روح جديدة للتعامل الأوروبي مع المغرب

روح جديدة للتعامل الأوروبي مع المغرب

الرباط – حملت رسالة وجهها الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، تضمنت دعوة إلى زيارة ألمانيا و”إرساء شراكة جديدة” بين البلدين، إشارة قوية على وجود روح جديدة للتعامل الأوروبي مع المغرب خاصة مع إشارات متتالية من فرنسا التي ترأس الاتحاد الأوروبي بشأن التقارب مع الرباط وتدعيم الشراكة معها.

وجاءت رسالة شتاينماير بعد أقل من شهر على موقف إيجابي عبرت عنه وزارة الخارجية الألمانية وحثّ على “تجاوز سوء التفاهم والتوترات التي حصلت”، ودعا إلى “التواصل المبني على الشراكة والاحترام المتبادل”.

وتفتح رسالة الرئيس الألماني إلى الملك محمد السادس، بمناسبة السنة الجديدة، ملف العلاقات المغربية – الألمانية على مرحلة جديدة بعد تأكيده على أن المغرب شريك مطلوب من ألمانيا في كل المجالات، كما تمثل الرسالة دعما لجهوده في تسوية نزاع الصحراء من منطلق مبادرة الحكم الذاتي.

أمين صوصي علوي: ألمانيا اختارت تغيير موقفها تجاه المغرب للحفاظ على مصالحها
وقال شتاينماير إن ألمانيا “تعتبر مخطط الحكم الذاتي (…) بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساسا جيدا للتوصل إلى اتفاق” حول قضية الصحراء.

واعتبر مراقبون أن تطور الموقف الألماني تجاه المغرب يعكس مزاجا أوروبيا أوسع يهدف إلى تعميق علاقات الشراكة مع الرباط بعيدا عن التأثيرات السياسية التي حصلت بين المغرب وإسبانيا بسبب قضية الصحراء، مشيرين إلى أن ألمانيا وفرنسا -الدولتين الأهم في الاتحاد الأوروبي- تتبنيان هذا المسار وتسعيان لعدم رهن القرار الأوروبي بمزاج هذه الدولة أو تلك، وإيلاء الشراكة مع المغرب الأهمية التي تستحقها ومراعاة مصالحه الوطنية وأمنه القومي.

ويرى المراقبون أن تعاطي فرنسا وألمانيا مع المغرب يأخذ في الحسبان الحاجة الأوروبية إلى دور الرباط في حلحلة ملفات الأمن والهجرة في ظل الأوضاع غير المستقرة في بقية بلدان شمال أفريقيا وصعوبة التوصل معها إلى اتفاقيات قابلة للتنفيذ، ما يجعل المغرب الشريك الأساسي لأوروبا في شمال أفريقيا.

وباتت فرنسا أكثر البلدان الأوروبية تحمّسًا لتدعيم الشراكة مع المغرب خاصة في ظل توتر علاقتها مع النظام الجزائري ومساعيه لوضع قضايا الماضي حاجزا أمام التعاون الاستراتيجي. والتقطت الرباط الإشارات الفرنسية الإيجابية ولم تخف تحمسها لرئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي.

وكانت باريس قد سعت للبحث عن حل سريع للتوتر الذي حصل بين الرباط ومدريد على خلفية استقبال إسبانيا زعيمَ البوليساريو.

وبالتوازي مع ذلك كانت فرنسا تؤكد على أن المغرب شريك أساسي للاتحاد الأوروبي، خاصة في شؤون الهجرة، وأنها “تريد استمرار هذا التعاون وتعزيزه”، وهو ما يُؤشر على أنّ فترة رئاستها للاتحاد ستُعزز علاقات دوله بالمغرب.

ويعتقد المراقبون أن فرنسا لا يمكن أن تقفز على عمق علاقاتها مع المغرب تحت عنوان التضامن الأوروبي، وهو ما ستسعى لتكريسه خلال رئاستها الدورية للاتحاد وأن تدفع نحو بناء علاقات بين دول شمال المتوسط وجنوبه، وخاصة مع الرباط، على قاعدة الشراكة المتكافئة.

وتعتمد العلاقات المغربية – الفرنسية على الاستشارات الاستراتيجية واتفاق وجهات النظر حول القضايا ذات الأهمية الكبرى من قبيل الهجرة، والاستثمارات الاقتصادية والتجارة والأمن، بمحاربة الإرهاب والتطرف والهجرة المنظمة، ما سيشكل أفقا سياسيا يخدم مصالح المغرب على المستوى الأوروبي في تلك القضايا الحيوية.

ويقول المتابعون إن ألمانيا تسعى بدورها للنأي بنفسها عن توتير العلاقة مع المغرب بسبب موضوع الصحراء، وإنها تريد أن تطوق تداعيات تصريحات سابقة بشأن الموضوع قادت المغرب إلى استدعاء سفيرته زهور العلوي.

فرنسا باتت أكثر البلدان الأوروبية تحمّسًا لتدعيم الشراكة مع المغرب خاصة في ظل توتر علاقتها مع النظام الجزائري

ويرى المحلل السياسي المغربي أمين صوصي علوي أن رسالة الرئيس الألماني الموجهة إلى العاهل المغربي دليل على أن السياسات المستقبلية ستكون في صالح هذا التوجه وستكون متناغمة مع السياق العالمي وتتعامل مع الرباط كشريك استراتيجي يحترم شراكاته ومواثيقه ويطلب من الأطراف الأخرى احترام التزاماتها.

وجاء في رسالة شتاينماير أنه “بفضل التطور الديناميكي لبلدكم، أصبح المغرب موقعا مهما للاستثمار بالنسبة إلى المقاولات الألمانية في أفريقيا”، وأنه “يلعب دورا رئيسيا في الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، حيث يتضح هذا بشكل خاص من خلال التزامه الدبلوماسي بعملية السلام الليبية”.

وبخصوص قضية الصحراء أكد شتاينماير أن ألمانيا “تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قُدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساسا جيدا للتوصل إلى اتفاق” حول هذا النزاع الإقليمي، كما ذكّر “بدعم بلاده لمساعي الأمم المتحدة من أجل إيجاد حل سياسي عادل ودائم ومقبول من كافة الأطراف”.

ولفت أمين صوصي في تصريح لـ”العرب” إلى أن رسالة الرئيس الألماني كانت واضحة خاصة في قضية الصحراء المغربية، وتتماشى مع موقف الطرف الأميركي الداعم للمغرب، ولا مجال أمام ألمانيا إلا أن تحافظ على إيجابية دبلوماسية وسياسية في التعامل مع الملفات التي يعتبرها المغرب حساسة وتهم أمنه القومي.

ونظرا إلى ما أظهره المغرب من قدرة على التأثير الإقليمي وحجم التأثير في عدد من الملفات الصعبة، ومنها الملف الليبي، يرى أمين صوصي أن ألمانيا اختارت تغيير موقفها للحفاظ على مصالحها، خصوصا أن تحالفات المغرب الدولية أصبحت قوية ومتنوعة وذات حظوة كبيرة داخل وخارج الاتحاد الأوروبي.

العرب