تقول أوساط سياسية عراقية إن مسار التوافق الجاري رسمه بين تكتلي تقدم والعزم يسير بنسق سريع مهيئا الأرضية لترتيب يرضي قطبي المعادلة السنية في العراق، في مقابل ذلك تستمر الخلافات داخل المكون الشيعي في ظل عدم تجاوب التيار الصدري مع أطروحات الإطار التنسيقي القائمة على المحاصصة الأمر الذي قد يفضي إلى جمود في العملية السياسية لأشهر.
وتشير الأوساط إلى أن ما تسرب عن جولة عربية “ثنائية” لزعيمي تكتلي تقدم والعزم رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي ورجل الأعمال خميس الخنجر، يؤكد أن الطرفين مصران على طي صفحة الخلافات السابقة، والمضي قدما في التحالف، بمباركة عربية.
وكان مشعان الجبوري عضو تحالف العزم والمرشح الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، أعلن الأحد عن بدء جولة “ثنائية” للخنجر والحلبوسي تشمل ثلاث دول عربية من بينها دولة الإمارات.
وقال الجبوري في تغريدة على حسابه عبر تويتر “الخنجر زعيم تحالف العزم وصل الإمارات بعد قطيعة لسنوات في بداية جولة ثنائية تضمه هو والرئيس الحلبوسي تشمل ثلاث دول عربية يبلغان خلالها قادة تلك الدول اتفاقهم على العمل المشترك لما يخدم العراق وأبناء المدن المدمرة”.
مشعان الجبوري: جولة ثنائية لخميس الخنجر ومحمد الحلبوسي تشمل ثلاث دول عربية
ولقي خبر الجولة العربية للثنائي تفاعلا واسعا. وقال السياسي وعضو مجلس النواب الأسبق عزت الشابندر في تغريدة على تويتر “حين يكون القرار الوطني، ومصلحة العراق ووحدته، ومستقبل أبنائه القاعدة في حوارنا مع الآخر فإن التواصل المُعلَن وليس القطيعة مع جميع الدول المهتمة بالشأن العراقي (عدا إسرائيل) ضرورةٌ وطنية”.
وهذه هي الزيارة الأولى لزعيم تحالف عزم إلى الإمارات العربية المتحدة، بعد قطيعة دامت ستة أعوام، وذكرت تسريبات أن يكون الأردن وقطر الدولتين اللتين ستشملهما الجولة.
وتأمل الأوساط الشعبية السنية في أن يؤدي التحالف الناشئ بين تقدم والعزم إلى النهوض بوضعها المتأزم وحل قضية الآلاف من النازحين والمهجرين، ووفق سياسة الإهمال المتعمد لمناطقهم.
ويمثل تحالفا تقدم والعزم المكون السني في العراق، وقد تمكنا من تحقيق نجاح مهم في الانتخابات التشريعية المبكرة حيث حصل تكتل تقدم على 37 مقعدا ليحتل المرتبة الثانية في الاستحقاق بعد التيار الصدري، فيما تحصل تكتل عزم على 14 مقعدا قبل أن يعزز وضعه بانضمام مستقلين إليه ليبلغ العدد الجملي لمقاعده 34 مقعدا.
ويشكل عدد المقاعد التي حصل عليها التكتلان رقما مهما في المعادلة الانتخابية العراقية، وبالتالي سيكون على باقي الطيف السياسي العراقي الأخذ بالاعتبار شروط الطرفين ومطالبهما عند الانطلاق الجدي في صياغة ترتيبات المرحلة المقبلة.
وكان تكتلا تقدم والعزم انخرطا في مفاوضات ماراثونية على امتداد الأسابيع الماضية، توجت بلقائين بين زعيمي التكتلين أفرزا توافقا على تشكيل وفد تفاوضي موحد للحوار مع باقي الكتل السياسية في العراق، بشأن ترتيبات المرحلة المقبلة في علاقة بالرئاسات الثلاث وباقي المناصب الحكومية.
