واشنطن تعد لكارتيل “كونترا أوبك” في مواجهة أوبك+

واشنطن تعد لكارتيل “كونترا أوبك” في مواجهة أوبك+

واشنطن – تحركت الولايات المتحدة لبناء كارتيل عالمي جديد من المستهلكين الكبار للنفط والبدء بسحب كميات كبيرة من الاحتياطات الاستراتيجية لمواجهة تمنّع لمجموعة أوبك+ تقوده السعودية لزيادة الإنتاج والعمل على تراجع الأسعار.

وقالت مصادر مطلعة إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن طلبت من بعض أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم، ومنها الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، دراسة استخدام احتياطاتها من الخام في مسعى منسق لخفض الأسعار وتحفيز التعافي الاقتصادي.

ومن شأن الاستجابة المنسقة لاستحداث كارتيل عالمي جديد على الضد من أوبك+ (كونترا أوبك)، قد يحول المطالبات الأميركية للسعودية بكبح الأسعار عبر زيادة الإنتاج إلى ضغط سياسي واقتصادي تشترك فيه الصين والهند واليابان ومن المتوقع أن يستقطب الأوروبيين.

ويأتي هذا الطلب غير المعتاد بينما يقاوم بايدن الضغوط السياسية جراء ارتفاع أسعار البنزين وغير ذلك من التكاليف الاستهلاكية الأخرى وهو ما يعود إلى انتعاش النشاط الاقتصادي من مستوياته المتدنية خلال فترات مبكرة من جائحة كورونا.

نجاح كارتيل “كونترا أوبك” يعتمد بالدرجة الأولى على تجاوب الدول الكبرى المستهلكة كالصين والهند وأوروبا

ويعكس كذلك إحباط الولايات المتحدة المتزايد من منظمة أوبك وحلفائها، ومن بينهم روسيا فيما يعرف بتجمع أوبك+، الذي رفض الطلبات المتكررة من واشنطن للإسراع بزياداته في إنتاج النفط.

وقال أحد المصادر “نحن نتحدث عن رمزية إرسال أكبر مستهلكي النفط في العالم رسالة إلى أوبك مفادها: عليك أن تغيّري سلوكك”.

والسحب من الاحتياطي الاستراتيجي هو الخيار الوحيد المطروح أمام الدول المستهلكة، نظرا إلى أن لاعبين رئيسيين عاجزان عن التقدم ببدائل لأسباب سياسية وعملية مختلفة وهما إيران التي تواجه مقاطعة وعقوبات دولية، والعراق الذي لا يزال يراوح مكانه إنتاجيا، على الرغم من امتلاكه لاحتياطات لا تقل عن مستوى الاحتياطي السعودي.

ووقّعت الكثير من شركات النفط الأميركية اتفاقيات تخارج مع شركة النفط العراقية بعد أن تراجعت الأسعار إلى ما دون 30 دولارا للبرميل وزيادة التهديدات الأمنية، إلا أن شركة شيفرون قررت العودة إلى العمل في العراق لتطوير حقول عملاقة جنوب البلاد بتشجيع من حكومة مصطفى الكاظمي.

لكنّ الإمارات اللاعب الصاعد إنتاجيا في سوق النفط العالمية قد تشكل الفارق، على الرغم من الخلاف مع الرياض الذي تم احتواؤه سريعا حول المستفيد من زيادة حصص الإنتاج داخل أوبك+. فقد سعت شركة أدنوك، وهي شركة الإنتاج النفطي الرئيسية في أبوظبي، على مدى الأعوام القليلة الماضية إلى تطوير حقولها واستغلال حقول جديدة وتوسيع شبكة الضخ والأنابيب والتحميل البحري، بما فيها خط نقل استراتيجي وميناء تحميل يتجاوز مضيق هرمز بالكامل.

ويعتمد نجاح “كونترا أوبك” بالدرجة الأولى على تجاوب الدول الكبرى المستهلكة.

أوبك+ تضخ نحو 400 ألف برميل يوميا إلى السوق شهريا

وقالت الصين إنها تعمل على السحب من احتياطيّها النفطي، مما يجعل الاقتراح الحالي يمثل تحديا لم يسبق له مثيل لأوبك، التكتل الذي يؤثر على أسعار النفط منذ أكثر من خمسة عقود لأنه يشمل الصين أكبر مستورد للنفط في العالم. وقال مكتب الاحتياطات الحكومي الصيني إنه يعمل على السحب من احتياطات النفط الخام، غير أنه رفض التعليق على الطلب الأميركي.

