تتوالى التحذيرات الداخلية والخارجية من مغبة تطيير الانتخابات النيابية اللبنانية لما لذلك من تداعيات لا يمكن التكهن بعواقبها على اللبنانيين، خاصة وأن الجهات الدولية المانحة تنتظر حكومة جديدة قادرة على رسم السياسات الإصلاحية المطلوبة، فيما ينشد اللبنانيون تغييرا في المعادلة السياسية تبدو آمالهم فيه ضعيفة.
بيروت – تعكس تحذيرات رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من مقايضة بين الرئيس اللبناني ميشال عون وحليفه حزب الله لتطويق المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار مقابل قبول الطعن الذي تقدم به التيار الوطني الحر في قانون الانتخاب ما ذهبت إليه أوساط سياسية عدة قالت إن هناك مساعي حثيثة لتطيير الانتخابات النيابية المزمع عقدها في الربيع القادم وهو ما يخدم تيار عون المتخوف من نتائجها في وقت تتراجع فيه شعبيته.
وقال جعجع، المناوئ الشرس لحزب الله والذي يحمّله مسؤولية تدهور الأوضاع في لبنان رفقة حلفائه، إنه “سيواجه أي محاولة مقايضة تحصل بين عون وحزب الله لتطويق بيطار مقابل قبول الطعن في قانون الانتخاب”.
وأضاف في تصريحات إعلامية “لا بدّ أن تجرى الانتخابات النيابية في موعدها، لا يمكن لأحد الإطاحة بها تحت أي ظروف”.
سمير جعجع: سنواجه أي محاولة مقايضة تحصل بين عون وحزب الله
وتأتي تصريحات جعجع في الوقت الذي كشفت فيه مصادر لبنانية مطلعة أن وصفة استئناف مجلس الوزراء اللبناني المعطل منذ أكثر من شهر بسبب شروط حزب الله قد رتبت وتنص على مساندة التيار العوني لتطويق المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت مع ترك ما لا يدخل في صلاحياته للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو مخرج يرضى به حزب الله، مقابل قبول الحزب للطعن الذي تقدم به التيار للمجلس الدستوري، وهو ما يعني عمليا تطيير الانتخابات إلى ما بعد الربيع القادم.
وتقدم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بطعن في تقديم موعد الانتخابات إلى شهر مارس بدلا من شهر مايو وإلغاء المقاعد الستة المخصصة للبنانيين في الخارج، بالإضافة إلى تطبيق الكوتا النسائية.
واعتمد طعن التيار في قانون الانتخابات، الذي لمّح عون إلى عدم ختمه، على أسباب لوجستية وأخرى طبيعية، يقول مراقبون إنها أسباب غير مقنعة تعكس الرغبة المسبقة في تطيير موعد الانتخابات إلى حين ترتيب البيت الداخلي والتحالفات التي من شأنها أن تكون في صالح التيار الذي يشهد تراجعا في شعبيته، خاصة في بيئته المسيحية.
وتقول أوساط لبنانية إن حزب الله يخاف بالدرجة الأولى على حظوظ شريكه الذي تراجعت نسبة الثقة فيه داخل بيئته المسيحية التقليدية، بينما نجحت كتل وشخصيات أخرى في ملء الفراغ الذي تركه، خاصة في ظل ارتهان مستقبل التيار بفرض باسيل على رأسه كونه صهر عون.
وأضافت هذه الأوساط السياسية أن حزب الله أجرى تقييما داخليا للوضع السياسي الراهن ولحظوظ الحزب وحلفائه في الحصول على نتائج شبيهة بالتي حصلوا عليها في الانتخابات الماضية، وأن التقييم أفضى إلى تسجيل مخاوف جدية على حظوظ الحزب في مناطق سيطرته خاصة لدى الفئات الشبابية.
ولا يريد حزب الله أن تجرى الانتخابات في ظروف يطغى عليها تعكّر المزاج العام ويتنامى فيها الغضب على الطبقة السياسية التي تم تحميلها مسؤولية الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد، ويعتقد أن تأجيل الانتخابات بالرغم من مساوئه سيكون أفضل من إجرائها دون التأكد من تحقيق نتائج جيدة.
