع الأخيرة وتيرة هجرة مواطني بعض دول الشرق الأوسط التي تشكو اضطرابات سياسية واقتصادية نحو أوروبا عبر بيلاروسيا التي تتيح لهم تنقلا جويا يمهد لهم العبور نحو دول مجاورة لها، وهي خطوة يعتبرها الاتحاد الأوروبي متعمّدة من قبل الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو ردا على العقوبات الأوروبية التي فرضت على بلاده بعد القمع الوحشي الذي مارسه نظامه بحق المعارضة. ووجد العشرات من المهاجرين العراقيين والسوريين أنفسهم في قلب المحرقة، يواجهون برد الشتاء والجوع والتشرّد هربا من حملات إعادتهم نحو أوطانهم.

دهوك (العراق) – كان سركوت عصمت جائعا ومذعورا يعاني ويلات البرد، ومحاصرا بين القوات البولندية والبيلاروسية في مواجهة على جانبي الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي.

وكان سائق التاكسي العراقي البالغ من العمر تسعة عشر عاما من بين الآلاف من القادمين من الشرق الأوسط، والذين حاولوا العبور إلى الاتحاد الأوروبي في الأشهر الأخيرة عبر باب خلفي فتحته بيلاروسيا غير المنتمية إلى الاتحاد الأوروبي.

وغادر عصمت منزله في دهوك، وهي بلدة في إقليم كردستان العراق، قبل أسبوعين، بعد بيع سيارة الأجرة التي كان يمتلكها. ودفع 2600 دولار لوكالة سفر محلية مقابل رحلة بالحافلة إلى تركيا، وإقامة في فندق في إسطنبول، وتذكرة طائرة إلى مينسك، وثلاث ليال في فندق في العاصمة البيلاروسية. وكان يأمل في دخول بولندا والوصول في النهاية إلى ألمانيا للانضمام إلى شقيقه الأكبر سروار، الذي أكمل الرحلة بنجاح.

لكن أحلامه تحطمت في مكان ما بالقرب من الحدود البولندية. حيث أوقفته القوات البيلاروسية مع آخرين في مجموعته، وقال إنهم ضُربوا وإن ممتلكاتهم افتكّت، بما في ذلك أمواله وهاتفه المحمول. وحوصرت المجموعة في غابة لعدة أيام، ولم يُسمح لها بدخول بولندا أو العودة إلى مينسك.

وقال في مقابلة مع وكالة الأسوشيتد برس عبر الهاتف مستخدما هاتفا جوالا مستعارا “أنا خائف وأريد العودة لكن ليس لدي فلس واحد. إن الإذلال مطلق هنا. قيل لي إن هذا سهل للغاية وإن الوصول إلى أوروبا يستغرق ثلاثة أيام فقط”. ولم يكن هذا صحيحا.

وردعت هذه المخاطر البعض، إلى أن ظهرت فرصة لدخول بدا سهلا إلى أوروبا على ما يبدو في وقت سابق من هذا العام.

وأعلن رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو، الغاضب بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على نظامه الاستبدادي بعد حملة داخلية قاسية على المعارضة، أنه سينتقم من خلال تخفيف الضوابط الحدودية ضد المهاجرين المتجهين إلى الغرب. واتهمه مسؤولو الاتحاد الأوروبي باستخدام المهاجرين بيادق، بينما نفى لوكاشينكو ذلك وقال إن أوروبا تنتهك حقوقهم بحرمانهم من المرور الآمن.

وبدأت بيلاروسيا تقديم تأشيرات سياحية سهلة للعراقيين والسوريين وآخرين من الشرق الأوسط وأفريقيا. هذا يعني أنه يمكنهم الآن الوصول إلى حافة أوروبا على متن رحلات مريحة، ثم محاولة التسلل من بيلاروسيا إلى بولندا وليتوانيا أو لاتفيا، وجميعها بلدان تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي.

وحاول الآلاف خوض هذه الرحلة منذ الصيف. وأدى ذلك في الأسابيع الأخيرة إلى مواجهات متوترة على نحو متزايد على حدود بيلاروسيا ومشاهد لمهاجرين يائسين يتجمّعون في الغابات وسط درجات حرارة منخفضة جدا. وأرسلت بولندا شرطة مكافحة الشغب والقوات لتعزيز حرس الحدود. وتم الإبلاغ عن ثماني حالات وفاة على الأقل.

الاتحاد الأوروبي يبحث في الدور الذي لعبته بعض شركات الطيران، ويُقال إنه يفكر في فرض عقوبات عليها

ويقول ميكانيكي سيارات سوري يبلغ من العمر 44 سنة، إنه لا يهتم بدوافع لوكاشينكو أو التقارير عن المعاناة على حدود بيلاروسيا.

وهو مصمم على الوصول إلى بيلاروسيا مع أبنائه الأكبر سنا، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما، ثم المرور إلى ألمانيا وتأمين عمل وترتيب انضمام زوجته وطفليه الأصغر إليه.

وقال، طالبا عدم ذكر اسمه لأنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى تعطيل خططه “لا مستقبل هنا للشباب، سواء في التعليم أو الثقافة أو الحياة الاجتماعية”.