وسبق أن نسقت الولايات المتحدة وحلفاؤها السحب من احتياطات النفط الاستراتيجية، في مواقف منها على سبيل المثال خلال الحرب في ليبيا، عضو أوبك، عام 2011.

وفي اليابان، قال مسؤول بوزارة الصناعة إن الولايات المتحدة طلبت تعاون طوكيو في مواجهة ارتفاع أسعار النفط، لكنه لم يؤكد ما إذا كان الطلب شمل سحبا من الاحتياطات لخفض الأسعار.

وأكد مسؤول كوري جنوبي طلب واشنطن من سول استخدام بعض احتياطيّها النفطي وقال “نراجع بعناية الطلب الأميركي، غير أننا لا نسحب من الاحتياطي النفطي بسبب ارتفاع أسعار النفط. قد نستخدم بعض الاحتياطي النفطي في حال وجود اختلال في الإمدادات، لكننا لا نواجه بذلك ارتفاع أسعار النفط”.

ويبلغ حجم الاحتياطي الاستراتيجي حوالي 606 ملايين برميل مخزنة في كهوف بأربعة مواقع شديدة الحراسة على سواحل لويزيانا وتكساس. وتكفي هذه الكمية لسد الطلب الأميركي لفترة تزيد على الشهر، وتحتفظ الولايات المتحدة أيضا بكميات صغيرة من وقود التدفئة والبنزين في شمال شرق البلاد.

وبخلاف الولايات المتحدة، يتعين على الدول الأخرى الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية وعددها 29 دولة من بينها بريطانيا وألمانيا واليابان وأستراليا الاحتفاظ باحتياطات من النفط للطوارئ تغطي صافي الواردات لفترة 90 يوما. وتملك اليابان واحدا من أكبر الاحتياطات بعد الصين والولايات المتحدة.

والصين عضو منتسب إلى وكالة الطاقة الدولية وهي أكبر مستورد وثاني أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم. وقد كونت احتياطيّها النفطي الاستراتيجي قبل 15 عاما وأجرت أول مزاد لبيع كميات من الاحتياطي في سبتمبر الماضي.

وتحتفظ الهند العضو المنتسب أيضا إلى وكالة الطاقة الدولية وثالث أكبر الدول المستوردة والمستهلكة للنفط باحتياطيّ استراتيجي.

وذكر مصدر أميركي شارك في المناقشات أن حصة الولايات المتحدة من أيّ سحب محتمل من الاحتياطات سيتعين أن تكون ما بين 20 و30 مليون برميل كي تؤثر على الأسواق. وقد يكون هذا السحب في صورة بيع أو اقتراض من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي.

ولجأت الولايات المتحدة إلى تكوين احتياطي استراتيجي من النفط في سبعينات القرن الماضي بعد حظر النفط العربي لضمان حصولها على إمدادات كافية لمواجهة حالات الطوارئ.

وامتنع البيت الأبيض عن التعقيب على تفاصيل محتوى المشاورات مع دول أخرى. وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض “لم يتم اتخاذ أيّ قرارات”.

وأضاف المتحدث أن البيت الأبيض يقول منذ أسابيع إنه “يتحدث مع مستهلكين آخرين للطاقة لضمان معروض عالمي وأسعار للطاقة لا تعرّض للخطر التعافي الاقتصادي العالمي”.

وتضخ أوبك+ نحو 400 ألف برميل يوميا إلى السوق شهريا، لكنها تقاوم دعوات بايدن لمزيد من الزيادات السريعة بحجة أن انتعاش الطلب قد يكون هشا.

وقال الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو الثلاثاء إنه يتوقع ظهور فائض في المعروض العالمي في أقرب وقت في ديسمبر القادم. وأضاف للصحافيين “هذه مؤشرات على أننا يجب أن نكون حذرين للغاية”.

ويعزو العديد من معاوني بايدن انخفاض معدلات التأييد له في الأشهر القليلة الماضية إلى زيادة التضخم من الطاقة إلى الغذاء وقطاعات أخرى.

العرب