قد يُصاب المستثمرون الذين يأملون تحقيق نتائج إيجابية في أسبوع عيد الميلاد، بخيبة أمل كبيرة، إذ انخفضت أسعار الأسهم والنفط في مواجهة التهديدات المتزايدة للاقتصاد العالمي، ما يمكن اعتباره صورة مصغرة لما يحدث من تراجعات وخسائر للأسواق خلال العام المقبل، بينما يستعد العالم لوداع عام 2021.
في بيان على صفحته في موقع “تويتر”، قال محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة “أليانز” للتأمين، إن “الأسواق العالمية تقدر مخاوف نمو أكبر على خلفية الأخبار المتعلقة بـ”أوميكرون” نهاية الأسبوع… قد تلعب الآفاق الباهتة للحزمة المالية الأميركية دوراً أيضاً”.
أما في أسواق الأسهم، فانخفض مؤشر “داو جونز” بأكثر من 650 نقطة بما يعادل تراجعاً بنسبة 1.9 في المئة، في تعاملات الإثنين 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وفيما انخفض مؤشر “ستاندارد أند بورز 500” بنسبة 1.8 في المئة، نزل مؤشر “ناسداك” المركب، بنسبة 1.8 في المئة. كما تراجعت مؤشرات أسواق الأسهم الرئيسة في أوروبا بنحو 1 في المئة. وعانت معظم الأسواق الآسيوية من انخفاضات أكبر، على الرغم من أن أداء مؤشر شنغهاي المركب كان أفضل قليلاً، حيث حصل على دعم متواضع من خفض سعر الفائدة التي أعلنها بنك الشعب الصيني.
وفي سوق النفط، فقد انخفضت أسعار خام القياس العالمي “برنت” بأكثر من 3 في المئة إلى ما دون 71 دولاراً للبرميل. كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي مستوى 68.50 دولار للبرميل، حيث شهدت الأسعار انخفاضاً بأكثر من 3 في المئة خلال تداولات جلسة الإثنين.
ماذا وراء خسائر الإثنين؟
ويبدو أن هناك عاملَين يقودان خسائر تعاملات الإثنين. حيث تتزايد معدلات الإصابة بالمتحورة الجديدة “أوميكرون”، وتسبب ارتفاع حدة الإصابات في أوروبا والولايات المتحدة في عودة موجة الانتقادات للحكومات وتعالي المطالب بضرورة تشديد القيود على النشاط في وقت حرج من العام، وبخاصة لصناعات الترفيه والتجزئة. وتضاءلت آفاق الاقتصاد الأميركي بعد أن قال السيناتور الديمقراطي جو مانشين، إنه سيعارض مشروع قانون إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تبلغ قيمته 1.75 تريليون دولار تحت عنون “إعادة البناء بشكل أفضل”.
وفق شبكة “سي أن أن”، كتب جيفري هالي، كبير محللي السوق، أن “مزيجاً من ضغط الأعصاب الذي تتسببت فيه المتحورة أوميكرون، لا سيما في المملكة المتحدة وأوروبا، وفشل خطة إنفاق الرئيس بايدن… أدى كل ذلك، إلى اتجاه الأسهم إلى المنطقة الحمراء، وانتقلت موجة الخسائر من أسواق الأسهم الأميركية والأوروبية إلى الأسواق الآسيوية”.
وعقب تصريحات السيناتور الديمقراطي جو مانشين، فقد أعلن بنك “غولدمان ساكس”، خفض توقعاته للنمو للاقتصاد الأميركي. فيما أخبرت “وول ستريت”، العملاء أنها لم تعد تفترض أن التشريع الذي وقع عليه الرئيس جو بايدن سوف يمر عبر الكونغرس الأميركي.
ومستشهداً بـ”الزوال الواضح” لمشروع الرئيس “بايدن” الذي يحمل عنوان “إعادة البناء بشكل أفضل”، يتوقع بنك “غولدمان ساكس”، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بوتيرة سنوية تبلغ 2 في المئة خلال الربع الأول من العام المقبل، بانخفاض عن 3 في المئة خلال الربع الأخير من العام الحالي.
اقتصادات كبرى على حافة الركود
ما يزيد الطين بلة، هو التهديد الذي تشكله المتحورة الجديدة “أوميكرون”، على الأعمال التجارية. وتشير البيانات، إلى أنه تم التعرف على المتغير شديد القابلية للانتقال في 47 ولاية أميركية. ومع استمرار وجود المتحورة “دلتا”، فإن حالات الإصابة بفيروس كورونا ومتحوراته آخذة في الارتفاع في بعض المناطق. حيث سجلت نيويورك رقماً قياسياً جديداً لحالات الإصابة بفيروس كورونا ليوم واحد لليوم الثالث على التوالي، الأحد الماضي، وفقًا لمكتب الحاكم كاثي هوشول.
وتنتشر أيضاً المتحورة “أوميكرون”، بسرعة في أوروبا، مما دفع الحكومات في كل أنحاء المنطقة إلى إدخال تدابير جديدة تقيد السفر والنشاط الاجتماعي. إذ فرضت هولندا إغلاقاً صارماً، الأحد (19 ديسمبر). بينما قالت فرنسا، الجمعة الماضي، إنها ستحظر الأحداث والتجمعات الكبيرة في الهواء الطلق ليلة رأس السنة. كما أغلقت الدنمارك دور السينما والمسارح، وقيدت عدد الأشخاص في المتاجر هذا الأسبوع.
