الخرطوم – تواجه الأمم المتحدة عبر بعثتها لدعم الانتقال الديمقراطي بالسودان جملة من المطبات على طريق إنزال مبادرتها لإنهاء الانسداد السياسي في البلاد، ويتعين عليها إقناع القوى الفاعلة في الشارع باستمرار الشراكة بين المدنيين والعسكريين الذين وصفتهم بـ”أصحاب المصلحة الرئيسيين” لتسهيل مهمة عقد مفاوضات للوصول إلى حلول توافقية وتمرير ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
وأعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود حراك الشارع الأحد، رفضه للمبادرة الأممية لتسوية الأزمة، مؤكدا أن الحل هو إسقاط سلطة المجلس العسكري وانتزاع سلطة الشعب المدنية الكاملة، معتبرا المبادرة تستهدف ما أسماه “التطبيع مع المجلس العسكري الانقلابي وسلطته الفاشية”.
وقالت مصادر سياسية لـ”العرب” إن الأيام الماضية شهدت مشاورات بين تجمع المهنيين ولجان المقاومة والحزب الشيوعي وحزب البعث الاشتراكي لتشكيل مركز قيادة جديد يتولى مهمة الدعوة للمليونيات والمواكب والمسيرات، وأن تلك القوى وصلت إلى مرحلة الصياغة النهائية لمواثيق وبرامج العمل وتستهدف استمرار التصعيد إلى حين استلام السلطة من المكون العسكري.
وتواصل لجان المقاومة تنفيذ جدولها التصعيدي ونظمت الأحد مسيرات حاشدة تحت شعار “الموكب الأبيض” احتجاجا على الانتهاكات التي تحدث للمرافق الصحية، ودعت إلى المشاركة في عصيان مدني، وأعلنت عزمها نشر المتاريس في الشوارع الرئيسية بكل الولايات استعدادا لمواكب الشهر الجاري.
الوليد علي: تحركات البعثة الأممية منحازة وتفتقر إلى الوسطية
وأوضح الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي أن الجلوس على طاولة مفاوضات واحدة مع المكون العسكري “أمر مرفوض للقوى الفاعلة في الشارع والتي تتمسك باللاءات الثلاث (لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة)، والتصعيد هو الطريق الأوحد لإسقاط المجلس العسكري وحلفائه من المدنيين والحركات المسلحة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تحركات البعثة الأممية تفتقر إلى الوسطية ودائما ما تكون منحازة لـ’العقلية الانقلابية’، وهو ما يجعلنا نرى بأنها منخرطة في أمر داخلي بحت خارج حدود وظيفتها”.
وأشار إلى أن “أي دعوة إلى الحوار لا تتضمن إزاحة المكون العسكري من مستويات السلطة والحكم الانتقالي مرفوضة، وأن موقف التجمع ينبع من رؤية الشارع السوداني لحل الأزمة الراهنة، ولدينا رغبة في خوض معركة النفس الطويل إلى حين تحقيق تطلعات المواطنين”.
ورحبت قوى سياسية عديدة على رأسها تحالف الحرية والتغيير بدعوة رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، التي أطلقها السبت، وتتضمن دعوة أصحاب المصلحة الرئيسيين، من المدنيين والعسكريين، بما فيها الحركات المسلحة والأحزاب السياسية والمجموعات النسائية ولجان المقاومة للتوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة السياسية.
ويرى مراقبون أن البعثة الأممية ستواجه معضلات عدم التوافق بين القوى السياسية على أطر رئيسية للحل، وخشية كل الأطراف من خسارة الشارع قبل عام ونصف العام من إجراء الانتخابات، واستمرار حراكه الذي قد يقود إلى المزيد من الخسائر في الأرواح بما يُصعب من مهمة التوافق، بجانب عدم حسم القوة المؤثرة وعلى رأسها تنسيقيات لجان المقاومة في التحول إلى حزب سياسي يشارك في السلطة كطرف جديد في معادلة الحكم.
