دول الخليج أمام تحدي معالجة تضخم فاتورة الرواتب

دول الخليج أمام تحدي معالجة تضخم فاتورة الرواتب

تواجه دول الخليج العربي تحديا كبيرا يتمثل في حتمية معالجة تضخم فاتورة الرواتب وفق خطة مرحلية تأخذ بعين الاعتبار عدة معايير مستدامة على الرغم من تحقيقها بعض النجاح في التأقلم مع ظروف الجائحة وانخفاض أسعار النفط لحماية اقتصاداتها في ظل سياساتها الإصلاحية.

لندن – شرعت حكومات الخليج منذ سبع سنوات في إجراءات تقشف شملت الحد من النفقات لمواجهة أزمة النفط مرفقة إياها بخطوات لزيادة مداخيلها غير النفطية وخفض الدعم وفرض ضرائب، لكنها لم تتمكن من الاقتراب من بند الرواتب في موازناتها السنوية.

وفي إطار العقد الاجتماعي القائم منذ عقود، تقدم حكومات المنطقة خدمات الرعاية الصحية والتعليم مجانا، فضلا عن إعانات الضمان الاجتماعي ودعما للإسكان وخدمات المرافق العامة لمواطنيها.

ومع تزايد عجز القطاع العام وأعباء الدين العام المفرطة في ظل تقلبات الاقتصاد العالمي تجد دول المنطقة نفسها اليوم مضطرة إلى إدخال تغييرات على بنود نفقاتها العامة لجعلها أكثر استدامة.

ويرى البنك الدولي أنه رغم عودة اقتصادات دول الخليج الست إلى مسار النمو في ظل أسعار نفط مرتفعة، واستجابات قويّة لمواجهة جائحة كورونا، إلا أن الفاتورة المرتفعة للرواتب لا تزال تُهدد اقتصاداتها.

وقال خبراء البنك في تقرير حديث نشره على منصته الالكترونية إن “موازنات دول المجلس تتعرض لضغوط كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف الرواتب”.

البنك الدولي: موازنات الخليج تتعرض لضغوط بسبب ارتفاع تكاليف الرواتب

وركزوا في تحليلهم على وجوب الإسراع في معالجة فاتورة الرواتب، وهي مقدار الإنفاق الحكومي على الرواتب والمزايا التي تمنحها دول الخليج للموظفين الحكوميين.

وأشار الخبراء إلى أن ذلك سيتطلب تبني خطة إصلاح واضحة المعالم تعالج أوجه الترابط بين إصلاحات المالية العامة وجهاز الخدمة المدنية وسوق العمل، فضلاً عن وضع استراتيجية تواصل فاعلة يمكنها إقناع المواطنين بحتمية الإصلاح.

وبالإضافة إلى الضوابط قصيرة الأجل، يتعين على حكومات الخليج تطبيق تدابير شاملة لإصلاح القطاع العام، حيث تشير التجارب الدولية إلى أن الإصلاحات الناجحة تجمع بين التمتع بالحجم الصحيح للقطاع العام مع التركيز على الارتقاء بمستوى تقديم الخدمات.

ويتجاوز متوسط فاتورة الرواتب في دول الخليج خلال العقدين الماضيين المتوسط في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، باستثناء قطر والإمارات.

ولطالما حصل المواطنون على وظائف بالقطاع العام ذات أجور جيدة شبه مضمونة، ما أدى إلى إبقاء معدلات البطالة منخفضة لاسيما في سياق معدلات المشاركة المنخفضة تقليديا في الأيدي العاملة بين الخليجيين وكفل درجة عالية من التنمية والتماسك الاجتماعيين.

ووفق بيانات منظمة العمل الدولية، فإن معدلات البطالة في قطر التي تبلغ 0.1 في المئة وسلطنة عمان بنحو 1.8 في المئة والكويت والإمارات بنحو 2.2 في المئة، تُعتبر من بين الأدنى على مستوى العالم.

