تركيا تجني ثمار التوتر المتصاعد بين روسيا وأوكرانيا

تركيا تجني ثمار التوتر المتصاعد بين روسيا وأوكرانيا

يترقب المجتمع الدولي بحذر تطورات الأوضاع بين روسيا وأوكرانيا حيث تشتد المخاوف من اندلاع حرب وشيكة تقودها موسكو لغزو باكو وستمتد تداعياتها على المنطقة بأكملها، إلا أن تركيا، حليفة البلدين، ستكون المستفيد الأكبر في حال اندلاع الحرب التي ستدعم تبادلاتها التجارية العسكرية وتضمن للرئيس رجب طيب أردوغان تحقيق انتصارات من شأنها أن تعوض خساراته الداخلية وتحسن صورته أمام الأتراك المتضررين من تراجع سعر العملة.

واشنطن – تحاول تركيا تنصيب نفسها كوسيط بين روسيا وأوكرانيا وسط مخاوف من اندلاع حرب واسعة النطاق بينهما.

وتشير التقارير الصادرة عن وكالات الاستخبارات الغربية إلى أن روسيا قامت بحشد ما يصل إلى مئة ألف جندي بمحاذاة حدودها مع أوكرانيا، وأن الرئيس فلاديمير بوتين قد يأمر بغزو في نهاية شهر يناير القادم.

ويقول المحلل السياسي الصربي نيكولا ميكوفيتش إنه إذا اشتعلت الحرب، فإن أنقرة، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، قد تكون أحد المستفيدين الرئيسيين، من خلال بيع الأسلحة إلى أوكرانيا وشراء الأسلحة من روسيا، ويبدو أن تركيا قد حققت بالفعل بعض أهدافها الجيوسياسية.

وتعتبر أوكرانيا تركيا واحدة من أهم مؤيديها ضد روسيا، خاصة بعد شرائها مؤخرا لطائرات دون طيار تركية الصنع المسمية “بيرقدار تي.بي 2″، وأثبتت تلك الطائرات المسيّرة أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة في الحرب التي دارت رحاها ين أذربيجان وأرمينيا على منطقة كردستان الحمراء في العام الماضي. ونجحت في قلب المعادلة لصالح باكو التي استعادت السيطرة على جزء من أراضي إقليم ناغورنو قره باغ.

وكجزء من الاتفاق، أنشأت الشركة التركية بايكار والأوكرانية يكرسبكاسكبورت شركة ما بينهما تحت مسمى درع البحر الأسود لإنتاج “بيرقدار تي.بي 2” في أوكرانيا والتي كانت من ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

نيكولا ميكوفيتش: الحرب بين أوكرانيا وروسيا سوق مربحة للأسلحة التركية

وتشير التقارير إلى أن الجيش الأوكراني يمتلك الآن عددا من طائرات الدرون “من دون طيار” العسكرية المتطورة أكثر مما تمتلكه أذربيجان، التي كانت المنتصر الواضح في الصراع الذي استمر أربعة وأربعين يوما ضد حليفة روسيا، أرمينيا.

وفي أكتوبر الماضي استخدمت أوكرانيا طائرات دون طيار من طراز “بيرقدار” ضد القوات الانفصالية المدعومة من روسيا في منطقة دونباس لأول مرة، ومن المؤكد أن تلك الأسلحة يمكن أن تكون فعالة للغاية في الحرب ضد روسيا، لكن من غير المرجح أن تكون كافية لأوكرانيا للتغلب على جبروت الجيش الروسي.

وتمتلك روسيا بالفعل خبرة في التعامل مع الطائرات الدرون التركية في ليبيا، عن طريق صراعها بالوكالة بين الجيش الوطني الليبي الذي ترعاه بقيادة خليفة حفتر، وحكومة الوفاق الوطني المدعومة من قبل تركيا، وقد نجحت قوات حفتر في استخدام نظام الدفاع الجو الروسي “بانتسير -اس1” لإسقاط عدد من الطائرات دون طيار التركية “الدرون”، ومع ذلك، يمكن أن تلحق طائرات “بيرقدار” خسائر فادحة بالوكلاء الروس في منطقة دونباس.

