الصدر للقوى الخاسرة: حل الميليشيات المسلحة مقابل المشاركة في الحكومة

الصدر للقوى الخاسرة: حل الميليشيات المسلحة مقابل المشاركة في الحكومة

وضع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر القوى الخاسرة في الانتخابات التشريعية في موقف صعب من خلال طرح حزمة شروط تبدو مستحيلة بالنسبة إليها للمشاركة في حكومة يكون هو من يشكلها. ولم يخل خطاب الصدر الخميس من نبرة تحد لهؤلاء ولداعمتهم إيران، حيث طالبهم بضرورة قطع العلاقات معها وحل الميليشيات التابعة لهم.

بغداد – دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الخميس القوى الخاسرة في الانتخابات العراقية الأخيرة إلى حل الفصائل المسلحة “دفعة واحدة” وتصفية الحشد الشعبي من “العناصر غير المنضبطة”، وقطع كل العلاقات الخارجية، في إشارة إلى إيران.

يأتي ذلك في ظل تصاعد الضغوط الإيرانية على العراق بغية التأثير في نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت الشهر الماضي، مع اقتراب المهل المحددة لحسمها من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية.

وتثير هذه الضغوط قلق الداخل العراقي وأيضا الولايات المتحدة التي تخلت عن صمتها مؤخرا منتقدة على لسان قائد القيادة المركزية في القوات الأميركية كينيث ماكينزي ممارسات طهران وعمليات الترهيب التي تشنها.

ويتخذ الضغط الإيراني أشكالا مختلفة بين رسائل التحذير المبطّنة لمسؤوليها، وتصعيد الميليشيات الموالية لها على الأرض والتي تجاوزت الاعتصام أمام بوابات المنطقة الخضراء إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وقال الصدر في مؤتمر صحافي عقده في النجف مخاطبا القوى الخاسرة إنه “لا يمكن أن تكون خسارتكم مقدمة لخراب ونهاية العملية الديمقراطية” في العراق، داعيا هذه القوى “إلى مراجعة أنفسهم لإعادة ثقة الشعب بهم” في المستقبل.

كينيث ماكينزي: إيران أغرقت الإنترنت بمعلومات مضللة عن الانتخابات العراقية
ووضع الصدر حزمة من الشروط أمام القوى الخاسرة من أجل الاشتراك في تشكيل الحكومة منها “حل الفصائل المسلحة دفعة واحدة وتسليم سلاحها كمرحلة أولى للحشد الشعبي عن طريق قائد القوات المسلحة”.

ومن بين الشروط الأخرى “تصفية الحشد الشعبي من العناصر غير المنضبطة وعدم زجه في السياسة”، وكذلك “محاسبة المنتمين إليهم ممن عليهم شبهات فساد وتسليمهم إلى القضاء”.

وطالب الصدر تلك القوى بـ”قطع كل العلاقات الخارجية بما يحفظ للعراق هيبته واستقلاله، إلا من خلال الجهات الدبلوماسية والرسمية”. وفي رد على سؤال بشأن شكل الحكومة المقبلة شدد الصدر على أن الخيارات الوحيدة تتمثل إما بـ”تشكيل حكومة أغلبية” أو “الاتجاه للمعارضة الوطنية”.

وقطع زعيم التيار الصدري بذلك الطريق على جميع المحاولات لإعادة إنتاج منظومة المحاصصة وآخرها مبادرة رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، ويرى محللون أن خطاب الصدر حمل قدرا كبيرا من التحدي للميليشيات وراعيتهم طهران.

ويشير المحللون إلى أن الصدر أراد إرسال رسالة إلى هؤلاء بأن محاولات الترهيب والتهويل لن تؤتي أكلها في تغيير الواقع الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأن إصرارهم على المشاركة في حكومة جديدة لن يكون مجانا.

وجرت الانتخابات التشريعية في العراق في العاشر من أكتوبر الماضي وأفرزت النتائج الأولية تغيرا في موازين القوى لاسيما داخل البيت الشيعي، حيث تصدر التيار الصدري الاستحقاق بأكثر من 70 مقعدا، فيما حصل ائتلاف دولة القانون على 37 مقعدا.