وتعتمد دول الخليج اعتمادا كبيرا على صادرات النفط والغاز التي تزيد نسبتها على 70 في المئة من إجمالي الصادرات السلعية على الرغم من الخطط المتعلقة بتنويع الاقتصاد والاعتماد على القطاع غير النفطي ونقل التكنولوجيا.

وظل العقد الاجتماعي في الخليج مستقرا، ونتيجة لارتفاع متوسط أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل يوميا تمكنت حكومات المنطقة من زيادة المدفوعات الاجتماعية وأجور الموظفين في القطاع العام للحفاظ على التوازن القائم بينها وبين مواطنيها.

ولكن بدءا من 2015، ومع انخفاض أسعار النفط إلى نحو 60 دولارا للبرميل، اتضح أن هذه البرامج السخية قد بلغت مستويات يتعذر الاستمرار في تحملها.

وسجلت معظم اقتصادات الخليج عجزا كبيرا في القطاع العام سنويا منذ ذلك التاريخ، مما اضطرها إلى السحب من احتياطاتها النقدية التي تراكمت خلال سنين الوفرة والانتعاش.

وبعد ذلك، وفيما كانت الموازنات العامة واقعة تحت ضغوط هائلة، جاءت الجائحة لتؤدي إلى توقف الاقتصاد العالمي، وتزيد من الضغوط على الموازنات السنوية.

وتحركت حكومات دول الخليج، شأنها شأن جميع بلدان العالم تقريبا، بسرعة لدعم مواطنيها ومؤسسات أعمالها أثناء الجائحة، لكن هذا لم يكن مجانا.

ولدى عدة دول خليجية نسبة مماثلة أو أقل من الموظفين بالقطاع العام قياسا بالبلدان الأسكندنافية التي تشتهر بتقديمها للخدمات وتمتع مواطنيها “بنمط حياة فائقة التميز”، لكنها في المقابل تدفع لموظفيها أكثر مما يمكنهم أن يتوقعوا الحصول عليه في القطاع الخاص.

متوسط فاتورة الرواتب تجاوزت خلال عقدين المتوسط بدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، باستثناء قطر والإمارات

ويتأكد هذا الأمر بشكل خاص على الوظائف عند المستوى الأول من الالتحاق بالعمل وذات المهارات المتدنية حيث يحصل الموظفون العموميون عادة على دخل أكبر بكثير من نظرائهم من القطاع الخاص.

وتُظهر العديد من التقارير الدولية أن القطاع العام في الخليج لا يزال يمثل مكان العمل الذي يفضله الكثير من المواطنين وذلك لاقترانه بمنافع غير نقدية سخية وإجازات طويلة وساعات عمل أقصر.

وهذا يثبت أنه بات يشكل عبئا على اقتصادات المنطقة نظرا إلى أن القطاع الخاص يعاني من نقص في الأفراد المتعلمين ويضطر إلى دفع رواتب أعلى للمواطنين أو إلى توظيف الوافدين من أجل تعويض هذا الفارق.

ويقول البنك الدولي إن التصدي لهذه المشكلة سيتطلب من حكومات الخليج اتباع نهج جديد بدءا بوضع ضوابط قوية للتوظيف وسقوف في الموازنة على المعاشات التقاعدية والرواتب.

وبحسب البنك زادت مخصصات موظفي جهاز الخدمة المدنية في السعودية دون ضوابط من نحو 11.7 مليار دولار في 2016 إلى 39.5 مليار دولار في 2019، بينما وظفت جارتها الكويت نحو ثلث موظفيها المدنيين خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها.

وفي ظل قلة الموارد، اضطرت سلطنة عمان إلى تقييد التعيينات الجديدة وأحالت الحكومة جميع الموظفين الذين تزيد مدة خدمتهم على 30 عاماً إلى التقاعد.

ومع ذلك، تواصل مسقط تقديم معاش تقاعدي سخي يعادل 77 في المئة من الراتب النهائي، ما يحول المشكلة فعليا من فاتورة الرواتب إلى نظام المعاشات التقاعدية، التي ستظهر معالمه مع مرور الوقت.

العرب