على وقع سلسلة أزمات سياسية نشأت عقب الجلسة الافتتاحية «المثيرة للجدل» لمجلس النواب العراقي الجديد، والتي أفضت لاختيار هيئة رئاسة جديدة، بدأ صراع جديد «كردي ـ كردي» على خلفية ترشيح الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، لمنصب رئيس الجمهورية، فيما يصر غريمه «الاتحاد الوطني» على تجديد الولاية لمرشحه «الوحيد» برهم صالح.
تعقد المشهد نسبيا بين الصدر الذي يقود تحالف الأغلبية، المكون من كتلته (الصدرية) وتحالف «تقدم وعزم بزعامة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر السنيين والحزب الديمقراطي الكردستاني، وبين خصومه من قوى الإطار التنسيقي ومن يمكن أن يقف معهم لا سيما الاتحاد الوطني الكردستاني مع احتدام معركة رئاسة الجمهورية».
لم تقف الأمور عند هذا الحد.
استهدف تفجيران الجمعة مقرين بالعاصمة العراقية بغداد، يتبعان لأكبر تحالفين للسنة في البلاد، دون أن يسفرا عن وقوع خسائر بشرية، في تصعيد خطير لا يخلو من رسائل سياسية تتعمد بعض القوى المتحفظة على نتائج الانتخابات إيصالها، في ظل ما تستشعره من توجه لعزلها.
ووقع الانفجار الأول في منطقة الأعظمية في بغداد، واستهدف مقر تحالف “تقدم”، الذي يرأسه رئيس البرلمان المنتخب حديثا محمد الحلبوسي. وأفادت وسائل إعلام محلية بأن الأضرار “مادية”، ولم تسجل خسائر بشرية.
واستهدف تفجير ثان مقر تحالف “العزم” الذي يتزعمه خميس الخنجر، في منطقة اليرموك، والذي دعم الحلبوسي في التصويت له رئيسا للمرة الثانية لمجلس النواب. وأفادت وسائل إعلامية بأن الاستهداف تم بطائرة مسيّرة.
يأتي ذلك بعد يوم على تعرض مقر الحزب “الديمقراطي الكردستاني” في بغداد إلى انفجار بقنبلة، ما تسبب في أضرار مادية دون وقوع إصابات، حسب ما أفاد به ضابط في شرطة العاصمة العراقية دون تعليق رسمي من السلطات.
بعدالة توزعت الصواريخ (حصة سفارة واشنطن) والقنابل اليدوية (حصص متساوية للسنة والكرد). لم يعلن أحد كالعادة مسؤوليته لكن الجميع استلم الرسالة التي تقف خلف هذه الاستهدافات.
ومن الواضح أن هذه التفجيرات كانت رسائل رمزية إلى زعيم التيار الفائز بالانتخابات تقول له إن هذه هي البداية بعد بروز بداية تحالف نيابي حول الكتلة الصدرية أفضى إلى انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، وإن رسائل أخرى ستكون أكثر قوة إذا فكر السيد مقتدى الصدر في المضي قدما -عبر التحالف الجديد- في تشكيل حكومة جديدة وتوزيع المناصب والكراسي دون مراعاة مصالح الأحزاب والمجموعات الموالية لإيران التي تمتلك القوة والتدريب ومختلف وسائل النفوذ المالي والتنظيمي والدعم الخارجي.
ويرى المراقبون أن الهجمات التي استهدفت التحالفين السنيين وحزب بارزاني هي رسالة تحذير من الفصائل المسلحة التي سبق لها قبل أيام أن حذّرت الكرد والسنة من اللعب بالنار بالوقوف مع طرف شيعي ضد طرف آخر، علماً بأنه في الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، الأحد الماضي، برزت بوادر اتفاق بين «تقدم» و«عزم» وحزب بارزاني والكتلة الصدرية على حساب «الإطار التنسيقي» الشيعي الذي يضم الفصائل المسلحة.
ويعتقد مراقبون للشأن العراقي أن ما يزعج الميليشيات الولائية هو أن السيد مقتدى الصدر إذا نجح في تمرير الحكومة سيتفرغ لما هو أخطر بالنسبة إليها، أي السعي لاستصدار قرار يقضي بإدماج الحشد الولائي في المؤسسة الأمنية والعسكرية بصفة تامة، وعدم منحه فرصة التحرك مجددا كجسم مستقل عن الوزارات المعنية مثلما هو حاصل الآن، حيث لا تربطه صلة بالحكومة سوى صرف ميزانية ضخمة وتركه يتصرف كقوة خادمة لإيران ومصالحها على حساب مصالح العراق.
وكما يعتقدون أيضًا إن السيد مقتدى الصدر إذا نجح في استصدار قرار الدمج سيمر إلى الخطوة الأهم، وهي تقليص الدعم المالي للحشد أو قطعه بشكل نهائي، وهو ما سيكون له أثر بالغ على تماسك الحشد الولائي، وقد يفضي إلى التجاء الميليشيات إلى توظيف المافيات في السطو على الممتلكات الخاصة وتهريب النفط والاتّجار بالمخدرات كما تفعل ميليشيات موالية لإيران في أماكن أخرى مثل لبنان، حيث يمول حزب الله أنشطته من خلال أموال المخدرات ورعاية أنشطة الجريمة المنظمة.
ويرى مراقبون أنه لا يمكن الاعتقاد بأن القوى الولائية ستسلم بسهولة بواقع النتائج أو تقبل بإزاحتها عن الحكم، وهي مستعدة لمختلف السيناريوهات بما في ذالك السيناريو الأمني، لضمان وجودها في قلب المعادلة. الأمر الذي يدفعنا في هذا السباق إلى التساؤل في حال عدم توصل إلى معادلة سياسية ترضي جميع القوى في العراق : هل سيتحول الصراع السياسي إلى عنف سياسي أم أن الراعي الأمريكي والمتنفذ الإيراني في العراق سيتدخلان قبل وصول الصراع السياسي إلى حافة الهاوية لضبط المعادلة السياسية؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية