تشنّ إسرائيل عبر ضرباتها العسكرية التي تستهدف حاويات ومخازن للأسلحة الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية، التي كان آخرها هجوما استهدف ميناء اللاذقية، حربا ضدّ إيران تهدف من خلالها إلى استنزاف النفوذ الإيراني في المنطقة والتصدي لمحاولات طهران تشكيل جبهة عسكرية مشتركة تجمع بين الميليشيات الموالية لها في كل من سوريا ولبنان والعراق.
دمشق – أكدت إسرائيل، بالضربات التي وجهتها إلى ميناء اللاذقية السوري، أنها في مواجهة الوجود الإيراني ليست لديها أي خطوط حمراء.
وكانت الغارات الجوية الإسرائيلية التي قالت السلطات السورية إنها استهدفت ساحة الحاويات في الميناء وألحقت أضرارا مادية بالغة، في الواقع ضربة لموقع تستخدمه القوات الإيرانية في الإشراف على بعض العمليات في الميناء، ولتخزين أسلحة ومعدات متطورة، تحملها سفن شحن تابعة لإيران.
وتشير بعض مصادر المعلومات إلى أن الهدف كان مركز عمليات تتولى القوات الإيرانية من خلاله استلام شحنات تلك الأسلحة، لاسيما وأن الطرق الجنوبية والشمالية المحاذية للحدود العراقية خاضعة لمراقبة من جانب القوات الأميركية.
ويتولى عسكريون إيرانيون منذ يوليو العام الماضي إدارة الدفاع الجوي السوري، إلا أن ذلك لم يوفر الحماية للمواقع الإيرانية التي واصلت إسرائيل قصفها في سوريا.
بالنسبة إلى إسرائيل لا خطوط خضراء من جانب روسيا ولا خطوط حمراء في مواجهة الوجود العسكري الإيراني
ويقول مراقبون إن إسرائيل تشن حرب استنزاف ضد إيران في سوريا، لمنعها من تشكيل قوة قتالية تشكل تحديا حقيقيا لها على جبهة الجولان، وتضعف قدرة إيران على بناء جبهة عسكرية مشتركة تجمع بين سوريا ولبنان والعراق.
وبعدما ترافقت الضربات الإسرائيلية مع إعلان الحكومة الإسرائيلية على توسيع عمليات الاستيطان في الجولان، فقد أوصلت هذه الضربات رسالة لدمشق وطهران مفادها أن الجولان بات خطا أحمر بالنسبة إلى إسرائيل، وأن أي محاولات لتشكيل قوة تهديد سوف يتم ضربها.
وقالت مصادر رسمية إسرائيلية إن الضربة الجوية استهدفت “شحنة أسلحة إيرانية متطورة مهربة من إيران عن طريق البحر ومخزنة في ساحة الحاويات بالميناء”.
وذكرت المصادر ذاتها “أن الهجوم استهدف صواريخ كروز أو طائرات مسيرة انتحارية”.
وهذا هو الهجوم الإسرائيلي الحادي عشر من نوعه خلال شهر ونصف الشهر، ولكنه الثاني الذي يستهدف ميناء اللاذقية، وأسفر عن مقتل مسلحين مواليين للنظام السوري. وكانت إسرائيل استهدفت الميناء للمرة الأولى في السابع من ديسمبر الحالي.
ويقع الميناء على البحر المتوسط هو ميناء سوريا الرئيسي بطاقة استيعاب مقدرة بحوالي 620 ألف حاوية وهو أحد أهم الفروع الرئيسية للحياة الاقتصادية في اللاذقية. ويتم عن طريقه استيراد وتصدير معظم حاجات البلاد غير النفطية، حيث تتدفق من خلاله المواد الغذائية والإمدادات الضرورية الأخرى إلى سوريا وهو قريب من قاعدة حميميم الجوية الروسية.
وتسعى إيران للسيطرة الكاملة على ميناء اللاذقية بغية تأمين طريق تجاري من طهران إلى البحر المتوسط، وهو ما سيمثل الرابط المتوسطي على طريق تجاري انطلاقا من إيران مرورا بالعراق وسوريا.
وتراقب إسرائيل والولايات المتحدة كل تحرك على الحدود بين سوريا والعراق، لاسيما وأن الميليشيات التابعة لإيران ما تزال تشكل تهديدا للقواعد الأميركية في شمال شرق البلاد وفي المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق.
