الباحثة شذى خليل*
يشهد الاستثمار في العراق شبهات فساد في العديد من الملفات منها المشاريع الإسكانية التي تنفذها شركات الاستثمار والتطوير العقاري بالتعاون مع حيتان الفساد ومقاولين عراقيين فاسدين، ومعظمها تنفذ في أحياء راقية وسط العاصمة بغداد بمحاذاة نهر دجلة، حيث ترتفع أسعار الأراضي المطلة على النهر بالمقارنة مع باقي الأحياء، اراضي تساوي مليارات الدولارات تابعة للدولة ، تباع وتدخل جيوب الفاسدين.
في العراق حقيقة لا يمكن التغاضي عنها هي غياب للقوانين الناضجة والإصلاحات الإدارية والتنظيم الاستثماري، وحضور للفساد المالي والإداري الذي يعمل على تنظيم عمل قطاع الاستثمار في بغداد، حيث يدير تلك العملية الفاسدة؛ حيتان الفساد الذين يطلقون على انفسهم “رجال اعمال”، وهذا ما خلفه الاحتلال الأمريكي منهم من عمل سمسارا للحاكم المدني بول بريمر، واستولى على بيوت وعقارات وفتح شركات امنية, وتم الاستحواذ على بيوت سكنية ومنها تابعة للدولة واستثمارات زائفة ومنها مطار المثنى و بوابة بغداد، والكثير من صفقات الفساد والاستحواذ على أملاك الدولة العراقية.
الحيتان الفاسدون عددهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد ، لكن بالتعاون مع مقاولين فاسدين تتم صفقات ببيع وشراء أراض داخل بغداد لا تصلح للاستثمار، وغير خاضعة للقوانين المتعلقة بالأمن والصحة والنظام العام وقيـــم المجتمع، وتحويل حتى الحدائق العامة الى مراكز تجارية وخنق العاصمة بغداد وتدمير معالم المدينة العريقة ؛ هذا ما يفعله الفاسدون اللعب بمقدرات البلد .
هيئة استثمار بغداد هي المسؤول الأول عن هذا النوع الفساد فهي تعمل عكس الأهداف والرؤى التي أنشئت من اجلها ، في عام ٢٠٠٦ ، شرّعت حكومة العراق قانون الاستثمار رقم ١٣ ، ووضعت حجر أساس جذب الاستثمار الأجنبي فيه . وقد تضمن القانون مبادرات إستراتيجية عدة بما في ذلك حوافز الضرائب، وضمانات المستثمر ، والتزامات المستثمرين ، واستحداث الهيئة الوطنية للاستثمار (NIC ) . وقد أنشئت هذه الهيئة في عام ٢٠٠٧ وباشرت عملها في عام ٢٠٠٨، لتكون وجها للاستثمار الخاص في العراق وتعمل على تعزيز وتسهيل ومراقبة الاستثمار في العراق، ؟!
مراقبة الاستثمار التي تعني منع التجاوز على أملاك الدول ، لاوجود للرشاوى والفساد بالأخص في فترة الازمات السياسية والضعف الحكومي ،ان مرحلة الضعف التي يمر بها البلد لا تعني السماح لحيتان الفساد العبث بممتلكات العاصمة تحت أي غطاء ، ولن يسمح بذلك مهما كلف الامر هذه هي مراقبة الاستثمارات.
حيث يرى بعض المراقبين الاقتصاديين، ان هيئة استثمار بغداد هي التي دمرت معالم العاصمة وحولتها الى مدينة خالية من المعالم والجمال ، واصبحت مرتع للفساد و للمتاجرة بالعقارات واستغلال الاراضي على الرغم من الحاجة الماسة لبناء المدارس ، والمنشئات الصحية .
بغداد تفقد هويتها بالتخطيط العشوائي وهدم المناطق التراثية والاثرية والتاريخية.
