قادت سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان تركيا نحو وضع اقتصادي لا تُحسد عليه، وأدت إلى تراجع شعبيته وشعبية حزبه العدالة والتنمية الحاكم. لكن رغم ذلك أبدى أردوغان استعداده لخفض أسعار الفائدة في محاولة أخيرة منه لإنقاذ وجوده السياسي واستباق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، ضاربا بالوضع العام للأتراك عرض الحائط.
أنقرة – تشير قرارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسياسته الداخلية، إلى أنه يفكّر في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي لم يتبق على انعقادها سوى عام ونصف العام، بنسب أكبر من الاهتمام الذي يوليه للقدرة الشرائية للمواطنين الذين بدأوا يشعرون بعبء التضخم.
وأبدى أردوغان الذي يحكم تركيا منذ قرابة عقدين استعداده للمقامرة بحياته السياسية، مراهنا على أن خفض أسعار الفائدة سيرفع من شعبيته المتراجعة في استطلاعات الرأي رغم الثمن الاقتصادي الهائل الذي يفرضه ذلك على الناخبين.
ويقول محللون إن هذا التحول في السياسة ربما يشير إلى محاولة أخيرة من أردوغان وحزبه الحاكم، حزب العدالة والتنمية، لحشد تأييد قاعدة ناخبيه من المحافظين في الطبقة العاملة والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2023.
يصر أردوغان على مواصلة تطبيق “نموذج اقتصادي جديد”، في نظره، يقول إنه سيؤدي إلى زيادة الوظائف وتعزيز النمو والصادرات والائتمان الرخيص، متجاهلا في الوقت نفسه أن هذا النموذج كان السبب في الانخفاض التاريخي في قيمة الليرة التركية والارتفاع الشديد في التضخم.
وفي الأثناء، أحدث ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة اضطرابا شديدا في ميزانيات الأسر التركية وخططها المستقبلية.
ففي حي قاسم باشا وهو من أحياء الطبقة العاملة في إسطنبول وحصن من حصون حزب العدالة والتنمية أين نشأ أردوغان المتدين ودرس القرآن ولعب كرة القدم أيضا خلال صباه، لا يمكن لأحد تقريبا أن يتجاهل الارتفاع الصاروخي في تكاليف المعيشة الذي قال البعض إنه قد يصرف أنظار الناخبين عنه.
وقال عبدالرحمن إرنلي وهو يقدم الشاي لعدد قليل من زبائنه على الناحية الأخرى من الشارع أمام المسجد الذي اعتاد أردوغان أن يصلي فيه “من يأتون إلى مقهاي يشكون كثيرا من الأسعار. الصعوبات الاقتصادية في ذهن الجميع”.
وأضاف “الناس يغيرون آراءهم بسبب الوضع الاقتصادي. أعتقد أن أصوات حزب العدالة والتنمية ستقل في الانتخابات المقبلة بالتأكيد رغم أنه ما زال يتمتع بتأييد قوي”.
ويتناقض ذلك تناقضا حادا مع ما كان عليه الحال في السنوات الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية التي ساعد فيها أتباعه سياسات السوق الحرة والسياسات النقدية الراسخة في إعادة بناء الاقتصاد التركي بعد أزمة عميقة في 2001، لكن منذ تبني أردوغان نهجه الأخير المتخبط قاد تركيا نحو وضع سيء للغاية.
وتحت ضغط من أردوغان خفض البنك المركزي التركي سعر فائدته الأساسي 400 نقطة أساس إلى 15 في المئة منذ سبتمبر الماضي. ومن المرجح أن يخفضه مرة أخرى هذا الشهر رغم أن التضخم أصبح حوالي 20 في المئة ومن المتوقع أن يقترب من 30 في المئة.
التأييد لأداء رجب طيب أردوغان بلغ أدنى مستوياته منذ ست سنوات حسب استطلاع للرأي لمؤسسة متروبول
وكانت تداعيات هذه الإجراءات كبيرة، فقد انخفضت قيمة الليرة حوالي 30 في المئة في شهر نوفمبر وحده ليصبح ثاني أسوأ أشهر العملة على الإطلاق، بما يعكس أسعار الفائدة الحقيقية السلبية بشدة في تركيا وكذلك ديونها الخارجية الكبيرة واعتمادها الشديد على الاستيراد.
ولمست العملة التركية مستوى 14 ليرة مقابل الدولار الثلاثاء انخفاضا من 6.9 ليرة في فبراير، قبل أن يعزل أردوغان محافظ البنك المركزي السابق ويبدأ في فرض آرائه الخاصة في تيسير الائتمان.