وتعرضت سوريا والعراق للدمار بسبب سنوات من الصراع. وتبقى سوريا بلدا مفككا بعد عقد من الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من 400 ألف شخص وشردت نصف سكانها. وانتصر الرئيس بشار الأسد بمساعدة روسيا وإيران، وحصر أولئك الذين يحاولون الإطاحة به في ركن صغير من سوريا. لكن البلاد تعدّ في حالة سقوط اقتصادي حرّ ناجمة عن العقوبات الغربية وتكاليف الحرب التراكمية.

وقال الميكانيكي إنه لا يوجد أي أمل على الإطلاق في أن يتحسن الوضع، وإنه من الأفضل له المخاطرة الآن بدلا من رؤية أطفاله يواجهون اليأس في سوريا. وأكّد أن الأمور سيئة للغاية إلى درجة أن ابنه الأكبر لا يستطيع حتى الحصول على كتاب اللغة الإنجليزية المدرسي المطلوب للصف العاشر.

وعندما سمع بما كان يحدث في بيلاروسيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ذهب إلى وكالة أسفار في دمشق تعرض صفقات شاملة مقابل 4 آلاف دولار للشخص الواحد. وتقدم بطلب للحصول على التأشيرة واقترض المال لتغطية التكلفة لنفسه وأبنائه. وقال إنه سيغادر إلى بيلاروسيا بمجرد حصوله على التأشيرة. ولن يردعه في هذه المرحلة شيء. حيث قال إنه مستعد للمحاولة أربع أو خمس مرات.

وتابع “هناك أشخاص نجحوا في ذلك في المرة الأولى، وآخرون في المرة الثانية وآخرون في المرة الثالثة، لكنهم وصلوا في النهاية. لا بد لي من ضمان مستقبل أطفالي”.

قال وكيل سفريات بدمشق إن الطلب رفع أسعار الرحلات إلى بيلاروسيا، من 2600 دولار للرحلة وخمس ليال في فندق مينسك، إلى حوالي 4 آلاف دولار.

وأوضح الوكيل، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من احتمال إلحاق ضرر بشركته، أن معظم السوريين يخوضون الرحلة على متن شركة الطيران السورية الخاصة “أجنحة الشام للطيران”.

ويبحث الاتحاد الأوروبي في الدور الذي لعبته بعض شركات الطيران، ويُقال إنه يفكر في فرض عقوبات عليها. لكن خيارات الطيران تتقلص، حيث قالت تركيا الجمعة إنها أوقفت بيع تذاكر الطيران للعراقيين والسوريين واليمنيين الراغبين في السفر إلى بيلاروسيا. وقالت شركة الطيران البيلاروسية بيلافيا

إنها لن تصدر تذاكر سفر لمواطني تلك الدول على متن رحلتها بين إسطنبول ومينسك.

وذكر المتحدث حسين جليل أن الخطوط الجوية العراقية، التي علقت رحلاتها بين بغداد ومينسك في الخامس من أغسطس، أعادت إلى الوطن نحو ألف عراقي تقطعت بهم السبل من بيلاروسيا، ومن المقرر إجراء المزيد من رحلات الإنقاذ.

وقال المواطن العراقي كاميران حسن إنه أُجبر وعائلته المكونة من أربعة أفراد على رحلة العودة. حيث وصلوا إلى بولندا لكن قُبض عليهم هناك. ووُضعوا في حافلة مع عراقيين آخرين بعد قضاء ثلاثة أسابيع في مركز احتجاز. حيث قيل لهم إنهم سيذهبون إلى معسكر آخر في وارسو، لكنهم نُقلوا إلى المطار.

وقال حسن، متحدثا من السليمانية في المنطقة الكردية بالعراق، إن القوة استُعملت لإجبارهم على امتطاء الطائرة. وذكر أن أحد الرجال أغمي عليه عندما رأى أنهم يُرحّلون “لأنه باع كل شيء” من أجل المحاولة. وحمله البولنديون على نقالة نحو الطائرة المغادرة نحو العراق.

تحققت مخاوف عادلة سليم عندما سمعت عن مأزق ابنها سركوت عصمت في بيلاروسيا. حيث ناشدته ألا يذهب.

وكان ابنها الأكبر سروار البالغ من العمر 22 عاما، قد غادر إلى بيلاروسيا منذ ثلاثة أشهر ووصل إلى ألمانيا في مطلع شهر أكتوبر، بعد أن أمضى 10 أيام مختبئا في غابة. وقالت إنه يعاني من مشكلات قلبية مزمنة، وهو في مستشفى في ألمانيا. ولم تسمح له الأسرة بالرحيل إلا لأنه كان مريضا ولم يكن بإمكانها فعل أي شيء لإنقاذه في دهوك. وأضافت “حاولنا إقناعه بعدم الذهاب، لكنه كان مصرا للغاية”.

ولا يزال سركوت مدينا بمبلغ 10 آلاف دولار على سيارة الأجرة التي باعها لدفع تكاليف الرحلة، وهو مبلغ يتعين على والده المقاتل في البيشمركة، سداده الآن من دخله الشهري البالغ حوالي ألف دولار.

ويبدو أن كل تلك الأموال قد ذهبت هباء. حيث سُمح لسركوت الخميس بمغادرة الغابة وهو يتجه إلى مينسك استعدادا للعودة إلى العراق.

وتقول والدته، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 45 عاما، إن كل ما تريده هو عودة ابنها. وأكدت أنه يبكي قائلا إنه يريد العودة إلى العراق. إنه لا يريد شيئا سوى العودة. فهو جائع ومتجمّد من البرد.

العرب