كما اتفقا الجانبان على إعداد ورقة مشتركة تعرض على الشركاء السياسيين، تتضمن رؤية موحدة وأفكارا حول الشراكة بإدارة القرار في الدولة، ومعالجة عدة ملفات استراتيجية، منها قضايا المختفين قسرا وإعادة النازحين وغيرها من الملفات المصيرية، مؤكدين على ضرورة تقديم شخصيات كفؤة للمشاركة في الحكومة المقبلة وفق مبدأ الشراكة لا المشاركة.
ويرى مراقبون أن التوافقات التي جرت بين تقدم والعزم على أهميتها بيد أنها لا تعني أن الأمور ستكون سلسة حيث هناك نقاط لم يتم حتى الآن حسمها من قبيل رئاسة البرلمان، وتوزيع المناصب الحكومية المخصصة للطائفة السنية.
وأكد تكتل العزم مؤخرا أنه لا يوجد حتى الآن اتفاق مع تقدم بشأن تجديد ولاية زعيمه محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان. وأوضح عضو التكتل عيسى العيساوي أن “الاجتماعات التي جمعت قيادة العزم مع تقدم لم تتطرق ولم تشهد أي حديث عن اختيار شخصية أو تجديد ولاية الحلبوسي لرئاسة البرلمان”.
وأضاف أن “ما ينشر في وسائل الإعلام عن وجود اتفاق مبدئي بين العزم وتقدم على تجديد ولاية الحلبوسي غير صحيح”، مشيرا إلى أن “بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، سيتم التطرق إلى ترشيح شخصيات مناسبة لرئاسة البرلمان”.
الجانبان اتفقا على إعداد ورقة مشتركة تعرض على الشركاء السياسيين، تتضمن رؤية موحدة وأفكارا حول الشراكة بإدارة القرار في الدولة، ومعالجة عدة ملفات استراتيجية
ويسعى الحلبوسي للحصول على ولاية جديدة لمجلس النواب، ويقول المراقبون إن العزم يدرك أن نجاح قيام تحالف مع تقدم يمر بالضرورة من هذا الممر، وبالتالي فإن تصريحاته بشأن عدم حصول اتفاق هو فقط من باب الضغط على تقدم لتحصيل المزيد من المكاسب سواء تلك المتعلقة بالوزارات المخصصة للطائفة السنية أو بباقي المناصب الحكومية.
ويلفت المراقبون إلى أن من المرجح على نحو بعيد أن ينجح تحالفا تقدم والعزم في تذليل باقي النقاط الخلافية، حيث أنهما يدركان أن العمل معا سيزيد من قدرتهما على تعزيز تموقعهما على الساحة، كما أن الظرفية الإقليمية تخدم قيام هكذا تكتل سني.
في المقابل فإن الوضع بالنسبة إلى المكون الشيعي وحتى الكردي، لا يبدو مريحا حيث لا تزال الخلافات تسيطر على الساحتين، فبخصوص البيت الشيعي يتمسك التيار الصدري بتشكيل حكومة أغلبية سياسية وهذا الوضع دفع على ما يبدو تحالف الفتح وشريكه ائتلاف دولة القانون إلى التحرك نحو السعي لاستمالة باقي المكونات على أمل سحب البساط من التيار.
وفي ما يتعلق بالساحة الكردية لا يزال الخلاف سيد الموقف بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، في ظل إصرار الأول على كسر العرف السائد بالحصول على منصب رئاسة الجمهورية، معتبرا أن النتيجة التي حققها في الانتخابات تمنحه هذا الامتياز.
ويقول المراقبون إن الحزب الديمقراطي يسعى لاستغلال حالة الضعف والانقسامات التي يعيشها الاتحاد الوطني، لافتين إلى أنه يحاول اللعب على وتر حاجة طرفي المعادلة الشيعية لضمان ألا تفلت منه هذه المرة رئاسة الجمهورية.
صحيفة العرب