وصل الاستغلال والتجاوز من هيئة استثمار بغداد بالاستعانة بالمقاولين الفاسدين ورجال الاعمال الفاسدين كما ذكرت ؛ فمثلا تم هدم (مركز السلام الصحي) التابع الى وزارة الصحة في زيونة لغرض تحويله الى محال تجارية ومحطة للوقود وهم مخولون من هيئة استثمار بغداد ومعهم الجرافة ولعدة مرات يرومون هدم المركز والاستفادة الشخصية على حساب علاج ذوي الاحتياجات الخاصة وراحتهم وزيارتهم لهذا المركز وهم يراجعون بعدد يزيد على 6″ “الاف معاق شهريا وتريد هيئة استثمار بغداد التجاوز والاستغلال.
وحتى الخطط الفاشلة التي تقوم بها الهيئة بالاستحواذ على الشركات العراقية وخصخصتها للاستثمار وطرد العمال كما يحدث في معمل الجلود في الكراده وغير ذلك العشرات من هذه المشاريع الفاشلة التي تروج لها هيئة استثمار بغداد فيما تتحمل امانة بغداد وبقية الجهات الحكومية ومجلس النواب العراقي المسؤولية الكاملة في المحافظة على اراضي الدولة وعدم جعلها مالا سائبا وتستغل من قبل هيئة استثمار بغداد والمتاجرة بها بحجة الاستثمار والبناء وقد دمرت الهيئة عشرات الاراضي ومنها الخضراء وحولتها الى مولات ومحال تجارية، غياب التخطيط ، والمتابعة وتجريف الاراضي الخضراء وذبح المناطق التي تحتوي على نخيل واشجار وخنق بغداد وضرب هذه المعالم من كل الجهات ، وحتى نصب الشهيد هذا الصرح العمراني تروم الهيئة الدخول بالاستثمار وتحطيم المنطقة وفقدان المناطق الخضراء ، ثلاثة مولات قرب هذا النصب وتروم هيئة استثمار بغداد زيادة مول رابع وتهديم ما تم بنائه من صروح عمرانية في محيط نصب الشهيد ، وهناك مشاكل المطعم التركي والعشرات من هذه المعاناة قائمة ، وتسخير العصابات بالقوة لإرغام الموظفين واخضاعهم الى قرارات الاستثمار بالقوة ، بعيدا عن الضوابط واحترام الحكومة ودولة المؤسسات.
يرى خبراء في الاقتصاد ومشاريع البناء والاعمار ان السبب الرئيس لتراجع تنفيذ المشاريع الاستثمارية على ارض الواقع في بغداد هو الفساد الاداري والمالي والابتزاز العلني في الهيئة اسوة بما موجود في المؤسسات الحكومية.
كما لا يمكن تسجيل الاراضي العائدة الى الحكومة العراقية “باسم المستثمر” وهو المستفيد الوحيد من هذا القرار وهو يستغل المواطن بارتفاع الاسعار بحجة ارتفاع اسعار (الرشاوى في هيئة استثمار بغداد).
في هذا الإطار، يشير الخبير القانوني طارق حرب إلى أن هنالك نوعين من الفساد أحدهما فساد غير قانوني، والآخر فساد يسنده ويؤسسه القانون، ومن الفساد القانوني ما ورد في قانون الاستثمار إذ تمنح الأراضي بدون مزايدة، وفي هذه الحالة يتولى الموظفون الفاسدون منح الأراضي بأثمان بخسة، حتى يمكن اعتبارها بدون أثمان، وبمراجعة بسيطة لأضابير العقارات للتأكد من النتيجة، لاسيما المولات والجامعات ومدن الملاهي وسواها، يبدو هذا الفساد بشعاً ومدمراً لبغداد ومستقبل العيش فيها. وقال حرب إن مشاريع الاستثمار في مناطق حيوية ليست سوى صفقات مشبوهة تعقد تحت لافتة الاستثمار التي يحصل بموجبها المستثمر على إعفاءات كمركية تتيح له إدخال شتى البضائع بدون رسم كمركي، حتى إن كانت ليست لها علاقة بمشروعه وما عليه سوى إبراز شهادة الاستثمار، إنه باختصار فساد x فساد.
لا نعلم اين المشاريع الاستثمارية الحقيقية التي عرضت في مؤتمر الكويت، التي كانت تصب في البنى التحتية و مشاريع الطاقة الكهربائية والمنشآت الحكومية، قدرت بمليارات الدولارات.