وتعرّض تحالف الفتح المظلة السياسية للميليشيات الموالية لإيران لانتكاسة كبيرة بعد أن انحصرت عدد المقاعد التي تحصل عليها في 16 مقعدا، ما يعني فقدانه لأكثر من ثلث مقاعده في الانتخابات السابقة.

وأثارت هذه الانتكاسة حالة من الارتباك والتخبط في صفوف الميليشيات وراعيتهم إيران التي حاولت بداية ممارسة ضغوط على القوى السياسية للحيلولة دون عقد تحالفات تفضي في النهاية إلى خسارة تلك الفصائل لنفوذها السياسي، وربما تعرضها لملاحقات تستهدف حصارها وتحجيم حضورها.

ويقول مراقبون إن إيران سعت لتدارك هزيمة حلفائها على الساحة عبر العمل على جمع البيت الشيعي وتشكيل حكومة محاصصة تبقيهم في السلطة، بيد أن هذه الجهود اصطدمت بموقف حاسم من قبل التيار الصدري المصر على تشكيل حكومة أغلبية يكون هو المسؤول عنها.

ويشير المراقبون إلى أن هذا الوضع دفع إيران وميليشياتها على ما يبدو إلى العودة والتركيز على الضغط على السلطات المشرفة على العملية الانتخابية لإجبارها على إجراء تحويرات على مستوى النتائج الأولية، الأمر الذي سيضع، إن حصل ذلك، مصداقية تلك السلطات على المحك.

وأجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأربعاء اتصالا هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي هو الأول منذ تعرض الأخير لمحاولة اغتيال في مقر إقامته بالمنطقة الخضراء، حيث وجهت أصابع الاتهام إلى فصيلي عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، المواليين لطهران، في الوقوف خلفها.

ويعكس اتصال رئيسي بالكاظمي حجم القلق الإيراني حيال إمكانية خروج الميليشيات الموالية لهم من معادلة السلطة، وهو ما قد يعرضهم إلى حصار، فضلا عن فقدانهم لموارد مالية مهمة، وامتيازات حكومية كبيرة.

وكان النظام الإيراني أوفد قبل أيام العميد إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري، حيث التقى بمسؤولين بينهم رئيس الوزراء، إلى جانب قادة الميليشيات.

إيران تحاول قدر الإمكان التدخل لتعديل نتائج الانتخابات بغية تحسين تموضع حلفائها لكن لا يمكن الجزم بقدرتها على تحقيق ذلك في وجود مساندة قوية للسلطات المشرفة على الاستحقاق

وشدد قاآني خلال لقاءاته مع المسؤولين العراقيين على أهمية الأخذ بالاعتبار اعتراضات الفصائل، لتلافي أيّ تصعيد على الساحة لن يخدم أحدا.

ويرى محللون أن إيران ستحاول قدر الإمكان التدخل لتعديل النتائج، بغية تحسين تموضع حلفائها، ولكن لا يمكن الجزم بقدرتها على تحقيق ذلك في ظل وجود مساندة قوية من المجتمع الدولي للسلطات المشرفة على الاستحقاق.

وانتقد قائد القيادة المركزية في القوات الأميركية الأربعاء المحاولات الدؤوبة لإيران للتأثير على العملية الانتخابية في العراق.

وقال ماكينزي خلال مشاركته في الندوة السنوية العربية الأميركية لصناع السياسات، إن طهران حاولت بداية ترهيب الناخبين العراقيين لتحويل العراق إلى عميل إيراني.

وأضاف أن إيران أغرقت الإنترنت بمعلومات مضللة حول الانتخابات العراقية الأخيرة، ووجّهت ميليشياتها للاحتجاج على النتائج بعنف في بعض الأحيان.

وشدد ماكينزي على أن هذه المحاولات الضعيفة تظهر محدودية نفوذ إيران في العراق “لذا لجأت الميليشيات مؤخرا لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي”.

وأكد أن الولايات المتحدة ستواصل مع شركائها في التحالف، دعم حكومة العراق، كجزء من الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد، بين واشنطن وبغداد.

وهذا أول موقف أميركي حازم يصدر حيال التدخلات الإيرانية في الانتخابات العراقية. وتتنافس الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في العراق.

ويقول المحللون إن الموقف الأخيرة لماكينزي يعكس أن الولايات المتحدة لن تقف في موضع المتفرج أمام محاولات طهران ضرب العملية الانتخابية.

العرب