نصرالله “أنا لبنان”

نصرالله “أنا لبنان”

إذا أردت أن تعرف شيئا عن مصير لبنان عليك الذهاب إلى طهران. حكمة رديئة وسيئة المحتوى غير أنها تمثل الواقع المتردي والوضع المنهار على الأصعدة كافة اللذين يعيشهما اللبنانيون وهم يسعون لإيقاف التدهور من غير أن يملكوا القدرة على القيام بذلك، لا لشيء إلا لأن لبنان صار تابعا لميليشيا تضع سلاحها غير القانوني في خدمة دولة أجنبية. ذلك لم يقع فجأة، بل حدث تدريجيا وكان للبنان الدولة والشعب دور كبير في الوصول إلى هذه المرحلة أو على الأقل بناء قاعدة متينة لها. وحين يُقال إن في لبنان دولة فاشلة فإن ذلك تعبير ملطف يتم تداوله بدلا من القول إنه لا وجود للدولة في لبنان.

أما حين يقرر رئيس الحكومة العاجز عن عقد اجتماع وزاري أن يتحدث باسم لبنان ليخبرنا بأن حسن نصرالله لا يمثل لبنان فإن ذلك لا يقلل من شأن زعيم حزب الله فليس مما يُفخر به بالنسبة إلى نصرالله أن يكون ممثلا للبنان فهو أكبر منه كما أن مشروعه السياسي باعتباره زعيم قوة عسكرية إقليمية يتجاوز لبنان أو هو في واقع الأمر قد تجاوزه فها هم جنوده يقاتلون في سوريا واليمن وقد يحتاجهم العراق في أي لحظة إذا ما انهار النظام هناك. ميقاتي وهو رئيس الحكومة اللبنانية لم يكن موفقا حين اعتبر تصريحات نصرالله المضحكة ضد السعودية مجرد آراء شخصية لا تعبر عن رأي الحكومة اللبنانية كما لو أن هناك مَن ينتظر رأي الحكومة اللبنانية.

هل هناك إمكانية لأن تقوم الدولة اللبنانية من خلال حكومتها بمساءلة نصرالله وهو أحد مواطنيها؟ حين يكذب نصرالله فإنه يدرك أن الاستخفاف بعقول مَن ينصتون إليه صار مضجرا. فهؤلاء يمثلون الطبقة السياسية في لبنان وهي طبقة ميؤوس منها من جهة تمتعها بمشاعر إنسانية طبيعية. المال وحده يحرك أعصاب أفراد تلك الطبقة. وبما أن نصرالله يقود الميليشيا التي تحمي مصالح تلك الطبقة فليس صعبا على أفرادها أن يجلسوا ساعات خافضي الرؤوس أمام الشاشات وهم يستمعون إلى صوت نصرالله من غير أن يتوقفوا عند معاني ما يقول فلم يحضروا ليناقشوا.

ضجر نصرالله من الصمت الذي يحيط به.

في مرحلة سابقة أراد أن يذلهم، ولكنهم اليوم ومعهم لبنان يعيشون في حالة إذلال مزعج. لذلك صار يبحث عن حكايات، يكون لها وقع الزوبعة، بحيث خيُل له أن المملكة العربية السعودية ستكون على أهبة الاستعداد لنفي علاقتها بـ”داعش”. مخيلة نصرالله خبيثة وشريرة ودنيئة غير أنها فقيرة. كان دائما يكذب لا لأنه أمن العقاب، بل لأنه وضع لبنان تحت إبطه وذهب به إلى طهران. لبنان الأرض والسماء وشجرة الأرز وقدموس والفينيقيين وأعمدة بعلبك هو ليس لبنان الدولة التي وضعها نصرالله بين يدي الولي الفقيه. كل ما يُقال اليوم عن نزع سلاح حزب الله هو حديث لا معنى له وهو جزء من ماض لم يعد مستقبله لبنانيا. ليس الحديث عن لبنان الإيراني بعيدا عن الواقع. ليس المطلوب من اللبنانيين أن يتعلموا الفارسية بعد أن صار القرار السياسي في بلدهم إيرانيا.

يخطئ البعض حين يلتفت إلى فيينا ويعتقد أن نجاح المفاوضات هناك سيؤدي إلى حلحلة الأوضاع في لبنان. العكس هو الصحيح. ستزداد الأمور سوءا إذا ما انتهت تلك المفاوضات إلى إخراج إيران من مأزقها الاقتصادي. سيكون لبنان الرهينة جزءا من مقتنيات الإمبراطورية الفارسية المعمدة برضا وبركات الرأسمالية العالمية وقوى اشتراكية موزعة بين بقاع الأرض. في سياق تلك المعادلة فإن لبنان لن يربح شيئا. سيستمر في انزلاقه إلى الهاوية. ذلك لأن إيران ليس لديها سوى ثقافة الموت وضجيج السلاح. أما بالنسبة إلى نصرالله فإنه في أكاذيبه لم يتخط العتبة الإيرانية. داعش هو نوع من حزب الله لكن بهوية طائفية أخرى. وما نفع تلك الهوية؟ لقد ذبح التنظيم الإرهابي عشرات الألوف من أتباع المذهب السني وشردهم من بيوتهم بعد أن هدمها ولم يكن في كل ما فعل إلا عدوا نظريا للشيعة. لقد اخترعته إيران لتخيف من خلاله شيعة العراق. كذبة أرادت إيران من خلالها تمرير مشروعها الطائفي في المنطقة. ولكن نصرالله أراد أن يذكر السعودية بوجوده باعتباره ملكا للبنان. أراد أن يقول “أنا لبنان”.

العرب