وبينما أعربت موسكو عن مخاوفها الشديدة من بيع تركيا للطائرات دون طيار إلى أوكرانيا، ولكن وراء الكواليس، لا يبدو أن العلاقات العسكرية المتنامية بين تركيا وأكرانيا لها أي أثر على العلاقات الروسية – التركية، بل إن روسيا تهدف إلى زيادة تعاونها العسكري مع تركيا، حيث أن هناك تقارير تشير إلى أن موسكو بدأت في نقل تكنولوجيا إنتاج بعض أجزاء نظام الدفاع الجوي إس – 400 إلى تركيا، ويخطط الكرملين لتسليم دفعة أخرى من أنظمة صواريخ إس – 400 أرض – جو إلى أنقرة، فضلا عن الحوار بين البلدين حول مساعدة روسيا لتركيا في تطوير طائرات مقاتلة متقدمة.

وتعمل تركيا على مخطط لتصنيع طائرات مقاتلة محليا، وهي طائرة مقاتلة شبحية من الجيل الخامس مع تصميم تركي، وتريد روسيا لعب دور في تصنيع تلك الطائرات، وبالنظر إلى الواقع الجيوسياسي الراهن والغاية في التعقيد، يمكن أن ينتهي الأمر بتركيا، وهي ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي، إلى بناء طائرات بمساعدة روسيا والتي قد يتم بيعها بعد التصنيع إلى أوكرانيا.

وتركيا وأوكرانيا شريكان استراتيجيان، ولا يفوت الرئيس التركي أردوغان أي فرصة للإشارة إلى أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها في عام 2014 هو عمل “غير قانوني وغير شرعي”. لكن في الوقت نفسه، تزور السفن التركية المحملة بمواد البناء شبه الجزيرة المتنازع عليها من وقت لآخر.

وعلى الرغم من أن أنقرة تدعم شفهيا وحدة الأراضي الأوكرانية، إلا أنها تواصل شراء الفحم المنتج من منطقة دونباس من روسيا، وتسيطر القوات المدعومة من روسيا على مناجم الفحم في شرق أوكرانيا، كما تقوم جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية بتصدير الفحم الأوكراني إلى روسيا، ثم تعيد موسكو تصديره إلى عدة دول، بما فيها تركيا، وفي هذا المثلث الروسي – التركي – الأوكراني، يبدو أن تركيا هي المستفيد الأول.

ومنذ نهاية شهر نوفمبر الماضي عرضت تركيا “خدمة التوسط” على موسكو وكييف ثلاث مرات، ويرى ميكوفيتش أن رغبة أردوغان في الوساطة بين بوتين والزعيم الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقوم على طموحه في أن يُنظر إليه على أنه زعيم إقليمي أو حتى قائد عالمي، وفي الوقت نفسه يهدف إلى حماية المصالح التركية في منطقة البحر الأسود، وتلك هي أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار أنقرة في مساعدة أوكرانيا.

وتستخدم تركيا أوكرانيا لمواجهة توسع النفوذ الروسي في تلك المنطقة، وكون أردوغان يواجه أزمة سقوط سعر العملة في السوق التركي، فهو في أمس الحاجة إلى انتصار في السياسة الخارجية لتحسين صورته أمام الشعب التركي، ولهذا السبب يتوقع المحلل الصربي في مقال بموقع “سنديكيشن بيورو” للرأي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، أن يستمر أردوغان في تقديم خدماته لكل من روسيا وأكرانيا.

ورفض الكرملين عرض الوساطة التركي، مدعيا أن روسيا “ليست طرفا في نزاع دونباس”، وبينما تملك السلطات الأوكرانية شرطا واضحا وهو: عدم عقد اتفاقيات في السر من دون علم أوكرانيا، إلا أن تركيا وروسيا لديهما تاريخ طويل في عقد الصفقات خلف ظهور الدول الأخرى، وتحديدا في سوريا وليبيا، ولولا وجود الولايات المتحدة بجوار أوكرانيا، لكان من المحتمل أن تكون موسكو وأنقرة قد توصلتا بالفعل إلى صفقات مربحة كثيرة.

ويتوقع ميكوفيتش أن تحاول روسيا وتركيا، وهما شريكان ومتنافسان في نفس الوقت، إيجاد طريقة لتحقيق التوازن بين عقود الدفاع المشتركة ومشاريع الطاقة الضخمة مثل خط أنابيب ترك ستريم وبناء محطة أكويو للطاقة النووية، وكذلك علاقات أنقرة مع أوكرانيا، ولكن، حتى لو اندلعت حرب بين روسيا وأوكرانيا، فمن غير المرجح أن يكون لها تأثير سلبي على العلاقات الروسية التركية، لأن شراكتهما النفعية الظرفية ستكون لها الكلمة الأخيرة.

العرب