ويعمل هذا الانخفاض في قيمة العملة على رفع أسعار الواردات وزيادة توقعات التضخم في بلد زادت فيه أسعار المواد الغذائية قرابة 30 في المئة عن العام الماضي.
وقال جان سلجوقي المدير العام لمؤسسة إسطنبول للبحوث الاقتصادية وهي مؤسسة استشارية إن “أكثر المشاكل حدة هي التضخم المرتفع”. وتوقع أن تسوء معنويات الناخبين أكثر من ذلك في ما يتعلق بالحكومة وبأردوغان.
يقرّ أردوغان بمخاطر سياسته الاقتصادية إلا أنه يتمسك بأن الطريق الذي تسلكه تركيا وفقا لهذه السياسة “صائب”. وقال في تصريحات الأربعاء إن بلاده تسلك طريقا “محفوفا بالمخاطر لكنه صائب”، حيال الاقتصاد.
ولا يبالي الرئيس التركي بكل الآراء المعارضة الداعية إلى إنقاذ الاقتصاد قبل فوات الأوان وإلى تبني سياسات عقلانية بناء على الأوضاع المحلية والعالمية، حتى أنه قبل استقالة وزير الخزانة والمالية لطفي علوان، وعيّن نورالدين نباتي بدلا منه، في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة في تاريخ البلاد.
وآخر الشهر الماضي، طالب اتحاد الشركات التركي بتغيير السياسة الاقتصادية في تركيا بسبب فشلها. وقال في بيان إنه “لم يعد لدى تركيا وقت لتضيعه من خلال تطبيق أساليب تمت تجربتها وفشلت في الماضي، وتحتاج الآن إلى تبني منهج اقتصادي يتفق مع ضرورات علم الاقتصاد”.
وجاءت هذه الدعوة تزامنا مع صدور بيانات لمعهد الإحصاء التركي أكد فيها أن الثقة في اقتصاد البلاد تراجعت اثنين في المئة على أساس شهري في نوفمبر إلى 99.3 نقطة مقابل 101.4 في أكتوبر.
وشهدت البلاد الأسبوع الماضي احتجاجات متفرقة في جميع أنحائها مدفوعة بتزايد الإحباط بين صفوف الأتراك الذين يعتبرون أن أموالهم لم تعد لها قيمة، وأصبحوا يواجهون الآن صعوبات في العثور حتى على بعض الأدوية وشراء بعض السلع المستوردة مثل الهواتف المحمولة.
وتضغط قيادات المعارضة التركية منذ أسابيع لإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يرفضه أردوغان خوفا من الخسارة بعدما استشعر تآكل شعبيته محليا.
التحول في السياسة يشير إلى محاولة أخيرة من أردوغان وحزبه الحاكم لحشد تأييد قاعدة ناخبيه من المحافظين
ويبين استطلاع للرأي أجرته مؤسسة ماك دانيسمانليك نشر السبت أن حزب العدالة والتنمية الحاكم ذا الجذور الإسلامية وحزب الحركة القومية المتحالف معه، متعادلان الآن مع تحالف للمعارضة بحصول كل منهما على تأييد حوالي 39 في المئة من المشاركين في الاستطلاع.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة متروبول أن التأييد لأداء أردوغان بلغ أدنى مستوياته منذ ست سنوات.
كما تبين استطلاعات أخرى أن أردوغان سيخسر أمام مرشحين لخوض انتخابات الرئاسة منهم ميرال أكشينار زعيمة حزب الخير، وأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الذي ينتمي إلى حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول رفيع بالحكومة لم يذكر اسمه أنه “من الواضح أن التحالف الحاكم يخسر التأييد. لا بد أن تؤدي الخطوات التي اتخذت في الاقتصاد إلى نتائج وإلا فستحدث خسائر في الانتخابات”.
في المقابل، يروج مسؤولون في حزب العدالة والتنمية أن الإجراءات الجديدة ستثمر بحلول موعد الانتخابات.
وسبق أن نقلت رويترز عن مصادر قولها إن أردوغان تجاهل نداءات في الأسابيع الأخيرة حتى من داخل حكومته لتغيير المسار الذي وصفه بأنه “حرب الاستقلال الاقتصادي” في تركيا.
وقد دافع أردوغان عن تخفيض أسعار الفائدة ست مرات في الأسبوعين الأخيرين، وقال إنه لا رجوع عنها وكانت كل مرة يتحدث فيها تقريبا تدفع الليرة للتراجع إلى مستويات قياسية جديدة.
في المقابل، شددت ميرال التي تنافس أردوغان في استطلاعات الرأي على آن “هذا البلد لا يمكن تركه لهذا الجهل بعد الآن”.
العرب