ويريد اللبنانيون الرازحون تحت وطأة الأزمات تغيير أوضاعهم وبناء مؤسسات تؤمّن لهم العيش الكريم، لكن آمالهم في تحقيق ما يصبون إليه عبر الانتخابات النيابية ضعيفة.
وتعتبر الانتخابات النيابية الآلية الأساسية التي تضمن للمواطنين حرية اختيار من يمثلهم ويعبّر عن تطلّعاتهم.
ويرى بعض اللبنانيين أن الانتخابات النيابية التي ستحصل في الربيع المقبل هي مجال للتغيير، حيث يمكن أن يسمح خوضها بفوز أكثرية نيابية تنتج سلطة جديدة وتعمل على إنقاذ البلاد من براثن انهيار اقتصادي ومالي كاد يقضي عليها، فيما يتوقع آخرون أن تعيد القوى السياسية الحالية إنتاج نفسها عبر الانتخابات النيابية.
وستكون الانتخابات النيابيّة المقبلةُ الانتخابات الأولى بعد انطلاق الحراك الشعبي في السابع عشر من أكتوبر 2019، والذي طالب المشاركون فيه بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ومحاسبة الطبقة السياسية المتهمة بالفساد.
وأفرز هذا الحراك أكثر من 200 مجموعة، من بينها مجموعات حزبية وأخرى ذات طابع نقابي وأساتذة جامعيون وعسكريون متقاعدون وغيرهم. لكن هذه المجموعات فشلت في تأسيس جبهة سياسية معارضة بديلة عن قوى السلطة.
حزب الله لا يريد أن تجرى الانتخابات في ظروف يطغى عليها تعكّر المزاج العام ويتنامى فيها الغضب على الطبقة السياسية
ومن المتوقع أن تشارك العشرات من المجموعات التي أفرزها الحراك الشعبي في الانتخابات النيابية المقبلة باعتبارها مجالاً لتحقيق التغيير الذي ينشده اللبنانيون، بعد أن دمرت الأزمات المتلاحقة آمالهم فاندفع مئات الآلاف منهم إلى أصقاع العالم حاملين في حقائبهم وطنهم الجريح الذي لم يعرف أهله حتى الآن كيف يضعون إصبعهم على الجرح، ولم يتفقوا على الدواء المناسب لبلسمة جراحه.
وقال المهندس ألان أيوب والناشط في مجموعة ” لبنان عن جديد”، من نشطاء المجتمع المدني، “إن الانتخابات النيابية المقبلة هي فرصة أخيرة للتغيير وإن لم تحدث تغييراً فستشكل خيبة أمل أبدية”.
ورأى أن “الطبقة السياسية تسعى للتهرب من الانتخابات النيابية بحجج كثيرة، منها موعد الانتخابات وانتخابات المغتربين والطعون التي تم تقديمها في التعديلات التي أقرها المجلس النيابي على قانون الانتخاب مؤخراً”.
وأضاف “يبدو أنه لا توجد نية لدى الطبقة السياسية لإجراء الانتخابات، بالرغم من وجود ضغط دولي لإجرائها في موعدها”.
وعن التغيير الذي يمكن أن تحدثه الانتخابات النيابية اعتبر أيوب أن “الانتخابات في النقابات والجامعات التي جرت مؤخراً أظهرت فوز قوى تغييرية جديدة، وهذا الأمر يمكن أن ينسحب على الانتخابات النيابية”.
وتوقع أيوب أن “تفوز القوى التغييرية في الانتخابات النيابية المقبلة بعدد من المقاعد النيابية يتراوح بين عشرة وعشرين على الأقل، شرط أن تتوحد قوى المعارضة، وهناك جهود بهذا الاتجاه، حيث بدأت مجموعات المجتمع المدني المعارضة بالتحضير للانتخابات النيابية، ولكن التحضيرات لا تزال خجولة”.
وقال “لقد بدأت مجموعة ‘لبنان عن جديد’ تحضيراتها للانتخابات من خلال التواصل مع الناخبين وتحضير لوائح الشطب، كما قمنا بحث المغتربين على التسجيل لممارسة حقهم في الاقتراع”.
وانتهت في العشرين من نوفمبر الماضي مهلة تسجيل اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية للاقتراع في الانتخابات النيابية المرتقبة في ربيع عام 2022، وبلغ عدد الناخبين المسجلين 244442 ناخبا مقارنةً بـ92810 ناخبين في انتخابات عام 2018.
العرب