الإقليم في وضع “اللاحسم”

الإقليم في وضع “اللاحسم”

33721

مع دخول الربع الأخير من عام 2015، شهدت القضايا والنزاعات الجارية في الشرق الأوسط تحولات مفصلية. على نحو مفاجئ، نفذت روسيا تدخلاً عسكرياً مباشراً في سورية. وحوّلت مسار الصراع كلياً بانتقالها من طرف داعم إلى طرف مشارك وأصيل في مجريات الأزمة، ومن ثم في مسار ما بعد الأزمة. وفي اليمن، يكاد التحالف العربي يستعيد بقية المدن الرئيسة من أيدي قوات الحوثيين وعلي عبدالله صالح، وهي النقلة الي تلت مباشرة إبرام الاتفاق النووي الإيراني، في ارتباط زمني له دلالته. وفي ليبيا، توصلت الأطراف المتنازعة إلى اتفاق مبدئي، برعاية المبعوث الأممي، قبل انتهاء مدته بأيام. وبعد أن أحاطت بالعلاقات الإيرانية الأميركية أجواء إيجابية، سادها التفاؤل، بعد التوصل إلى اتفاق قبل أربعة أشهر، انحسرت إشارات التقارب، وبدا على الطرفين الحذر والحرص على عدم الاندفاع أكثر من اللازم. وكانت تصريحات المرشد علي خامنئي واضحة وقوية في هذا السياق، عندما أعلن، قبل أيام، أن التفاوض مع الأميركيين “ممنوع”.
المشهد الإقليمي بأكمله، يبدو كفيلم سينمائي، أو مسلسل تليفزيوني، وصل إلى قمة الإثارة، أو نقطة الذروة الدرامية حسب تعبير المتخصصين. وفجأة، تم إيقاف العرض، وتجمدت الصورة على وضعها في لحظة معينة. وكأن هناك من ضغط على زر التعليق في جهاز الريموت كونترول.
بالتأكيد، هي مصادفة أن تشهد مختلف الملفات والصراعات في المنطقة حالة تعليق أو جمود في الموقف. فعلاقة التأثير والتأثر (الأواني المستطرقة) الإقليمية قائمة، لكنها محدودة، ولا تصل إلى هذا الحد. فالمسألة، إذن، ليست بالضرورة متعمدة أو تخضع السيطرة من طرف أو أطراف متحكمة في الأحداث. لكن هذا هو الوضع، ولا بد أن له أسباباً وتفسيرات موضوعية.
ربما من أهم تلك الأسباب، أن المرحلة السابقة شهدت تطورات مهمة، كانت تنذر بتغيرات جذرية في أزمات المنطقة وأحداثها. لم تبادر بعض الأطراف إلى التدخل بقوة، فلو لم تتدخل روسيا عسكرياً مباشرة، لربما كان نظام بشار الأسد قد انهار كاملاً، وسقطت كثير من المناطق القليلة التي كان يسيطر عليها. ولو لم تبادر قوات التحالف العربي إلى دك مواقع ونقاط تمركز قوات الحوثيين وصالح في عدن وتعز وغيرها من المدن والمناطق الاستراتيجية المهمة، لكانت استعادة تلك المناطق وإيقاف استيلاء الحوثيين على الدولة شبه مستحيلين، خصوصاً بعد إبرام الاتفاق النووي الإيراني، والعنفوان الذي بدا على مواقف طهران وخطابها تجاه دول المنطقة. والذي يشتم منه أن الاتفاق يمثل، إن لم يكن يتضمن، تفويضاً أميركياً لإيران بالتمدد والتضخم إقليمياً، من دون قيد أو شرط، في مقابل عدم امتلاك سلاح نووي. في ليبيا، كان حرص المبعوث الأممي، برناردينو ليون، شديداً على التوصل إلى اتفاق قبل انتهاء فترة توليه منصبه. وعلى الرغم من أن الدافع هنا شخصي، إلا أن عدم التوصل إلى اتفاق كان سيعني أن يبدأ المبعوث الجديد مهمته من نقطة الصفر.
ولأن التطورات الجوهرية التي تمت في القضايا الثلاث بدت محاولة لإنقاذ موقف أو استدراك تدهور، فإن الرؤية المستقبلية لما بعد تلك التحركات تبدو مشوشة، أو على الأقل ستتحدد الخطوة التالية وفقاً لردود الأفعال ولما ستقوم بها الأطراف الأخرى في الفترة المقبلة، ما قد يستغرق بعض الوقت لاعتبارات مختلفة، منها التعرف على طبيعة الملف وتعقيداته، كما في حالة المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا. وفي اليمن، هناك الحذر من مفاجآت الحرب وخداعها، ما يستلزم التريث قبل خوض معركة صنعاء. بينما حققت موسكو في سورية هدفها الأساس بتأمين بقاء بشار سلطة رمزية وأرضاً جزئية، ليسمح كلاهما لروسيا بموطئ قدم وقاعدة نفوذ عسكري. لا أحد يعلم متى يتحرك المشهد مجدداً، فربما يبدأ الشتاء وينتهي، والمنطقة على تجمدها، إلا إذا كان للأقدار كلمة أخرى.

سامح راشد

صحيفة العربي الجديد