الدوحة – تواجه قطر تحديات كبرى استعدادا لمونديال كرة القدم الذي لم يتبق على انعقاده سوى أحد عشر شهرا، وفيما ترى السلطات المحلية أن نجاحها في تنظيم كأس العرب كان نقطة انطلاق نحو الاستحقاق العالمي وبروفة تؤهلها لتنظيم المونديال على أحسن وجه، يقول مدربون غربيون ومسؤولون في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إن استضافة المونديال رهان كبير لا ينبغي على السلطات في الدوحة الاستهانة به وعليها الانتباه إلى كل الأخطاء التي حصلت خلال الحدث الكروي العربي.
وعلى مدى تسعة عشر يوما استضافت الدولة الخليجية الصغيرة الغنية بالغاز والشغوفة بلعب أدوار كبرى على الصعيد الدولي منافسات كأس العرب بمشاركة ستة عشر منتخبا، واختبرت خلالها ستة من ملاعبها الثمانية المترفة التي ستستضيف المونديال العالمي للمرة الأولى في الشرق الأوسط.
ونظمت قطر على ملاعبها 32 مباراة بمجمل حضور بلغ أكثر من 600 ألف متفرّج، ومشاركة خمسة آلاف متطوّع من 90 دولة من بينهم 350 من خارج البلاد.
كارلوس كيروش: لا بدّ من تحسين التواصل داخل الملاعب وخارجها
وكانت مباراة قطر والإمارات في ربع النهائي الأكثر حضورا بـ63 ألف متفرّج على ملعب “البيت” الذي دُشّن في هذه البطولة واحتضن مباراة نهائية حضرها 60 ألف متفرج.
وأشاد رئيس الفيفا جياني إنفانتينو بالبطولة خلال اجتماع مع ممثلي سفراء الدول في قطر حيث قال “شهِدنا في النسخة الحالية من كأس العرب كيف أن التنافس الدولي أبهر شعوب الدول المتنافِسة”.
وفيما يأمل المنظّمون قدوم 1.2 مليون زائر في أول مونديال في الشرق الأوسط، تُطرح تساؤلات حول قدرة قطر على استقبال هذا الكم خلال شهر واحد.
ويقول عبدالعزيز المولوي مدير إدارة عمليات النقل في اللجنة العليا للمشاريع المضيفة إنه تم الانتهاء من “محطة طيران خاصة بالفرق بحيث تم استقبال 15 منتخباً على مطاري حمد والدوحة الدولي”.
وعن تعرّض شبكة المترو -التي عملت 21 ساعة يومياً خلال البطولة- لعطل أجبر المتفرجين على إيجاد حلول بديلة، قال المولوي “حدث عطل لفترة محدودة. تمت معالجة هذه الأخطاء قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها”.
وفيما رأى جاسم الجاسم نائب رئيس العمليات في مونديال قطر أن بلاده “تسعى للحصول على دروس مستفادة لتنظيم أفضل كأس عالم”، كشف بعض المشاركين عن ثغرات يتعيّن تحسينها في الحدث العالمي.
وقبل أقل من سنة من المباراة الافتتاحية للمونديال -المقرر في الحادي والعشرين من نوفمبر العام القادم- تبدو البلاد البالغ عدد سكانها 2.7 مليون نسمة ورشةً ضخمة؛ حيث تنتشر أعمال الطرق والصرف الصحّي ومواقع البناء في كلّ مكان تقريبا متسبّبة في ازدحامات، لكن معظم المَرافق أصبحت جاهزة.
ويجيب البرتغالي كارلوس كيروش (مدرب مصر) عن سؤال حول جاهزية قطر لاستضافة هذا الحدث الرياضي قائلا “هناك بعض الأمور يجب تحسينها، أحدها التواصل والتناغم بين الأقسام المختلفة؛ بين من هم داخل الملعب وآخرين يعملون في الخارج لإنجاح المباراة، فالناس في الخارج يتحرّكون في اتجاه ومن هم داخل الملعب يتحرّكون في اتجاه مختلف. إذا كانت لدي نصيحة لتوجيهها فهي أننا بحاجة إلى التحدّث، لأنه كلما تحدثنا بشكل أفضل كان الانسجام بين الاحتياجات داخل وخارج الملعب أفضل”.
