في وقت تشهد فيه الليرة التركية هبوطا حادا في سوق العملات الأجنبية وصل إلى مستويات قياسية، خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة بنسبة 1%، لتصل إلى 15% على الرغم من بقاء التضخم قرب 20%، مما أدى إلى زيادة في هبوط العملة وأثر على ردود فعل الأسواق.
وتراجع سعر الليرة التركية أمام الدولار بعد قرار المركزي من 10.7 إلى 10.85 ليرات، مع توقعات باستمرار هبوطها لتقفل عند 12 ليرة بنهاية 2021. وخسرت الليرة نحو ثلث قيمتها هذا العام، مقارنة بسعر مطلع عام 2021 وقت لم يزد سعر صرف الدولار على 7.4 ليرات.
ويأتي قرار المركزي بعدما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -أمس الأربعاء- أمام الكتلة النيابية لحزبه العدالة والتنمية في البرلمان التركي إن “الحكومة عازمة على إزالة آفة الفائدة المرتفعة عن عاتق شعبها”.
وانخفضت الليرة حوالي 60% مقابل الدولار هذا العام، في ظل دعوات الرئيس أردوغان المتكررة إلى خفض أسعار الفائدة والتغييرات السريعة في قيادة البنك المركزي.
وتفاقم هبوط الليرة أخيرا أيضا مع ارتفاع الدولار، بعد بيانات تضخم أعلى من المتوقع في الولايات المتحدة.
ويرى اقتصاديون أن خفض الفائدة له تأثيره في ارتفاع الدولار والمعادن الثمينة، وذلك بسبب العجز الموجود في ميزانية الجمهورية التركية بين الاستيراد والتصدير، وأيضا بسبب وجود ديون عليها بمبلغ 450 مليار دولار حاليا، وأنه في حال كانت ميزانية الدولة أقوى من هذا لما كان يحدث هذا الهبوط في الليرة.
وتجذب أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة عادة الأموال من الاقتصادات الناشئة ذات الديون الخارجية المرتفعة مثل تركيا.
وقد تلجأ الحكومة التركية إلى خطة التعامل خارج إطار الدولار مع بعض الدول، خاصة بعد اتفاقها مع إيران وروسيا على ذلك، وقبل أيام مع كوريا الجنوبية أيضا، للتخلص من ضغط الدولار.
التضخم والديون
ويوصف أردوغان بأنه عدو أسعار الفائدة، ويتبنى نظرية مفادها أن خفض أسعار الفائدة سيؤدي إلى انخفاض التضخم.
وهذه السياسة بدت ملامحها بشكل أوضح بعد تعيين أردوغان لشهاب كافجي أوغلو محافظا جديدا للبنك المركزي، مارس/آذار الماضي، في تغيير هو الرابع من نوعه في أقل من عامين، بعد سلسلة الإقالات التي طالت المحافظين القدامى، وهم ناجي أغبال، ومراد أويصال، ومراد تيشتين قايا.
وبلغ معدل التضخم الرئيسي أعلى مستوى له خلال عامين ونصف العام عند 19.58% في سبتمبر/أيلول الماضي، بينما كان المقياس الأساسي الذي أكده كافجي أوغلو خلال الشهر الماضي هو 16.98%.
ويتوقع “دويتشه بنك” أن يؤدي تخفيض الفائدة إلى ارتفاع التضخم؛ كما توقعت وكالة التصنيف الائتماني الدولية “ستاندرد آند بورز غلوبال” انخفاضا حادا لليرة التركية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وارتفاع مستوى القروض المصرفية المتعثرة إلى الضعف عند 8% في الـ12 شهرا المقبلة.
ويأتي قرار المركزي بينما تخيم نظرة متشائمة على الداخل التركي، إذ أظهرت بيانات من معهد الإحصاءات التركي انخفاض ثقة المستهلكين الأتراك إلى 57.8 نقطة.