وفي ألمانيا، التي تمتلك أكبر اقتصاد في المنطقة، تتأرجح بالفعل على حافة الركود. وفي مذكرة بحثية حديثة، كتب هولجر شميدنغ، كبير الاقتصاديين في “برنبرج”، أنه “حتى لو كانت الحقن المعززة فعالة في الحد من المخاطر الطبية، فإن الانتشار السريع للمتحورة أوميكرون يمكن أن يثقل كاهل الأنظمة الصحية ويجبر الدول على اتباع هولندا واعتماد قيود أكثر ضرراً اقتصادياً”. وأضاف أنه “إذا حدث ذلك، فمن الممكن أن تشهد منطقة اليورو والمملكة المتحدة انكماش اقتصاداتهما بنسبة 1 في المئة خلال الربع الأول من عام 2022، مقارنة بالأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام”، فيما قال نائب رئيس الوزراء البريطاني، دومينيك راب، إنه لا يستطيع استبعاد المزيد من القيود المفروضة بسبب ارتفاع حدة الإصابات بفيروس كورونا ومتحوراته قبل عيد الميلاد في إنجلترا.
تأجيل منتدى “دافوس” الاقتصادي
في السياق، أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس”، أنه سيؤجل اجتماعه السنوي المقرر عقده في الفترة من 17 إلى 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، حتى أوائل الصيف بسبب عدم اليقين بشأن تفشي “أوميكرون”. وقال المنتدى في بيان، إن “الظروف الوبائية الحالية تجعل من الصعب للغاية عقد اجتماع شخصي عالمي”، مشيراً إلى تأثير “أوميكرون” على السفر.
وفي لندن، أُجبرت بعض الحانات والمطاعم على الإغلاق بسبب تزايد الإصابات بين الموظفين وانهيار أعداد الزبائن. كما تم تأجيل ست مباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم خلال عطلة نهاية الأسبوع بسبب انتشار الإصابات بفيروس كورونا بين اللاعبين.
في المقابل، تشهد الصين بالفعل تباطؤاً اقتصادياً كبيراً، بسبب أزمة العقارات، وقمع الشركات الخاصة، وتفشي فيروس كورونا، الذي عطل التصنيع والشحن، وتسبب في أزمة الطاقة. ويقول باحثون، إن ثاني أكبر اقتصاد في العالم قد ينمو بأبطأ وتيرة منذ سنة 1990 العام المقبل.
الناتج الأميركي يواصل التراجع
في مذكرة بحثية حديثة، قلص بنك “غولدمان ساكس”، توقعاته للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني إلى 3 في المئة من 3.5 في المئة، والربع الثالث إلى 2.75 في المئة من 3 في المئة. وأشار إلى انتهاء فترة الإعفاء الضريبي للأطفال وقلة الإنفاق في مجالات أخرى كما كان متوقعاً.
وأكد “غولدمان ساكس” أن تقارير التضخم المقبلة من غير المرجح أن تساعد في تغيير المد مرة أخرى لصالح إعادة البناء بشكل أفضل. ارتفع مؤشر أسعار المستهلك في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بنسبة 6.8 في المئة عن العام السابق، وهي أكبر قفزة في 12 شهراً خلال 39 سنة.
وذكر أنه “مع وصول مؤشر أسعار المستهلك الرئيس إلى 7 في المئة خلال الأشهر القليلة المقبلة في توقعاتنا قبل أن يبدأ في الانخفاض، يُرجَّح أن تستمر مخاوف التضخم التي عبر عنها السيناتور مانشين وآخرون بالفعل، مما يجعل المرور أكثر صعوبة… ومن المرجح أيضاً أن تحول متحورة أوميكرون الاهتمام السياسي مرة أخرى إلى القضايا المتعلقة بالفيروسات والابتعاد عن الإصلاحات طويلة الأجل”.
وأشار إلى أن الفرص المنخفضة في أن يكون لإعادة البناء بشكل أفضل “آثار سلبية على الاستهلاك على المدى القريب” ولكن يُحتمل أن يكون لها بعض “الآثار الإيجابية” بالنسبة للأسواق المالية. على وجه التحديد، تلاشت فرص زيادة ضرائب الشركات- وكانت فواتير الضرائب المرتفعة تلك ستؤثر على صافي أرباح شركات مؤشر “ستاندارد أند بورز 500”. وقال “غولدمان ساكس” أيضاً، إنه أمر إيجابي لشركات التكنولوجيا الحيوية التي كان من الممكن أن تتضرر بمقدار 100 مليار دولار من تخفيضات الأسعار في برنامج الرعاية الطبية.
وأوضح أن هناك فرصة لأن يمرر الكونغرس بعض الأحكام القصيرة الأجل الأصغر التي تهدف إلى القضايا المتعلقة بالفيروسات. كما أن هناك قدراً كبيراً من عدم اليقين بشأن مصير الائتمان الضريبي للأطفال الموسع والذي كان جزءاً رئيساً من برنامج الرئيس الأميركي جو بايدن. وفي حين أن هناك “فرصة” لأن يمدد الكونغرس الائتمان بأثر رجعي، قال “غولدمان ساكس”، إن “احتمالات حدوث ذلك تبدو أقل حتى في هذه المرحلة”.
اندبندت عربي