دشن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -أمس السبت- أول منشأة لصهر الزنك في تركيا، حيث افتتح المصنع الواقع في مدينة سيرت (جنوب شرق) بشراكة قطرية تركية.
ويأتي هذا المصنع في صدارة الخطوات الإستراتيجية التي انتهجتها الحكومة التركية في السنوات الأخيرة، من أجل الحد من اعتمادها على الواردات القادمة من الخارج، والتي تُسبب عجزًا في الميزان التجاري التركي رغم وصول الصادرات لأكثر من 200 مليار دولار العام الماضي، فضلا عن أن المصنع يخلق آلاف فرص العمل في المدينة التي تشهد هجمات بين الفينة والأخرى من قبل حزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية.
وفي كلمة أثناء حفل الافتتاح، قال أردوغان إن هذا المصنع يعد الأكبر في سيرت والمنطقة المحيطة، مشيرا إلى أن هذا المصنع بني بشراكة تركية قطرية، وسوف يلبي نحو نصف احتياجات تركيا من الزنك، ليخفض الاعتماد على الخارج.
واعتبر الرئيس أردوغان منشأة تعدين الزنك استثمارا مهما لتركيا، وقال “ستعمل المنشأة على خفض واردات تركيا من الزنك بإنتاج 90 ألف طن في المرحلة الأولى، ونهدف إلى زيادة الطاقة بمرور الوقت إلى 250 ألف طن، ورفع مبلغ الاستثمار إلى 500 مليون دولار”.
وأضاف “هذا المصنع دليل على برنامج اقتصادنا القائم على الإنتاج والتصدير والنمو في بلدنا، لن نتحدث بعد الآن عن الإرهاب والهجمات الإرهابية، بل عن الإنتاج والعمالة”.
ومن خلال الاستثمار التركي القطري المشترك -الذي بلغت قيمته الأولية حوالي 102 مليون دولار- بُنيت منشأة إنتاج سبائك الزنك المعدنية الوحيدة في تركيا على أراض مساحتها 145 فدانا.
اقتصاد جديد
في السياق، قال ياسين أقطاي الرئيس الفخري لشركة “لينر ميتال” (Lineer Metal AS) المسؤولة عن مصنع تعدين الزنك، “هدفنا هو القضاء التام على واردات تركيا من الزنك بحلول عام 2023”.
واعتبر أقطاي المصنع نموذجا للاقتصاد الجديد الذي يعطي الأولوية للاستثمار والإنتاج والتوظيف، بدلا من الاقتصاد القائم على الفائدة. وقال إن هذه المنشأة تم تدشينها بشراكة تركية قطرية، وقد وضعنا جميع الخطط اللازمة لتوسيعها.
وأضاف للجزيرة نت “سينتج المصنع نحو 40% من سبائك الزنك التي تستهلكها البلاد خلال مرحلته الأولى، وهو ما سيساعد بتخفيض قيمة العجز في الميزان التجاري بنحو 400 مليون دولار”، بينما سيغطي احتياج تركيا الكامل من الزنك خلال عام 2023، والبالغ حوالي 250 ألف طن، بقيمة إجمالية تصل إلى مليار دولار أميركي”.
وذكر أن 500 شخص سيعملون في المصنع بسيرت، ونحو 2500 في المناجم بمدينتي هكاري وشرناق، لافتا إلى أن عدد العمالة سيرتفع إلى 7500 شخص عند استكمال الاستثمارات الأخرى.
وزاد “نحن نحقق أكبر استثمار صناعي اقتصادي على الإطلاق في سيرت والمنطقة، وهو ما يعد من أهم خطوات مكافحة الإرهاب، من خلال توفير فرص عمل حقيقية في منطقة شهدت العديد من الأعمال الإرهابية في السابق”.
وبالإضافة إلى تعدين الزنك وتوطين إنتاجه بالكامل، ستبني الشركة مصنعين جديدين لتعدين الرصاص والفضة وحمض الكبريتيك، وفقا لرئيسها الفخري أقطاي.
مواد خام
من جانبه، صرّح رئيس مجلس إدارة الشركة المالكة للمصنع فكرت بايدرمان، أن المواد الخام من الزنك والرصاص سيجري توفيرها من هكاري وشرناق وسيرت، وسيكون الإنتاج في هذا المجال محليا ووطنيا بنسبة 100%”.
وقال “إن عودة أنشطة التنقيب عن المعادن في الجنوب الشرقي ستكون كبيرة بالنسبة لتركيا، خاصة على المدى الطويل. تثيرني الرواسب المعدنية المكتشفة في الجنوب الشرقي، بقدر ما يثيرني اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر الأسود”.
أردوغان: ستعمل المنشأة على خفض واردات تركيا من الزنك بإنتاج 90 ألف طن منه في المرحلة الأولى (الأناضول)
وذكر بايدرمان أن 95% من الذين سيعملون في المصنع وفي التعدين، سيكونون من سكان المنطقة (سيرت وشرناق وهكاري)، مما سيسهم في خفض البطالة إلى حد ما في هذه المدن.
شراكة تركية قطرية
وشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا وقطر تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، وازدادت في أعقاب الحصار الذي فُرض على الدوحة في يونيو/حزيران 2017، وباتت تركيا واحدة من أكثر الدول المستقطبة لرأس المال القطري في العديد من القطاعات.
وتشكلت اللجنة الإستراتيجية العليا المشتركة بين قطر وتركيا عام 2014، واستضافت الدوحة دورتها الأولى في ديسمبر/كانون الأول من العام التالي، وعقدت 5 دورات منذ عام 2015 بالتبادل بين البلدين.
وافتتحت تركيا عام 2017 مكتبا تجاريا في الدوحة بهدف تشجيع عالم الأعمال القطري على الاستثمار فيها، تزامنا مع التطور المتصاعد في العلاقات بين البلدين.
وقالت وكالة دعم وتشجيع الاستثمار التركية إن عدد الشركات القطرية العاملة في تركيا بلغ نحو 130 شركة في القطاعات المختلفة.
وتُشير معطيات اتحاد المقاولين الأتراك إلى أن الشركات التركية تولّت إنجاز 128 مشروعا، بقيمة 14.1 مليار دولار في قطر بين عامي 2000 و2017.
ووفق اتحاد الغرف والبورصات بالجمهورية التركية، فإن حجم التبادل التجاري قبل 15 عاما كان في حدود 15 مليون دولار، وازداد الآن بنسبة 60 ضعفا ليصل إلى 900 مليون دولار، بينما ارتفع رأس المال القطري المستثمَر في تركيا من مليون دولار إلى حوالي 1.6 مليار دولار.
وكان آخر الاستثمارات القطرية الضخمة في تركيا، إعلان صندوق الثروة السيادي التركي استكمال عملية نقل 10% من أسهم بورصة إسطنبول إلى جهاز قطر للاستثمار.
المصدر : الجزيرة