وكانت إيران قد وجهت انتقادات ضمنية لروسيا بأنها منحت الضوء الأخضر لإسرائيل لتوجيه ضربات لقواعدها في سوريا، ولاحظت الانتقادات الإيرانية أن الطائرات الإسرائيلية تتحاشى الخط الذي يحمي قاعدة حميميم في اللاذقية.
ويمثل ميناء اللاذقية وإدارته أيضا مثالا على التنافس الإيراني الروسي، إذ تحاول طهران أن تتمركز في الساحل السوري في نقطة حساسة جدا وداخل مناطق نفوذ الجانب الروسي الذي يظهر في قاعدة حميميم.
ونفت موسكو الاتهامات الإيرانية باستمرار، لكن تلك الانتقادات انتهت إلى توقيع اتفاق في الثامن من يوليو العام الماضي بين وزير الدفاع السوري علي عبدالله أيوب ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري “لتوسيع التعاون العسكري الثنائي مجال الدفاع الجوي”.
وانطوى الاتفاق على ترتيبات لمواجهة التهديدات الجوية ضدّ إيران ولبناء استراتيجية تسمح بإغلاق المجال الجوي (في الوقت المناسب). ودمج الدفاعات الجوية العراقية والسورية واللبنانية، لتكون تحت إدارة طهران.
إلا أن الغارات الإسرائيلية على اللاذقية أكدت أنه لا خطوط خضراء من جانب روسيا، ولا خطوط حمراء في مواجهة الوجود العسكري الإيراني بالنسبة إلى إسرائيل.
ولم يثبت اتفاق الدفاع الجوي الإيراني – السوري أهليته لبناء قوة دفاعية حقيقية، لاسيما وأن إيران وسوريا ما تزالان تعتمدان على منظومة دفاع جوية تقليدية لا تتجاوز صواريخ سام أس – 200 وبوك أم – 2. وهي لا تشكل تحديا فعليا لطائرات أف – 16 الإسرائيلية.
ويقول مراقبون إسرائيليون إن إيران تسعى لبناء مجموعات ميليشيات على غرار الميليشيات التابعة لها في العراق، تنضوي تحت ألوية متنوعة، إلا أنها خاضعة لمسؤولين من الحرس الثوري الإيراني ولضباط من حزب الله في لبنان يتكفلون بتوفير التدريبات العسكرية والتوجيه العقائدي.
وجاءت الضربات الجوية الجديدة، بحسب المصادر الرسمية السورية، من جهة البحر المتوسط، ولكن العشرات من الضربات الأخرى لم تقتصر على جهة واحدة، لاسيما منها تلك التي طالت مواقع قريبة من مطار دمشق.
وخلال الأعوام الماضية شنّت إسرائيل المئات من الضربات الجوية في سوريا، مستهدفة مواقع للجيش السوري وخصوصا أهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني.
ونادرا ما تؤكّد إسرائيل تنفيذها ضربات في سوريا، لكنّها تكرّر أنّها ستواصل تصدّيها لمحاولات إيران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.
ومنذ بدء العام، أحصى المرصد السوري تنفيذ إسرائيل قرابة ثلاثين استهدافا في سوريا، عبر ضربات جوية أو صاروخية، تسبّبت بمقتل 130 شخصا، من بينهم 125 عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين له ولحزب الله اللبناني والقوات الإيرانية والمجموعات الموالية لها.
وتستفيد إسرائيل في عملياتها لاستنزاف الوجود الإيراني من شبكة معلومات استخباراتية تكاد تغطي كل أرجاء سوريا وتكفل مراقبة تحركات القوات الإيرانية والمجموعات المسلحة التابعة لها من جميع المناطق. وهو ما يضعف قدرة إيران على توفير الحماية لهذه المجموعات.
ويلاحظ المراقبون أنه بالرغم من الردود الرسمية السورية والإيرانية والتهديدات بالرد في الوقت والزمان المناسبين، لم تشكل عملا عسكريا قريبا من خطوط الجولان. وهو ما يؤكد أن دمشق وطهران تعرفان الخط الأحمر وتحترمانه من الناحية الواقعية.
العرب