ويتطلب نجاح المفاوضات الأممية إقناع الأطراف المختلفة بأهمية الوقوف على أرضية مشتركة مثلما كان الوضع قبل إزاحة نظام عمر البشير، وهو أمر يصعب تحقيقه إذا لم تقتنع القوى الثورية الفاعلة في الشارع بجدوى المباحثات، ما يتطلب إحداث تغيير في رأس السلطة.
ولم تحدد الأمم المتحدة أسس التفاوض الرئيسية ما يشي بأنها تستغرق وقتا في تحديد الأطر قبل الانخراط في المباحثات المباشرة، وستكون بحاجة إلى ضمان وقف أي خطوات تشكل قفزا على المباحثات، ما يعني أن مسألة تشكيل حكومة جديدة سيتم إرجاؤها إلى حين الوصول إلى تفاهمات بين مختلف الأطراف.
نورالدين صلاح الدين: أي مبادرة لا تبعد المكون العسكري لن تنجح
وتصطدم التدخلات الأممية التي يراها البعض متأخرة بمشكلات تردي أوضاع الخدمات العامة وتفاقم الوضع الاقتصادي وغياب السيولة المالية للتعامل مع الأزمات الداخلية، ما قاد إلى تنفيذ إضراب موظفي بنك الخرطوم الذي دخل يومه السادس، مع وجود بوادر لإضرابات في قطاعات عديدة تعاني من الفراغ الإداري منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي.
ولفت القيادي بتحالف الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين، إلى أن أي محاولة للحل من جانب الأطراف الدولية لن يُكتب لها النجاح إذا لم تلب الحدّ الأدنى من تطلعات السودانيين وتتمثل في إبعاد المكون العسكري بشكله الحالي عن السلطة الانتقالية مع إمكانية القبول بمشاركة الجيش في مستويات الحكم الانتقالي بقيادة مدنية أو تشكيل مجلس دفاع تمثل فيه القوات النظامية بعيدا عن إدارة الدولة.
وطالب في تصريح لـ”العرب” البعثة الأممية والجهات الداعمة للمبادرة الاستفادة من درس الاتفاق السياسي الموقع في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي الذي كُتبت شهادة وفاته باستقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وأي محاولة لخلق وضع جديد لا يستوعب تطلعات الشارع لن يكون قابلا للتطبيق على الأرض.
ورحبت الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، بإعلان الأمم المتحدة إطلاق مشاورات أولية بين جميع الأطراف لحل الأزمة التي تشهدها البلاد، ودعت الدول الأربع إلى اغتنام هذه الفرصة لاستعادة الديمقراطية المدنية.
وأكدت الخارجية المصرية أن القاهرة تدعم التحرك الأممي الهادف إلى تحقيق الاستقرار في السودان من خلال تفعيل الحوار بين الأطراف، وطالبت جميع الأطراف للعمل على اختيار رئيس وزراء توافقي جديد، وتشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن.
وتبدو أزمة السودان غير مرتبطة بالجمود السياسي بقدر ما ترتبط بوجود صراعات بين قوى وتيارات مختلفة يحاول كل منها تمرير مشروعه المستقبلي لإحكام سيطرته على السلطة بعد إجراء الانتخابات، ما يجعل الاستعانة بالشارع وسيلة مناسبة لكل طرف يجد أنه غير قادر على تحقيق مشروعه، في حين أن إنزال شعارات الشارع على الأرض تتطلب تضحيات أكبر قد لا تتحملها الدولة في ظل المشكلات الكثيرة.
ولا تجرؤ بعض القوى السياسية على القبول بشراكة جديدة مع العسكريين دون موافقة الشارع، ومع استمرار عمليات الاستهداف الممنهج للمتظاهرين فإن تجاوز مطالبه سيكون مستحيلا، والخطوة الأولى لنجاح أي مبادرة دولية تتمثل في أن يكون أحد مخرجاتها تنحية الوجوه المتمترسة في مجلس السيادة.
ولن يكون نجاح المفاوضات الأممية مستحيلا، مع اتجاه قوى سياسية ولجان المقاومة إلى الترتيب لموقف تفاوضي موحد تمهيدا للانخراط في محادثات جادة، وأن التوافق بين التيارات المدنية المختلفة بات أقرب من أي وقت مضى، وهي النقطة الرئيسية لتحريك الأزمة الراهنة.
العرب