لكن اليوم الاستثمار في العراق مفتوح لسرقة اراضي الدولة ودفع الرشاوى وسطوة الجهات الفاسدة و المتنفذة، ويجب ان يكون للبرلمان تدخل حازم واستجواب المقصرين، وعمل النزاهة والجهات المعنية ، ورئيس مجلس الوزراء الكاظمي ، ومحافظ بغداد وإيقاف الفساد في هيئة استثمار بغداد واجراء الاصلاحات والفورية . يجب ان تبادر هيئة النزاهة بحل عاجل وسريع والتدخل بهذه القضية والمحافظة على ممتلكات واراضي العاصمة بغداد من التجاوز والاستحواذ.
نعرض بعض الشكاوى من بين المئات والمطالبات بإيقاف العمل لأسباب كثير :
شكاوى المواطنين من سكنة منطقة المأمون محلة (608) زقاق (6) الذين يشتكون فيها على شركة عبر المدن الاستثمارية وذلك لانشاء مجمع متكامل متعدد الطوابق على القطعة المرقمة (6177/8/20 داودي ) وبموجب الاجازة الاستثمارية رقم (466) لسنة 2018 للاسباب التالية :
وجود ضرر على منازلهم بشكل خاص والمنطقة بشكل عام كون المجمع السكني الجـاري أنشـــــاؤه في المنطقة أعلاه (مقابل منازلهم) لا يفصلها عنه سوى شارع فرعي بعرض (8) متر وبمعدل (3)أبــــــــــراج عمودية كل برج يتألف من (25طابق) (تشرف على منازلهم ) والتزاما بقانون الاستثمار العراقي حيث هناك مادة تنص على التزام المستثمر( بالقوانين المتعلقة بالأمن والصحة والنظام العام وقيـــم المجتمع العراقي ) وكون الابراج في مخططات المشروع تشـرف على الدور السكنـــــية للمواطنين مما تعتبره مخالفة لقيم المجتمع وبالتالي مخالفة لقانون الاستثمار.
الارض المخصصة لبناء المجمع كانت حديقة عامة داخل المنطقة السكنية وليست تجــــــارية وتمر من تحتها كافة الخدمات (انابيب الماء، شبكة تصريف المياه الثقيلة )
قيام المستثمر بالتجاوز على التصميم الاساسي للمنطقة واستقطـــــــاع جزء من الطريــــــق وضمه الى المشروع.
ختاما ان قطاع الاستثمار يعد من الحلول المهمة للتخفيف من البطالة وحدّة الفقر في البلاد، ولحلّ مشاكل الخدمات للمواطنين.
وبينما تتصاعد المطالبات بمزيد من الشفافية في عمل هيئة الاستثمار الوطنية، وهيئات الاستثمار ، فإن خبراء القانون يصنفون العمل الاستثماري بأنه فساد وعمل غير قانوني، وتم تحذير تحويل بغداد وضفافها الى فوضى عارمة يتطلب من الدولة تنظيم العمل والسيطرة الكاملة على أملاك الدولة، ، قبل الشروع بعمليات استثمارية فاشلة لا تحقق سوى مكاسب شخصية وكتلوية بائسة، وفيما يخص الاستثمار في العراق والنظرة القانونية له، إن قانون الاستثمار المعمول به في العراق الآن يفتح الباب على مصراعيه أمام الفاسدين، وفي أكثر من مادة منصوص عليها في القانون، أن إحدى أهم المسائل التي تجاهلها قانون الاستثمار هي ملكية الأراضي، التي تتحول إلى مشاريع استثمارية، وعدم وجود أي تخطيط مسبق للاستثمار، إضافة إلى ما يجري من بيع وشراء واستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي، وفي مواقع إستراتيجية في المدن العراقية ومن أحزاب ومافيات حكومية.
ويجب ان تقطع يد الفساد والمفسدين مهما كبرت سطوتهم لانهم اقزام امام العراق العظيم.
وحدة الدراسات الاقتصادية/ مكتب شمال امريكا
مركز الرواببط للبحوث والدراسات الاستراتيجية