وكان مؤشر ثقة المستهلك سجل 57.6 نقطة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو أدنى مستوياته في نحو 10 سنوات. ويشير مستوى الثقة الحالي إلى نظرة متشائمة، وينبغي أن يتجاوز 100 نقطة لكي ينبئ بالتفاؤل.
وفي السياق، ذكر محمد كلوب الباحث الاقتصادي في جامعة “يلدريم بيازيد” بأنقرة -للجزيرة نت- أن سعر صرف الليرة التركية يرتبط بشكل مباشر مع معدل الفائدة، ورغم التحول الصناعي في العقدين الأخيرين، فإن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الأسواق المالية التي أضحى لها الأثر الأكبر في تحديد سعر الصرف بناء على قاعدة العرض والطلب.
ووفقا للباحث كلوب، تنقسم الآثار المترتبة على خفض سعر الفائدة إلى قسمين:
– الأسواق المالية: مع ازدياد التوقعات السلبية بشأن مستقبل الليرة فإنه من المتوقع نزوح الودائع البنكية والمدخرات بالليرة التركية إلى العملات الأجنبية للحفاظ على قيمتها وهو ما سيرفع الطلب على العملات الأجنبية، وبالتالي سيقود لانخفاض سعر صرف الليرة التركية، كما يترتب على هذا الانخفاض عمليات بيع لأسهم الشركات المدرجة، وبالتالي خسارة مضاعفة للاقتصاد التركي.
– الإنتاج والاستثمار: انخفاض سعر الصرف المترتب على انخفاض سعر الفائدة يدفع الصادرات التركية إلى القمة ويتجلى ذلك بتحقيق تركيا رقما قياسيا تاريخيا في قطاع الصادرات، وكذلك تدفع نسب الفائدة المنخفضة أصحاب المدخرات لاستثمارها في الإنتاج ولكن بشكل محدود بسبب الانخفاض المتسارع في قيمة العملة، كما تدعم العملة المنخفضة القطاع السياحي وتسهم في تزايد أعداد السياح الوافدين كما لوحظ مؤخرا، وفقا لتقارير الجهات الرسمية.
وفي المقابل، تخسر الشركات المستوردة من الخارج جراء تراجع الليرة، لأنها تدفع مبالغ أكبر مقابل استيراد السلع والخدمات. وكذلك المستهلكون بالداخل، لكون انخفاض الليرة يدفع إلى ارتفاع الأسعار بالداخل ومن ثم زيادة معدلات التضخم.
وختم الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد بالقول إن الرئيس التركي يراهن عبر خفض سعر الفائدة على عائدات الصادرات وتحرك عجلة الإنتاج، وكذلك السياحة لتحسين سعر الصرف لزيادة الطلب على الليرة التركية.
في حين أن الانتعاش الكبير في الصادرات التركية والأنشطة الاقتصادية داخل البلاد جعل وكالة “ستاندرد آند بورز” تعرب عن توقعاتها بتسجيل الاقتصاد التركي نموا بمعدل 8.6% بنهاية العام الجاري. وتوقعت الوكالة تسجيل الاقتصاد التركي نموا بمعدل 3.3% عام 2022، و3.1% في كل من 2023 و2024.
وفيما يخص توقعات نسب البطالة في تركيا، أفاد التقرير أن النسبة لعام 2021 تبلغ 12.6%، وأنه من المنتظر أن تنخفض إلى 12,2% في 2022، وإلى 11.2% في 2023. وتوقعت الوكالة أيضًا أن يسجل التضخم بنهاية العام الحالي 17.3%، و12% عام 2022، و9.5% في 2023، و9.2% في 2024.
ويبقى التساؤل مطروحا: هل ستكفي الأرقام القياسية من الصادرات والسياحة لكبح جماح انخفاض قيمة العملة، أم أنه لا يوجد مفر من رفع معدل الفائدة؟
المصدر : الجزيرة