كانت الحرب عبر التاريخ البشري ذات طبيعة واحدة تميزت بقدر من الثبات لقرون طويلة، حتى أنه جرت محاولات عديدة لتعريف الحرب منذ القدم، لكن يبقى تعريف “كارل فون كلاوزفيتز” في كتابه “عن الحرب” (On War) الصادر عام 1832، والذي عرّف الحرب على أنها “فعل من أفعال القوة لإجبار العدو على الانصياع لإرادة الطرف القائم بشن الحرب”؛ هو التعريف الأهم والأبسط والأكثر وضوحاً، ذلك لأنه جمع في طياته الأهداف والمستويات كافة التي يستخدم فيها طرف أو أطراف ما القوة لإجبار العدو على الانصياع لإرادة الطرف أو الأطراف التي اتخذت قرار الحرب.
ولا تقتصر التفاعلات الصراعية على الحرب وحدها، بل تمتد لتشمل طيفاً واسعاً من السياسات، إذ يمكن أن يندرج تحتها التصعيد، والإكراه، وغيرها من السياسات التي تندرج تحت المدرسة الواقعية، والتي تنظر إلى الأشكال السابقة كافة باعتبارها أدوات طبيعية تستخدمها الدولة لتعزيز أمنها في مواجهة الآخرين. فهي سياسات مشروعة طالما كان الهدف منها هو تأمين بقاء الدولة وصون استقلالها وسيادتها، أو استعادة التوازن بين دول متصارعة في إطار إقليم معين.
وفي هذ الإطار، أصدر مركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”، ضمن سلسلة “كتب المستقبل”، كتاباً جديداً بعنوان “تفاعلات صراعية: استراتيجيات إدارة التهديدات في ظل تحولات بيئة الأمن الدولي”، ليلقي الضوء على تعريف الحروب والتصعيد والسياسات الإكراهية، ثم يقدم بعد ذلك عدداً من الاستراتيجيات التي تتبعها الدول في سياساتها الخارجية للتعامل مع الخصوم والدول المناوئة لها.
وتضمن الكتاب مجموعة من المفاهيم أعدها خبراء وباحثون نُشر معظمها في إطار نشاطات وإصدارات مركز المستقبل، حيث تم تقسيمها إلى 14 فصلاً. وقام بتحريرها الدكتور شادي عبدالوهاب، رئيس وحدة الدراسات الأمنية ورئيس تحرير دورية “اتجاهات الأحداث” و”تقديرات المستقبل” بالمركز.
ويستعرض الكتاب التطور الذي شهدته الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، حيث لم تعد هذه الصراعات تقتصر على الحروب النظامية التي تُدار بين دولتين، بل أصبح واضحاً اتجاه الدول المختلفة، بما في ذلك القوى الكبرى على غرار الولايات المتحدة وروسيا، إلى توظيف “الحروب بالوكالة”، كما يتضح في الحالة السورية أو الليبية أو اليمنية أو العراقية في منطقة الشرق الأوسط، أو في الأزمة الأوكرانية. وبات من الشائع توظيف الفواعل المسلحة من دون الدول في مثل هذه الصراعات، والتي هيمنت بشكل أساسي خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
وخلص الكتاب إلى أنه بنهاية العقد الثاني من القرن الحالي، عادت الولايات المتحدة لتعيد ترتيب أولوياتها الأمنية، فبدأت تنسحب من الصراعات التي ترى أنه لا طائل من الاستمرار فيها، مثل أفغانستان، وبدأت ترى أن الصعود الصيني، والتوسع الروسي، يؤشران على تصاعد صراع القوى الكبرى. ورافق كل هذه التطورات ظهور استراتيجيات جديدة تقدم توصيات لكيفية إدارة الدول، خاصة الدول الكبرى والرئيسية في أقاليم العالم المختلفة، لتفاعلاتها الصراعية.
المستقبل للدراسات