جاءت النتائج النهائية للانتخابات العراقية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات لتقضي على آخر آمال الخاسرين من جماعات «الإطار التنسيقي» الشيعي. وكان من المؤمل أن تعلن النتائج في غضون 24 ساعة من اعتماد العد والفرز الإلكتروني طبقاً لقانون الانتخابات الجديد، إلا أن إعلانها بصورة غير نهائية خلف تداعيات خطيرة على المشهد السياسي. فمن جهة، اعترضت قوى كثيرة عدت نفسها خضعت لعمليات تزوير منظم، وهي في الغالب القوى التي تملك النفوذ والسلاح، والتي يضمها ما بات يسمى «الإطار التنسيقي»، وهو كيان يضم الكتل الشيعية ما عدا التيار الصدري. ومن جهة أخرى، تأخر عملياً إعلان النتائج النهائية لأكثر من شهر ونصف، وهو ما لم يحصل في كل الانتخابات السابقة بدوراتها الأربع. الفارق بين النتائج الأولية والنهائية 5 مقاعد.
النتائج النهائية أبقت التيار الصدري في المرتبة الأولى بـ73 مقعداً برلمانياً (من أصل 329)، ثم يأتي النواب المستقلون بواقع 38 مقعداً، ثم حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي بـ37 مقعداً، ثم ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي بـ33 مقعداً، يليه الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ31 مقعداً، والتحالف الكردستاني بـ18 مقعداً.
وأمام هذه النتائج النيابية فإن تشكيل الحكومة العراقية القادمة سيكون محكوما باحتمالين لا ثالث لهما:
الأول: حكومة القوى الوطنية: تجمع الصدريين والحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالإضافة إلى عدد من المستقلين ينضمون إلى قائمة الصدريين والحلبوسي.
وفي حال تشكيل هذه الحكومة فإنها ستكون لها شعبية في الشارع العراقي لأنها استبعدت الفصائل التي كانت سببًا في تدهور أوضاع العراق الأمنية والاقنصادية والسياسية، كما أن أثر هذه الحكومة سينسحب على هيئة الحشد الشعبي ليس بإلغائه وإنما بإدماجه في المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية وبهذا الدمج تتلاشى ما يمسى بالفصائل أو سرايا كما تنتنهي ظاهرة “حج فلان” و” شيخ فلان”. وتصبح خاضعة تمامًا لهيئة الأركان العراقية وللقائد العام للقوات المسلحة العراقية.
ومع هذه الحكومة الوطنية العراقية، فإن حظوظ مصطفى الكاظمي في ترؤسها كبيرة جدا وذلك للأسباب التالية:
١.أصبح الطريق سالكا أمام الكاظمي برئاسة الوزراء لمرة أخرى. بعد فشل تكتل هادي العامري بالحصول على مقاعد نيابية تؤهله للترشيح للوزارة وحصوله على ١٧ مقعدا …
٢.أصبح الصدر أكثر حضورا لترشيح الكاظمي ب٧3 مقعدا وهو الأعلى بين جميع الكتل والأحزاب السياسية.والذي يعلن دائما أن لا ملاحظة له على أداء الكاظمي. والأخير يقول أن لا مقاومة حقيقية في العراق إلا الصدريين وهذا يشكل توافقا سياسيا واضحا.
٣.لا توجد ممانعة إقليمية ودولية وعربية لإعادة ترشيح الكاظمي ولا اعتراضات على شخصه بعد تحقيقه نجاحات سياسية واقتصادية وبناءه علاقات جيدة مع المحيط العربي.
٤.أدركت المليشيات الولائية أن الخريطة الإقليمية تغيرت والأوضاع ليس على هواها وطموحاتها. وهذا يشكل رقما إضافيا للكاظمي .
٥.ساهم الكاظمي في تغيير قانون الانتخابات وفسح المجال بمشاركة شباب الاحتجاجات الشعبية ووضع برنامج لخروج القوات الأمريكية.
٦.تبني مجلس الأمن الدولي والدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية نتائج الانتخابات والاعتراف بنزاهتها عكست صورة جيدة لأداء حكومة الكاظمي الذي تعهد بإجراء انتخابات مبكرة ووفى بالعهد.
وستكون إيران هي الدولة الإقليمية المجاورة للعراق متخوفة جدا من التعامل مع حكومة ذات منهج وطني عراقي، لأنها ستكون هذه المرحلة من تاريخ العراق المعاصر، بداية انحسار النفوذ الإيراني في العراق.
