احتفاء أردوغان بالقمة الأفريقية لا يحجب عن الأتراك معضلة الليرة

احتفاء أردوغان بالقمة الأفريقية لا يحجب عن الأتراك معضلة الليرة

إسطنبول – باءت محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتشتيت الأنظار عن أزمة التراجع القياسي لسعر العملة بالفشل؛ إذ لم يُجْد الاستعراض في القمة التركية – الأفريقية نفعا، وتركز الاهتمامُ الشعبي التركي على ما يبدو معضلةً اقتصادية تعالَج بطريقة معكوسة.

ونشط الرئيس التركي الجمعة في استقبال الرؤساء الأفارقة الضيوف الذين يشاركون في القمة المقررة اليوم السبت من أجل تعميق الشراكة الأفريقية – التركية، لكن أنظار الأتراك موجهة إلى أزمة الليرة وكيفية الخروج منها في ظل ضبابية الموقف الرسمي وتمسك أردوغان بتطبيق “سياسة غير تقليدية” من باب خالِفْ تُعرفْ.

وتفاقمت أزمة العملة التركية الجمعة؛ إذ هوت ثمانية في المئة إلى انخفاض قياسي جديد أمام الدولار، وسط مخاوف من اشتداد دوامة التضخم التي أحدثتها خطة أردوغان لخفض أسعار الفائدة في مواجهة ارتفاع الأسعار.

ووصل سعر الليرة إلى 17.0705 للدولار، مما أدى إلى تدخل البنك المركزي في السوق بشكل مباشر لدعم العملة التركية المتعثرة، وهو التحرك الخامس الذي يقوم به هذا الشهر لمواجهة ما وصفه بالأسعار “غير الصحية”.

وأدى قرار أردوغان المضي قدما في خفض سعر الفائدة الرئيسي 500 نقطة أساس منذ سبتمبر -بما في ذلك خفض كبير آخر الخميس- إلى ارتفاع التضخم وتجاوزه نسبة 21 في المئة.

توقيت القمة لا يتناسب مع الظرف الذي تعيشه تركيا، وهي تَعِد بمشاريع مستقبلية فيما الأتراك يريدون حلولا عاجلة

ويقول خبراء ومحللون اقتصاديون إنه من المرجح أن يتجاوز التضخم 30 في المئة العام المقبل بسبب ارتفاع أسعار الواردات وزيادة الحد الأدنى للأجور، مشيرين إلى أنه ستكون لهذا المسار تداعيات جسيمة على مستوى المعيشة، خاصة بعد أن أصبح أغلب الأتراك يلاقون عنتًا في توفير حاجياتهم (المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى).

وكانت الآثار غير المباشرة سريعة ومؤلمة؛ فقد شهد الأتراك مدخراتهم وأرباحهم تتلاشى.

ويرى المحلل الأميركي الهندي الأصل بوبي جوش -المحرر الرئيسي لمجلة “تايم” الأميركية- أن تمسك أردوغان الغريب بخفض سعر الفائدة، رغم أن ذلك يعني المزيد من ارتفاع معدل التضخم، جعل العملة التركية في أقل مستوى لها أمام الدولار منذ 20 عاما، كما أضر بالاقتصاد التركي الذي يعتمد على الاستيراد.

وتبدد أزمة العملة ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي. ويحذر المحللون من المزيد من الصدمات الاقتصادية التي تنتظر البلاد خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد أن خفضت مؤسستا التصنيف الائتماني “إس أند بي ريتنجس” و”فيتش” تصنيفهما للديون السيادية التركية إلى عالي المخاطر.

ويقول مراقبون أتراك إن توقيت القمة الأفريقية لا يتناسب مع الظرف الذي تعيشه البلاد. كما أن هذه القمة تَعد بمشاريع وآفاق مستقبلية، والأتراك يريدون حلولا عاجلة لأزمة لم تعد تحتمل خطاب الطمأنة والوعودَ الرسمية، خاصة أن أغلب الخبراء يتوقعون أن تزيد الأوضاع سوءا إثر تمسك أردوغان بتقديم حلول تتناقض مع منطق السوق.

ويندرج عقد القمة في أنقرة -بمشاركة 16 رئيس دولة وحكومة في القمة، بجانب 102 من الوزراء الأفارقة، من بينهم 26 وزير خارجية- في إطار الرهان على إقامة علاقة استراتيجية مع أفريقيا لتكون بديلا عن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد التركي خلال السنوات الماضية بسبب السياسة الصدامية التي ينتهجها أردوغان، والتي أفقدته مزايا وفرصا كان يتمتع بها في علاقته بأوروبا والشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الجمعة إن بلاده تهدف إلى “الربح المشترك مع أفريقيا، والسير سويًّا نحو المستقبل، ورؤيتنا للعلاقات مع أفريقيا استراتيجية وطويلة الأمد”. جاء ذلك في كلمة ألقاها في افتتاح اجتماع وزراء خارجية الدول المشاركة في القمة الثالثة للشراكة التركية – الأفريقية المقامة في إسطنبول.

وأبرم الرئيس أردوغان خلال جولة شملت أنغولا وتوغو ونيجيريا في أكتوبر الماضي اتفاقات في مجالات تراوحت بين الدفاع والطاقة.

ونوعت أنقرة تعاملاتها مع دول القارة الأفريقية لتشمل المجالات الاقتصادية والإنسانية والثقافية والدينية، لكن الأهم في هذه الشراكة هو إقبال الأفارقة على الطائرات المسيرة التركية التي تعززت سمعتها بفعل الحرب في أذربيجان وليبيا، في الوقت الذي تروّج فيه تركيا لمعدّاتها العسكرية بأسعار مخفّضة وبشروط ميسّرة، حتى أن المجلة الفرنسية الاقتصادية “كابيتال” قالت إن “تركيا تبيع طائراتها المسيرة المسلحة كالخبز الطازج”، في إشارة إلى كثافة الإقبال على هذا النوع من الطائرات.

وقال أردوغان مرحبّا -بعد جولته في أنغولا ونيجيريا وتوغو- “أينما ذهبت في أفريقيا، الجميع يتحدّثون إليّ عن الطائرات دون طيّار”.

واعتبر الباحث في العلاقات الدولية بجامعة جنوة في إيطاليا فيديريكو دونيلي أن “مجال الدفاع أصبح أحد الأصول الجديدة: تركيا طوّرته كثيرًا، خصوصًا الطائرات دون طيّار”، مضيفا أنها “لا تقدّم معدّات فقط، بل تقدّم أيضا تدريبات مثلما تفعل في الصومال مثلًا”.

ويقول الباحث الإيطالي “تتمتّع تركيا -بفضل طائراتها دون طيّار- بمزايا أكثر عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع الدول الأخرى”.

العرب