لكن كيروش الذي كان مدربا سابقا لمنتخب البرتغال وإيران وكولومبيا أبدى إعجابه بالنسخة العربية وقال “لدينا ظروف رائعة وكل مقوّمات النجاح. بالتأكيد يجب أن تكون قطر فخورة بما أنجزته”.
وبعد اختباره كأس العالم مرّتين كلاعب وصف مدرب الجزائر مجيد بوقرة تجربته قائلا “لدي نفس الشعور حيال الأمور التنظيمية؛ كل شيء على ما يرام وليس على سبيل الإشادة بأحد. الملاعب والأرضيات رائعة”.
وتابع بوقرة المتوّج مرتين بلقب الدوري القطري مع الدحيل (لخويا سابقاً) في 2012 و2014 “يكمن الجانب السلبي في إقامتنا في فندق واحد مع الآخرين، لكن هذا لن يحصل في كأس العالم. أعتقد أن كأس العالم ستكون استثنائية”.
وأقيمت البطولة في ظل استمرار جائحة كورونا وظهور متحوّرات جديدة، بيد أن الملاعب كانت مفتوحة أمام الجماهير عبر بطاقة المشجعين “فان آي دي” قبل التخلي عنها خلال البطولة.
ويقول دانيال رايشي، الأستاذ المحاضر في جامعة جورج تاون في قطر، “لقد أبهرتني قدرة المنظمين على التعلّم من الأخطاء. على سبيل المثال لم تعمل بطاقة المشجعين بشكل جيّد، فتمّ التخلي عنها”.
دانيال رايشي: من الصعب المقارنة بين كأس العرب وكأس العالم
وعمّا إذا كان يُعوَّل على كأس العرب لمقارنتها بكأس العالم أضاف “بشكل عام أعتقد أن الاختبار سار بشكل جيّد، لكن من الصعب المقارنة بين كأس العرب وكأس العالم، لأن معظم الزوار المشجعين جاءوا هذه المرة من الداخل وفي العام المقبل سيأتون من خارج البلاد”.
وفيما تصاعدت وتيرة الحضور الجماهيري في الأدوار الإقصائية بدا إنفانتينو متفائلا بالطاقة الاستيعابية الكاملة خلال المونديال، وقال في مقابلة مع قناة الكأس القطرية “ستكون كأس العالم المقبلة بحضور جماهيري كامل، بالطبع. هذا شعوري وأنا متفائل”.
لكن المطبات التي تنتظر الفيفا والمنظمين مرتبطة بقضايا رفاه العمال المهاجرين وحقوق المثليين والسماح بتناول الكحول، ما دفع إنفانتينو إلى القول عقب اجتماعه مع مجموعة من المؤسسات السياسية والمنظمات الحقوقية “علينا أن نُقرّ بحجم التقدّم الهائل حتى الآن. لا تزال هناك تحديات، لكن السلطات القطرية تستحق الإشادة منّا جميعاً”.
وأوضح “توجد بعض المشكلات وهذا هو الحال في جميع أنحاء العالم. الأمور ليست كلها مثالية في عالمنا الغربي أيضاً، لذا علينا أن ندفع لتحقيق التقدم، لكن ينبغي في الوقت ذاته أن ندعم من يريدون بصدق تحقيقه وأن نُقرّ بأن الأمر يتطلّب وقتاً”.
في المقابل بعثت الأمينة العامة للفيفا السنغالية فاطمة سامورا برسالة واضحة للغاية، إذ تقول “مسؤوليتنا أن تكون كل واحدة من بطولاتنا شاملة. لقد كان الرئيس واضحًا جدًا، فالناس أحرار في عرض أي نوع من الأعلام التي يريدون رفعها، بما في ذلك علم قوس قزح (رمز المثليين)، دون استهدافهم أو تمييزهم”.
العرب