وفي اجتماع الإطار التنسيقي مع السيد مقتدى الصدر في منزل هادي العامري، أصر الصدر على أن تكون الحكومة المقبلة بغالبية سياسية، وليست توافقية، أكدها بقوة أثناء الاجتماع مع الإطار التنسيقي كما يسمى، الذي يوصف بأنه ذو غالبية ولائية، تؤمن بولاية الفقيه المعتمدة في المرجعية الإيرانية، ولا تتبع مرجعية النجف العراقية في الأمور الشرعية والعقائدية.
ولقد جوبه الولائيين بثوابت الصدر الخمسة التي أطلقها، وهي لا بد من حكومة أغلبية وطنية، والمقاومة كانت وما زالت وستبقى صدرية، ولا بد من الرجوع إلى المرجعية في النجف حصراً كمرجعية للجميع، وحكومة أغلبية لا توافقية أو محاصصية على الإطلاق، ومحاربة الفساد من أولوياتنا وأهدافنا، التي وجدوها خارج توقعاتهم في احتمالية تخليه عن فكرة الأغلبية.
ومما عقد المشهد عليهم بإقناعه بالعودة إلى صيغة الائتلاف الشيعي الموحد الذي أخفى الأسى وخيبة الأمل، تأكيد السيد مقتدى الصدر الذي جاء إلى بغداد من النجف، ليقول للجميع لقد انتهت مهلة التشكيك في الانتخابات ونتائجها، وها نحن نتقدم خطوة نحو الكتلة الأكبر وبالقانون، التي تمكنت من أن تقدم مرشحاً لرئاسة الحكومة، وقد يكون الكاظمي أولهم، وإن لم توافقوا سنلجأ إلى تقديم مرشح نجري عليه تصويتاً إلكترونياً سرياً في مجلس النواب المقبل، وهو الذي يختار قبالة مرشحكم، وستقبلون الفائز، وهذا الذي سيحدث لاختيار رئيس الحكومة المقبلة التي سيكون المرشح الأوفر حظاً لها هو الكاظمي، كما يرجح المراقبون المقربون، من الدائرة الضيقة للصدر.
إن إصرار السيد مقتدى الصدر على تشكيل الأغلبية الوطنية يعني مغادرة العراق الاصطفافات الطائفية والمناطقية السابقة، وهذا موقف وطني يُسجَّل له. فالصدر يتمتع بشعبية كبيرة وبدأ في التناغم مع خط رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وهو خروج العراق من الهيمنة الإيرانية.
الإحتمال الثاني، وهو الاحتمال الذي تسعى الفصائل والقوى السياسية العراقية الحليفة إلى إيران في تشكيل حكومة ذات محاصصة قومية ومذهبية أو ما يطلق عليها بالحكومة الإئتلافية ومن أجل تحقيق ذلك جاءت زيارة إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني لإقليم كردستان ولقائه بقيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لإقناعهما والضغط عليهما في ذات الوقت في عدم المشاركة في الحكومة الوطنية والانضمام إلى الحكومة الإتلافية.
في حال تشكيل هذه الحكومة فإن إيران هي المستفيد الوحيد في تشكيلها، بينما الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، لن تقبل تشكيل الحكومة أو مشاركة حلفاء إيران فيها، وفي هذه الحالة ربما تطبق الولايات المتحدة اجراءات اقتصادية صارمة على حكومة الإئتلاف الوطني منها على سبيل المثال وليس الحصر، ربما تقدم واشنطن على رفع حمايتها على الأموال العراقية واستئناف الدول في المطالبة بتعويضاتها المالية من العراق، والأخطر من كل ذلك أن تمنع الولايات المتحدة الأمريكية تدفق الدولار الأمريكي كونه عملة قيادية إلى العراق باعتبارة العملة الأهم في المشتريات الدولية.
ويتفق المراقبون على ان الانتخابات الأخيرة، أبرزت العديد من المؤشرات أولها انها أسفرت عن صعود قوى مستقلة وأخرى تمثل انتفاضة تشرين، مع توقع ان تشهد قبة البرلمان لأول مرة معارضة، وهو ما يعد هزيمة لأحزاب السلطة، ويبعث بعض الأمل بامكانية وجود قوة سياسية في البرلمان تتحدث عن مصالح وهموم المواطنين. كما أكدت النتائج ان العراقيين رفضوا أغلب الفصائل والأحزاب الولائية، التي وقفت ضد مصالحهم وأوصلت البلد إلى حالة التدهور الحالية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات